تعظيم الدور الأفريقي في السودان لإبعاد الدول العربية

الاتحاد الأفريقي وإيغاد يحافظان على حضور رمزي في الأزمة.
الثلاثاء 2023/05/02
اجتماعات بلا نتائج واضحة

أبان عجز الاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد) عن وقف الحرب في السودان، مع دخول القتال أسبوعه الثالث قبل أيام، أن الحديث المتصاعد عن الدور الأفريقي في الأزمة مجرد تعظيم الهدف منه إبعاد الدول العربية.

الخرطوم - نفخت قوى إقليمية ودولية عديدة في ضرورة أن تقوم مفوضية الأمن والسلم والهيئة الحكومية للتنمية في شرق أفريقيا (إيغاد) بدور فعال في التهدئة ووقف إطلاق النار ثم التمهيد لمفاوضات لحل الأزمة المحتدمة في السودان، على أن تواصل الجهتان التنسيق مع البعثة الأممية في الخرطوم أو تتحركان بصورة فردية.

وسعت دولتا جنوب السودان وإثيوبيا للحفاظ على ما يعرف بـ”أفرقة الأزمة السودانية” وعدم تمكين جهات أخرى من السيطرة عليها، مستفيدتين من دعم دولي ظهر في كلمات ممثلي عدة دول خلال اجتماع عقده مجلس الأمن الأسبوع الماضي في نيويورك، صبت نتيجته في صالح منح أفريقيا دورا كبيرا، انسجاما مع انطباع سائد يؤيد التعامل مع السودان كبلد أفريقي، وعدم الالتفات إلى هويته العربية.

وظهرت تحركات رئيس جنوب السودان سلفا كير ميارديت الأيام الماضية للحفاظ على الزخم الأفريقي، ومنع التشويش عليه من قريب في ظل تحركات متسارعة تقوم بها اللجنة الرباعية المكونة من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والسعودية وبريطانيا.

عادل سيد أحمد: المبادرة الأميركية - السعودية هي الأعلى صوتًا ضمن الوساطات
عادل سيد أحمد: المبادرة الأميركية - السعودية هي الأعلى صوتًا ضمن الوساطات

وأسفرت تحركات قامت بها واشنطن والرياض عن تمديد خامس لوقف إطلاق النار مدة ثلاثة أيام، بدءا من صباح الاثنين، عقب وساطة مشتركة بينهما لدى الطرفين المتصارعين قائد الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان وقائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، فتحت المجال أمام الحديث عن دور غير أفريقي جاد.

وكشف وزير خارجية جيبوتي محمود علي يوسف عن القيام بمساع لعقد اجتماع لممثلين عن البرهان وحميدتي، مع ممثلي كل من جنوب السودان وجيبوتي وكينيا، لتحقيق مصالحة بينهما وبدْء “وساطة رسمية وفاعلة” تنفيذا لمهمة إيغاد.

وتجتهد حكومة جوبا لحث الطرفين على استضافة اجتماع يجمعهما أو يجمع من ينوب عنهما قريبا، غير أن هذا التحرك يصطدم بجهود أميركية – سعودية لجمعهما في جدة.

وتسعى دول أفريقية، مدعومة من قوى دولية في بعض الأوقات، للحفاظ على دور الاتحاد الأفريقي وإيغاد في السودان، والذي ظهر بوضوح عقب سقوط نظام الرئيس السابق عمر البشير في أبريل 2019، وأسهم في تذليل العقبات والتوقيع على وثيقة دستورية بين قوى مدنية وأخرى عسكرية لعبور المرحلة الانتقالية.

وأدت ثغرات حملتها الوثيقة وتعديلاتها اللاحقة إلى عجز الدور الأفريقي عن تحقيق اختراق في الأزمة يؤدي إلى نقل السلطة من الجيش إلى المدنيين، حتى حدث انقلاب أكتوبر 2021 وتم عزل حكومة عبدالله حمدوك.

وعندما وصل المكون العسكري والقوى المدنية إلى طريق مسدود دخلت البعثة الأممية في السودان كرافعة دولية جديدة لكل من الاتحاد الأفريقي وإيغاد عبر ما عرف بالآلية الثلاثية، وقادت جهودها إلى توقيع الاتفاق الإطاري، لكنه لم يفلح في الوصول إلى غايته وهو التوقيع على اتفاق سياسي نهائي في بداية أبريل لتسليم السلطة إلى المدنيين.

