تعطيل الحوار الوطني تهمة متبادلة بين الأحزاب المصرية

الحكومة تبدو على قناعة بأن أحزاب المعارضة تحاول جني كل المكاسب دون أن يكون لها ثقل شعبي على الأرض.
الخميس 2023/03/16
تهم وتهم مضادة

القاهرة – أسهم تأخير انطلاق الحوار الوطني في مصر عمليا في تزايد التراشق السياسي بين قوى سياسية تصنف على أنها ضمن تحالف أحزاب الموالاة القريب من الحكومة، وأخرى معارضة ضمن تكتل الحركة المدنية الديمقراطية، ما يفتح الباب لتساؤلات حول إمكانية توظيف هذه الحالة لتبرير أسباب تأخر تدشين الحوار بعد نحو عام على الدعوة إليه، بذريعة عدم وجود أجواء مناسبة تدفع نحو إطلاقه.

ودعا تحالف تأسس أخيرا يسمى “التيار الإصلاحي الحر”، يضم أحزاب الجيل والاتحاد والإصلاح والنهضة ومصر القومي، وجميعها تدور في فلك الحكومة، إلى البدء الفوري في الحوار الوطني، واعتبر أن التأخير يحقق مصالح شخصية لبعض الأحزاب والقوى – لم يسمها – “على الرغم من الاستجابة لكافة طلباتها المعقولة وغير المعقولة”.

وطالبت الحركة المدنية الديمقراطية، وتضم أحزاب تيار الكرامة والمصري الديمقراطي الاجتماعي وحزب المحافظين والتحالف الشعبي الاشتراكي والإصلاح والتنمية والحزب الشيوعي والعيش والحرية والدستور، بجانب شخصيات عامة، بضمانات لنجاح الحوار الوطني، في مقدمتها الإفراج عن كافة المحبوسين على ذمة قضايا رأي وحريات، ما يشي بأن بيان تيار الإصلاح وجه سهامه إلى المعارضة.

كمال زايد: عملية إطلاق الحوار الوطني تجابهها مشكلات
كمال زايد: عملية إطلاق الحوار الوطني تجابهها مشكلات

وتؤكد الرؤية التي طرحها التحالف الذي يضم أحزابا يمكن وصفها بـ”الضعيفة” وتفتقر إلى حضور فاعل على الأرض، وجود تهديدات تلوّح بها دوائر قريبة من الحكومة بإمكانية الاتجاه نحو إطلاق الحوار الوطني بلا مشاركة الأحزاب المعارضة.

وحث البيان المفاجئ المنسق العام للحوار الوطني ضياء رشوان على “تحديد موعد نهائي لبدء المناقشات الفعلية، بمن يحضر من الأحزاب السياسية”، لافتا إلى استعداد أكثر من 90 في المئة من الأحزاب للمشاركة.

ولم يختلف هذا الموقف عما قدمه سابقا حزب التجمع اليساري، حيث أشار على لسان مساعد رئيس الحزب عماد فؤاد إلى أن أحزاب الحركة المدنية “تبتز الدولة والقائمين على الحوار الوطني والأحزاب الأخرى، وتصور نفسها على أنها المعارضة في مواجهة السلطة”، منتقدا ما وصفه بـ”استسلام” أمانة الحوار منذ تشكيلها لما يمكن تسميته بـ”الابتزاز السياسي”، ما أدى إلى عرقلة انطلاق الحوار.

وردت قيادات بالحركة المدنية متهمة أحزاب الموالاة بالتسبب في تأخير انطلاق الحوار بسبب عدم تقديم قوائم أعضائها المشاركين في جلساته المباشرة، ما يمثل تعطيلا لبدء الحوار وتقديم مبررات لتأخيره، وإغفال السبب الحقيقي وهو عدم الإفراج عن كافة القوائم التي حوت أسماء محبوسين على ذمة قضايا رأي.

وقال عضو مجلس أمناء الحوار الوطني كمال زايد إن ما جاء في بيان “التيار الإصلاحي الحر” ليس دقيقا، ولم يتم تأسيسه على معلومات حقيقية، والحديث عن تقديم رؤية التحالف للحوار قبل ثلاثة أشهر ليس صحيحا، “فلم تصل إلى مجلس أمناء الحوار أي رؤى من جانب هذا التحالف”.

ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى أن عملية إطلاق الحوار الوطني تجابهها مشكلات، ولا يعني ذلك أن طرفا بعينه يعمل على تعطيل تدشين الحوار، ففي النهاية هو قرار الدولة المصرية التي تستطيع إطلاقه في الوقت الذي تراه مناسبا، ولا يمكن إلصاق التهمة بالحركة المدنية التي ليست لديها قدرة على عرقلته.

