تعهدات السلطة بحماية الحريات في سوريا الجديدة بحاجة إلى اختبار

الحكومة تتراجع عن محاسبة إعلاميين كانوا جزءا من آلة الدعاية لنظام الأسد.
الجمعة 2025/01/03
بطل آخر جديد في الإعلام

تسعى وزارة الإعلام السورية الجديدة إلى طمأنة الهياكل الصحفية في الداخل والخارج بشأن توجهاتها في التعامل مع الحريات الإعلامية التي شهدت قمعا خلال العقود الماضية، وشملت التعهدات التراجع عن محاسبة من كانوا ضمن الآلة الإعلامية للنظام السابق.

بغداد - تعهد وزير الإعلام السوري الجديد محمد العمر بضمان حرية الإعلام والتعبير، عقب مطالب بـ”تأسيس حالة إعلامية جديدة تعتمد على الحرية وشرعة حقوق الإنسان.” فيما تسود المخاوف من تقييد السلطة الجديدة للإعلام كما كان الحال في عهد الرئيس السابق بشار الأسد، ويرى الكثيرون أن التعهدات هي رهن التطبيق على أرض الواقع.

وقال الوزير العمر إنه سيتم العمل على إعادة بناء إعلام سوري حر يتصف بالموضوعية والمهنية، وعلى تعزيز حرية الصحافة والتعبير عن الرأي التي كانت مقيدة بشدة في مناطق النظام السابق.

وطمأن مجموعة الصحافيين التي عملت خلال حكم الأسد لكنها “رفضت أن تكون أدوات للتطبيع،” ووعد بأنه “سيتم استدعاؤها لتعود إلى مواقعها.”

ونشرت وزارة الإعلام في 13 ديسمبر الماضي بيانا أثار قلق صحافيين كانوا يعملون تحت مظلة النظام السابق، أكدت فيه عزمها محاسبة “جميع الإعلاميين الحربيين الذين كانوا جزءا من آلة الحرب والدعاية لنظام الأسد الساقط، وساهموا بشكل مباشر أو غير مباشر في الترويج لجرائمه.”

محمد العمر: الإعلام في المرحلة المقبلة سيشهد تغييرات جذرية
محمد العمر: الإعلام في المرحلة المقبلة سيشهد تغييرات جذرية

والقرار الذي وصف بأنه جزء من تطبيق العدالة الانتقالية أثار أسئلة عديدة حول مستقبل الصحافة في البلاد وتوازنها بين المحاسبة والمصالحة.

وبحسب الوزارة، فإن الإعلاميين الذين ساهموا في دعم النظام السابق وتبرير آلته الحربية سيتعرضون للمحاسبة ضمن إطار السعي لتحقيق العدالة للضحايا، من المتورطين في الترويج لما وصفته بـ”جرائم الأسد”، لكن في الوقت ذاته تسبب القرار بمخاوف بين الإعلاميين الحاليين من أن يتحول إلى أداة للانتقام السياسي، لاسيما الصحافيين الذين شكل عملهم لسنوات طويلة في وسائل إعلام محسوبة على النظام مصدر رزق لهم.

وقال مدير مكتب دمشق لرابطة الصحافيين السوريين (المعارضة) بسام سفر “لا يمكن محاسبة أيّ إعلامي إلا إذا ثبت أنه مشارك في الدم، وهذه قضية لا يمكن غفرانها وهو مطلوب للعدالة.” وأضاف “علينا أن نسعى إلى مصالحة الإعلاميين باتجاه تأسيس حالة إعلامية جديدة تعتمد على الحرية وشرعة حقوق الإنسان.”

وتعهد الوزير الذي عمل في حكومة الإنقاذ في إدلب بتقليل إجراءات البيروقراطية وتيسير عمل الوفود الصحفية الأجنبية. وأضاف “وجهنا نداءات مباشرة منذ تحرير مناطق سورية خصوصا في دمشق باستمرار العمل الإعلامي للعاملين في مؤسسات النظام.”

وتابع العمر في مقابلة مع وكالة فرانس برس نشرت الأربعاء “كان هناك تقييد كبير لحرية الصحافة والتعبير عن الرأي ورقابة من قبل النظام.”

وبعد ساعات قليلة من دخول الفصائل إلى دمشق، زيّنت وسائل الإعلام الرسمية السورية التي كانت تمجد الرئيس المخلوع بألوان “الثورة” وانتقدت “النظام المجرم” وهي كلمات لم يكن من الممكن تصور النطق بها قبل أقل من شهر.

وعلى مدى عقود، قمع حزب البعث الحاكم وعائلة الأسد كل الحريات في سوريا وكمّموا أفواه الصحافيين وحوّلوا وسائل الإعلام إلى أدوات لخدمة السلطة.

وعندما اندلعت المظاهرات المؤيدة للديمقراطية في 2011، تعرضت الحركة لقمع دام وسرعان ما وُصف المتمردون الذين حملوا السلاح ضد السلطة بأنهم “إرهابيون” في خطاب السلطات.

