تعطل سلاسل التوريد يعمق أزمة الوقود في سوريا

انسداد منافذ تهريب النفط من بيروت وطهران يقوض فرص خرق قانون قيصر.
الجمعة 2020/09/18
سيارات بلا بنزين

دخلت أزمة الوقود في سوريا نفقا عميقا حيث تعطلت سلاسل التوريد بالكامل مدفوعة بالعقوبات الأميركية، فضلا عن انسداد منافذ تهريب النفط من بيروت خصوصا بعد الانفجار وتقلص الدعم من طهران الغارقة أصلا في دوامة الانهيار الاقتصادي.

دمشق – زادت أزمة نقص الوقود من متاعب الاقتصاد السوري حيث تشهد الأسواق نقصا فادحا في المواد النفطية جراء العقوبات الأميركية التي قوضت وصول شحنات النفط إلى دمشق ما ينذر بتأجيج الاحتقان الاجتماعي لاسيما مع انهيار العملة وارتفاع التضخم بشدة.

وألقت السلطات السورية باللوم على العقوبات الأميركية في نقص الوقود الحاد فيما أكد متعاملون أن انفجار مرفأ بيروت زاد في تعطيل إمدادات النفط.

ويكافح لبنان، البلد الذي لطالما شكّل رئة سوريا خلال الحرب وممرا للبضائع ومخزنا لرؤوس أموال رجال أعمالها، تدهورا أكبر في اقتصاده المنهار أساسا خصوصا بعد انفجار أكبر ميناء تجاري في البلاد.

وقال وزير النفط السوري بسام طعمة الأربعاء إن “سوريا تعاني نقصا حادا في البنزين نتيجة العقوبات الأميركية المشددة التي تعطل واردات الوقود الحيوية، وذلك في أحدث أزمة تضر باقتصاد البلد الذي دمرته الحرب”.

وقال طعمة للتلفزيون الرسمي إن “قانون قيصر وهو أكثر العقوبات الأميركية صرامة الذي دخل حيز التنفيذ في يونيو الماضي ويحظر تعامل الشركات الأجنبية مع دمشق عطّل عدة شحنات من موردين” لم يكشف عنهم.

وأضاف الوزير “تشديد الحصار الأميركي ومنعه وصول الواردات اضطرّنا إلى أن نخفض هذا التوزيع بنحو 30 إلى 35 في المئة”.

ويقول سكان إن هناك نقصا حادا في العاصمة والمدن الرئيسية، حيث تشكلت طوابير طويلة من المركبات بمحطات البنزين الأسبوع الماضي.

ويأتي نقص الوقود مع دخول البلاد في خضم أزمة اقتصادية، وسط انهيار العملة وارتفاع التضخم بشدة، مما يزيد من حدة المصاعب التي يواجهها السوريون الذين يعانون من حرب مندلعة منذ أكثر من تسع سنوات.

وحددت الحكومة للمركبات الخاصة حصة حجمها 30 لترا من البنزين كل أربعة أيام، وقال السكان إن المئات من سائقي السيارات ينتظرون لساعات قبل فتح محطات الوقود.

وتسببت أزمة الوقود في انتعاش السوق السوداء حتى صار باعة البنزين الحر ينتشرون وبشكل كبير، على جوانب الطرقات في مدينة السويداء التي يقطنها غالبية من الطائفة الدرزية، وبالقرب من محطات الوقود، في مشهد مثير للانتباه، وبأسعار خيالية، دون رقيب أو حسيب..

وانهار إنتاج النفط بعد أن فقدت دمشق معظم حقولها في قطاع من الأرض شرقي نهر الفرات في دير الزور.

بسام طعمة: العقوبات الأميركية عطلت واردات الوقود الحيوية
بسام طعمة: العقوبات الأميركية عطلت واردات الوقود الحيوية

وحقول النفط هذه واقعة الآن في أيدي الأكراد السوريين المدعومين من الولايات المتحدة، والذين يواصلون بيع جزء من النفط إلى دمشق.

وسبق أن اعتمدت سوريا على شحنات النفط الإيرانية، لكن تشديد العقوبات عليها وعلى الجمهورية الإسلامية وحلفائهما أدى إلى توقف الإمدادات العام الماضي.

وقال طعمة “إن النقص تفاقم بسبب أعمال الصيانة الرئيسية في مصفاة بانياس، أكبر مصفاة في البلاد، والتي توفر ثلثي احتياجاتها من البنزين”.

وأضاف أن أعمال الصيانة التي لم يكن منها بد في المصفاة البالغ طاقتها 130 ألف برميل يوميا ستكتمل خلال عشرة أيام، مما سيرفع طاقتها بنسبة 25 في المئة.

وأوضح “الأزمة إلى انفراج نهاية هذا الشهر مع انتهاء أعمال الصيانة في مصفاة بانياس وعودتها للعمل حيث سيزيد إنتاج مادة البنزين بنسبة 25 في المئة”.

وأفاد الوزير بأن شحنات من عدة مصادر لم يكشف عنها ستساعد أيضا في تخفيف الأزمة في وقت لاحق هذا الشهر.

ويقول متعاملون إن واردات النفط عبر مرفأ بيروت تعطلت أيضا في أعقاب الانفجار الكبير الذي شهده في أغسطس الماضي.

وتتهم واشنطن سوريا منذ فترة طويلة بتهريب النفط من خلال لبنان عبر منطقة حدودية يسهل اختراقها يسيطر عليها حزب الله، حليف دمشق، المدعوم من إيران.

وقال متعاملان إن نقص العملة الأجنبية أجبر دمشق أيضا على استيراد كميات أقل من الوقود في الشهرين الماضيين، مما زاد من شح الإمدادات.

ودخل “قانون قيصر” الأميركي حيز التنفيذ في يونيو الماضي، بإعلان واشنطن إنزال عقوبات على 39 من الأشخاص والكيانات المرتبطين بالنظام السوري.

وليست العقوبات جديدة على البلاد، فقد عرقلت الإجراءات الأميركية والأوروبية منذ سنوات قدراتها الاقتصادية، بعدما طالت شركات ورجال أعمال وقطاعات مختلفة.

لكن القانون الجديد يوسّع دائرة الاستهداف لتطال أذرعه أيضا، عدا عن مسؤولين سوريين، كل شخص أجنبي يتعامل مع الحكومة السورية وحتى الكيانات الروسية والإيرانية في سوريا. ويشمل مجالات عدة من البناء إلى النفط والغاز.

وينص القانون على اتخاذ إجراءات خاصة بحق المركزي إذا ثبت أنه “مؤسسة مالية أساسية في عمليات تبييض الأموال”.

ويعيش أكثر من 80 في المئة من السوريين تحت خط الفقر، وفق الأمم المتحدة، بينما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بمعدل 133 في المئة منذ مايو من العام الماضي، بحسب برنامج الأغذية العالمي.

وعلى مدى تسع سنوات من الأزمة، تعرض الاقتصاد السوري لتدمير واسع، وقبل تطبيق القانون، قدرت مؤسسات دولية ومحلية خسائره بنصف تريليون دولار.

ولكن المركز السوري لبحوث الدراسات نشرت أواخر مايو الماضي، قدر خسائر الاقتصاد منذ بدء الحرب عام 2011 وحتى مطلع هذا العام بـ530 مليار دولار، ما يعادل 9.7 أضعاف الناتج المحلي الإجمالي عام 2010.

كما ارتفع الدين العام للبلاد ليتجاوز 200 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، فيما يقترب معدل البطالة من 50 في المئة قياسا بنحو 15 في المئة في 2010.

11