تعديل نظام المدفوعات يزيد من إضعاف شعبية محمود عباس

رام الله - واجه الرئيس الفلسطيني محمود عباس الثلاثاء انتقادات من حلفاء وخصوم بسبب مرسوم يقضي بتعديل نظام المدفوعات لأسر الفلسطينيين الذين قتلتهم إسرائيل أو سجنتهم، في خطوة تهدف إلى تلبية مطلب أميركي، وستلحق على الأرجح مزيدا من الضرر بشعبيته الضعيفة بالفعل.
وأصدر عباس (89 عاما) مرسوما الاثنين يقضي بإلغاء النظام القائم الذي طالما هاجمته إسرائيل التي تقول إنه يكافئ الهجمات عليها لكن الفلسطينيين يعتبرونه مصدرا حيويا لرعاية أسر المعتقلين.
وقال محللون فلسطينيون إن الإعلان المفاجئ يبدو أنه يستهدف إزالة مصدر محتمل للتوتر مع الرئيس الأميركي دونالد ترامب ومحاولة للحفاظ على دور السلطة الفلسطينية في الوقت الذي تشدد فيه واشنطن نهجها المؤيد لإسرائيل في التعامل مع الصراع.
ورأى هاني المصري، المحلل السياسي الفلسطيني في رام الله، أن “الهدف هو محاولة فتح صفحة جديدة مع ترامب في الوقت الذي أدار الأخير ظهره للفلسطينيين بشكل كامل بالدعوة إلى التهجير.”
ويصف مسؤولون إسرائيليون وأميركيون نظام المدفوعات التي تشبه الرواتب بأنه “دفع مقابل القتل”، وهو وصف يرفضه الفلسطينيون. وكان إلغاء هذا النظام مطلبا رئيسيا للإدارات الأميركية المتعاقبة. وقاوم عباس لفترة طويلة الضغوط التي كانت تطالبه بوقف هذا النظام.
وستقدم السلطة الفلسطينية بدلا من ذلك الدعم لأسر السجناء عبر شبكة رعاية اجتماعية، وفقا للحاجة وليس بناء على مدة سجنهم. وقال قدورة فارس، رئيس هيئة شؤون الأسرى والمحررين والعضو في حركة فتح التي يتزعمها عباس، “إن ما بين 35 و40 ألف أسرة ستتأثر.”
وأضاف فارس في مؤتمر صحفي “كان هناك إصرار من البعض على أن يرموا هذا الموضوع في حضن الرئيس ليغير القانون وكان هذا هو الخطأ الكبير… قدمنا نصائح وبإلحاح، حذار من المساس بالقانون… لماذا تلقون بكرة اللهب إلى حضن السيد الرئيس، موضوع جدول الرواتب لم يقره الرئيس وإنما أقره مجلس الوزراء.”
وأكد على الحساسيات الهائلة المترتبة على إنهاء النظام الذي أقر في عهد الزعيم الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في تسعينات القرن الماضي. وطالب رئيس حركة الدفاع عن الحريات حلمي الأعرج بـ”سحب هذا المرسوم وكأنه لم يكن، خاصة في وقته ومضمونه، والأسرى على أبواب الحرية.”
عُقد المؤتمر الصحفي بعد اجتماع ممثلين عن الفصائل والقوى الفلسطينية وفق ما قاله ممثل إحدى القوى الوطنية. وتشمل قائمة المستفيدين عائلات في قطاع غزة وفلسطينيين يعيشون في لبنان وسوريا وأماكن أخرى، فضلا عن معتقلين يُنتظر الإفراج عنهم بموجب اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بين إسرائيل وحركة حماس.
ورفضت وزارة الخارجية الإسرائيلية مرسوم عباس ووصفته بأنه خدعة، قائلة إن المدفوعات ستستمر من خلال قنوات أخرى. وقال هاني المصري “ردود فعل الناس ستكون مرتبطة بآلية تطبيق القانون. إذا تم وقف الرواتب فسيكون (ذلك) القشة التي قصمت ظهر البعير.” وأضاف “هذا القرار يضعف شرعية وشعبية الرئيس الضعيفة أصلا.”
وتظهر استطلاعات الرأي الفلسطينية باستمرار تراجع شعبية عباس بين الفلسطينيين. ونددت حركة حماس بقرار عباس إلغاء “دفع المخصصات المالية لعائلات الأسرى والشهداء والجرحى، والتخلي عن قضيتهم الوطنية، في الوقت الذي يعمل شعبنا وقوى المقاومة على حفظ حقوق الشهداء وتحرير الأسرى وتوفير حياة كريمة للمحررين.”
◙ إلغاء النظام كان مطلبا رئيسيا للإدارات الأميركية المتعاقبة، وقاوم عباس لفترة طويلة الضغوط التي كانت تطالبه بوقفه
وقالت في بيان “المطلوب هو تقدير تضحيات الأسرى والجرحى وعائلات الشهداء العظيمة، والثمن الذي دفعوه من أرواحهم والسنوات التي قضوها في سجون الاحتلال، وأن نحافظ على عائلاتهم، بدلا من التخلي عنهم في هذا الظرف المصيري في تاريخ قضيتنا الفلسطينية.”
وتمارس السلطة الفلسطينية التي تتخذ من رام الله مقرا لها حكما ذاتيا محدودا على أجزاء من الضفة الغربية المحتلة. وأُنشئت هذه السلطة بموجب اتفاقات سلام مؤقتة مع إسرائيل قبل ثلاثة عقود.
وساعدت الرواتب والخدمات التي تقدمها السلطة الفلسطينية في الحفاظ على الدور السياسي الذي يلعبه عباس وحركة فتح في مواجهة التوسع الاستيطاني الإسرائيلي والتحدي السياسي الذي تفرضه حماس، التي أنهت سيطرة عباس على قطاع غزة في 2007.
ويأتي القرار في وقت تواجه فيه السلطة الفلسطينية ضغوطا مالية متزايدة بسبب تراجع المساعدات، فضلا عن القيود التي تفرضها إسرائيل على منظومة تحويل عوائد الضرائب وانخفاض مساهمات الفلسطينيين الذين جرى استبعادهم من سوق العمل الإسرائيلية بسبب الحرب في غزة.
وتخصم إسرائيل الأموال التي تدفعها السلطة الفلسطينية من الضرائب التي تجمعها نيابة عنها من السلع التي تعبر إسرائيل إلى الأراضي الفلسطينية. وطلبت السلطة الفلسطينية من دول عربية وأوروبية زيادة المساعدات لتعويض العجز المالي الذي يبلغ مليارات الشواقل، لكنها تواجه حتى الآن صعوبات في تحقيق تقدم ملموس.