وأعاد الصدام العسكري بين الجنرالين، البرهان وحميدتي، التذكير بأن الأزمة أكبر من قدرات أي دور أفريقي، وأن الحفاظ على رمزيته يمكن أن يتم من خلال التعاون مع أطراف أخرى، دولية وإقليمية، لديها أدوات ضغط على الطرفين.

ويقول مراقبون إن الصراع دخل نفقا مظلما لا تصلح معه الأدوات الأفريقية التقليدية، والتي أخفقت في حلحلة عدة أزمات داخل القارة كانت أقل حدة مما هو حاصل الآن في الخرطوم، والتعويل عليها يعني إطالة أمد الأزمة أو المتاجرة بها سياسيا، فأي تسوية لن تبدأ قبل تثبيت الهدنة ووقف تام لإطلاق النار ثم الشروع في مفاوضات.

ويشير هؤلاء المراقبون إلى أن التعقيدات التي تحيط بالأزمة تستلزم البحث عن أدوار لقوى يمكنها إجبار الجنرالين أو حثهما على تقديم تنازلات، وهو ما تفتقر إليه الآلية الثلاثية حاليا، كما أن محاولة الإيحاء بأن أفريقيا بيدها الحل والعقد تخلط بين الأوراق وتبتعد عن الحقيقة، وقد تدغدغ المشاعر السياسية، لكنها لن تفضي إلى نتيجة.

وقال المحلل السياسي السوداني عادل سيد أحمد لـ”العرب” إن “المبادرة التي أطلقها الاتحاد الأفريقي وإيغاد للحل موجودة على الساحة وتعمل بقوة، والجهتان كانتا من أوائل الدوائر التي تحركت على الأرض عبر تبني فكرة إرسال رؤساء كينيا وجنوب السودان وجيبوتي إلى الخرطوم للتباحث بشأن وقف إطلاق النار”.

الصراع السوداني دخل نفقا مظلما لا تصلح معه الأدوات الأفريقية التقليدية التي أخفقت في حلحلة عدة أزمات داخل القارة

وواجه رؤساء الدول الثلاث عقبة الوصول إلى العاصمة، ومع توالي الهدنات بات من الممكن إيجاد مسار آمن يسمح بوصول الوسطاء ومن ثمة تتحرك المبادرة الأفريقية على أرض الواقع.

وأضاف سيد أحمد أن “التحركات الأفريقية تحظى بدعم من المجتمع الدولي، والأمم المتحدة تشجع المبادرات الإقليمية وترى أن الاتحاد الأفريقي أحد أهم روافد المنظمة الدولية، والآلية الثلاثية ترعى التحركات وتعمل على إنجاحها، وقبول طرفي النزاع بالمبادرات الأفريقية يوجد فرصة لتحقيق اختراق مهم يساعد على تهدئة الصراع”.

وأوضح لـ”العرب” أن “السودان أمام سباق من الوساطات، والمبادرة الأميركية – السعودية هي الأعلى صوتًا حتى الآن”، مضيفا أن “طرفي النزاع استجابا لها مباشرة من خلال القبول بهدنة جديدة لمدة 72 ساعة، وتحدثا عن عقد لقاء لمندوبين عنهما في جدة، ومن المتوقع أن تتحرك هذه المبادرة لمنع ازدياد تردي الأوضاع العسكرية”.

وحاولت بعض الدول الأفريقية منع دول عربية من تقديم مقاربة لحل الأزمة السودانية كي لا تفتح الباب أمام التدخل في صراعات وخلافات أخرى، ولعل تمسك غالبية القادة الأفارقة بحل أزمة سد النهضة الإثيوبي بين أديس أبابا والقاهرة والخرطوم داخل البيت الأفريقي يمثل دليلا واضحا على ذلك، وعندما صعّدت مصر الأزمة إلى مجلس الأمن الدولي مرتين أعادها إلى الحضن الأفريقي الذي لم يفلح في حلحلتها.

وتظل فكرة الحفاظ على الحضور الأفريقي المعنوي أقرب إلى تبنيها في التعامل مع الصراع الراهن في السودان، لأنها تقلل من إمكانية التقاطع السلبي للمبادرات والوساطات المتعددة، وربما تحدّ من الخلافات الناشبة عن التباين في التعاطي مع أزمة قد تمتد طويلا ويمكن أن تؤثر على مصالح جيران السودان وقوى كبرى.

2