وذكر زايد، وهو أحد قيادات الحركة المدنية، أن الأحزاب المشاركة في الحركة هي الوحيدة التي قدمت مرشحيها للحوار، والأكثر حرصا على نجاحه، وتأمل أن تتم الاستجابة للضمانات التي تم التوافق عليها منذ إطلاق الحوار قبل نحو عام مع إنجاز غالبيتها، وهو ما تأمل في تحقيقه، ومن ثم بدء الجلسات المباشرة في أقرب فرصة.

ويرجع تصاعد الاتهامات المتبادلة بين الطرفين إلى قناعة كل طرف بأن الآخر هو المتسبب الحقيقي في البقاء كل هذه الفترة من دون انطلاق الجلسات المباشرة للحوار منذ تشكيل مجلس الأمناء في يناير الماضي، وما أعقب ذلك من تحديد المحاور الرئيسية الثلاثة (السياسية والاقتصادية والمجتمعية) وتحديد المرشحين للعمل فيها، ما يشي بغياب الثقة وتزايد حدة الغضب مع تصور كل طرف أن الآخر يسعى إلى تمرير الحوار وفقا لأجندته السياسية.

هاشم ربيع: الحكومة والمعارضة تتحملان مسؤولية تأخير انطلاق الحوار
هاشم ربيع: الحكومة والمعارضة تتحملان مسؤولية تأخير انطلاق الحوار

وتبدو الحكومة على قناعة بأن أحزاب المعارضة تحاول جني كل المكاسب دون أن يكون لها ثقل شعبي على الأرض يجعلها تملك الحق في فرض تنفيذ الضمانات التي تراها مناسبة، وأن الاستجابة الكبيرة لها من خلال الإفراج عن أكثر من 1200 محبوس على ذمة قضايا رأي وحريات والسماح بعودة عدد من المعارضين في الخارج إلى مصر، وإتاحة الفرصة أمامها للتحرك السياسي على نحو أكبر، كافية لتهيئة الأجواء المناسبة لإطلاق الحوار الوطني.

وتواجه الحركة المدنية الديمقراطية ضغوطات من داخلها تدفع إلى ضرورة الإفراج عن القوائم التي قدمتها، خاصة أن الحكومة لم تطلق سراح بعض الأسماء الشهيرة التي طالبت الحركة بالإفراج عنها، وعلى رأسها الناشطان السياسيان أحمد دومة ومحمد عادل، وتدرك أن القبول بالمشاركة في الحوار على هذا النحو البطيء سوف يصيبها بالتفتت وسط انقسام ظاهر للآراء داخلها حول الاستمرار أو الانسحاب من الحوار.

وأكد عضو مجلس أمناء الحوار الوطني عمرو هاشم ربيع أن التيار الوليد “الإصلاحي الحر” يحاول أن يقدم نفسه بديلا عن الحركة المدنية كطرف معارض في الحوار الوطني، ويظهر بيانه الأخير وكأنه يحاول ابتزاز المعارضة ودفعها نحو القبول بالمشاركة في الحوار وفقا للمعطيات الحالية، وهو أمر لن يؤتي بنتائج سياسية إيجابية أو يساعد على توفير الأجواء المناسبة لنجاح الحوار.

وشدد في تصريح لـ”العرب” على أن الحكومة والمعارضة تتحملان مسؤولية تأخير انطلاق الحوار عمليا، لأن الحركة المدنية لديها بعض المغالاة في مطالبها وتصر على إخلاء سبيل أسماء بعينها أو الانسحاب من الحوار، وتحتج الحكومة على أي موقف أو بيان أو تصريح صادر عن المعارضة وتحملها مسؤولية التعثر، ومن هنا يصعب التنبؤ بسلوكها لافتقادها الحنكة السياسية في إدارة المشهد الراهن.

وأعرب هاشم ربيع عن تفاؤله بإطلاق جلسات الحوار الوطني قبل حفل إفطار الأسرة المصرية القادم والمزمع عقده في النصف الثاني من شهر رمضان المقبل، بما يشير إلى ضرورة حدوث تقدم ملموس للحوار على الأرض، وهو أمر متوقع في ظل اهتمام الرئيس عبدالفتاح السيسي المستمر بأهمية انطلاق الحوار، ومطالبته بتحريك الجمود الحالي، ما يؤكد وجود إرادة سياسية لنجاحه لدى الدولة المصرية.

2