على مدى عقود، قمع حزب البعث الحاكم وعائلة الأسد كل الحريات في سوريا وكمّموا أفواه الصحافيين وحوّلوا وسائل الإعلام إلى أدوات لخدمة السلطة

وعلق العمر على هذه الممارسات التي كانت سائدة في سوريا حتى وقت قريب بالقول “نحن لا نريد أن نستمر على نفس النهج، أي إعلام رسمي معني بتلميع صورة السلطة.”

ونوّه “نعمل على تعزيز حرية الصحافة والتعبير عن الرأي التي كانت مقيدة بشدة في مناطق النظام المخلوع.” وسيتم التوجيه “باستمرار العمل الإعلامي للعاملين في مؤسسات النظام وأكد أنه سيتم الاعتماد على “الخبرة والكفاءة.”

وتحدث الوزير الثلاثاء، مع العشرات من الصحافيين السوريين لمناقشة المرحلة الانتقالية، وقال “ما نعتمد عليه في الفترة المقبلة هو الخبرة والكفاءة، نريد إعلاما يعبّر عن الثقافات السورية المتنوعة وطموحاتها وينقل اهتماماتها ويشكل صلة وصل بين الشعب والإدارة الموجودة.”

وكانت وزارة الإعلام السورية قد أعلنت الخميس الماضي، حظر “تداول أيّ محتوى إعلامي أو نشره، أو محتوى إخباري ذي طابع طائفي يهدف إلى بث الفرقة والتمييز بين مكونات الشعب السوري.”

وأكدت في منشور على صحفتها بموقع فيسبوك على ضرورة التزام كافة المؤسسات الإعلامية والناشطين الإعلاميين بالعمل على نشر قيم التآخي والتعايش المشترك، مع التشديد على أن أيّ مخالفة لأحكام هذا القرار ستعرّض أصحابها للمحاسبة القانونية.

وأكد العمر أن “الإعلام في المرحلة المقبلة سيشهد تغييرات جذرية،” مشيرا إلى أن “الإعلاميين الذين انشقوا عن النظام في بداية الثورة، سيلعبون دورا محوريا في قيادة المؤسسات الإعلامية الجديدة.”

وقال العمر “لا نريد أن نستمر بالإعلام الأمني الذي اعتمد عليه النظام البائد.. ورثنا مؤسسات إعلامية مبنية على الطائفية، وهذا الإرث يجب أن يتغير ليعكس تطلعات الشعب السوري وأهداف الثورة.”

"لا نريد أن نستمر بالإعلام الأمني الذي اعتمد عليه النظام البائد.. ورثنا مؤسسات إعلامية مبنية على الطائفية، وهذا الإرث يجب أن يتغير"

وأضاف “كما كانت لدينا عملية عسكرية باسم ردع العدوان، يجب أن تكون لدينا عملية إعلامية ضد الثورات المضادة. الإعلام سيكون أداة أساسية في بناء سوريا الجديدة وتحقيق العدالة والمساواة.”

ويؤكد البعض بأنه من المؤكد أن هناك فنانين وإعلاميين وشخصيات عامة، كانت تخشى من بطش النظام، الذي لم يتوانَ يوما عن الإجرام والتنكيل بالسوريين، وهو ما بدا واضحا في صور المعتقلات المروعة التي ظهرت أمام العالم، ما يجعل من الصعب رفض إملاءات السلطة خصوصا في الإعلام الرسمي.

في المقابل تنتشر تعليقات على مواقع التواصل الاجتماعي، تقول إن من يتحدث عن ذلك الماضي ويشير إليه ويسخر من “التكويع”، وهو المصطلح السوري الذي بات يصف ظاهرة انقلاب الموالين إلى معارضين بسرعة، يقوم بـ”التحريض العكسي”، ويتم نشر سردية طائفية أو سردية انتقامية، مع التركيز على أن نظام الأسد كان الجهة التي تفرق السوريين وتضعهم ضد بعضهم البعض. ورغم أن ذلك صحيح، إلا أن السياق العام مهم ولا يجب إغفاله، لأن البحث عن العدالة والمساءلة، ضروري لبناء مجتمع جديد وصحي يواجه كوارث الماضي بدل تجنبها وإنكار حصولها بشكل كامل.

ومحمد العمر هو عضو في الحكومة الانتقالية التي شكلها في دمشق ائتلاف من فصائل معارضة بقيادة هيئة تحرير الشام أطاحت ببشار الأسد في 8 ديسمبر 2024، ما أنهى أكثر من نصف قرن من حكم هذه العائلة.

وكان العمر أصلا وزيرا للإعلام في حكومة الإنقاذ المعلنة ذاتيا والتي شكلت في 2017 بمحافظة إدلب التي سيطرت عليها المعارضة في شمال غرب البلاد لتقديم الخدمات للسكان المحرومين من مؤسسات الدولة.

5