تعديل قانون العقوبات يثير مخاوف الحقوقيين في الجزائر

تحذيرات من تفاقم الانتهاكات خلال التحقيقات الأمنية.
السبت 2024/03/09
توسيع دائرة الحماية القانونية لأسلاك الأمن مبعث قلق

يثير مشروع قانون العقوبات الجديد في الجزائر تحفظات الحقوقيين لما تضمنه من نصوص مثيرة للجدل وقابلة للتأويل، فضلا عن توسيع دائرة الحماية القانونية لأسلاك الأمن خلال أداء مهامهم، والذي يخشى من أن يتم استغلاله بشكل سلبي.

الجزائر - عرض وزير العدل حافظ الأختام الجزائري عبدالرشيد طبي، مشروع قانون العقوبات الجديد على مجلس الأمة، لمناقشته بعدما حصل على تزكية نواب المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الأولى للبرلمان)، وسط هواجس حقوقية من التعديلات التي أدرجت على ما عرف بحماية أسلاك الأمن خلال أداء مهامهم، والذي يطرح إمكانية تفاقم الانتهاكات وعدم احترام حقوق المتهمين.

وقدم وزير العدل تفاصيل حول مراجعة قانون العقوبات أمام لجنة الشؤون القانونية والإدارية بمجلس الأمة (الغرفة الثانية للبرلمان)، وذلك في إطار ما أسماه بـ”تنفيذ برنامج رئيس الجمهورية المتعلق بمكافحة الجريمة وتكريس الأمن المواطني وسلامة الأملاك”.

وتضمن المشروع المثير للجدل تسعة محاور، أبرزها مراجعة الأحكام المتعلقة ببعض القضايا الجنائية، وتعزيز حماية المسيرين ودعم الاستثمار، وتعزيز حماية ضحايا بعض الجرائم، وإدراج الجماعات الإجرامية المنظمة، ومحاربة جرائم التزوير وانتحال الوظائف، وتعزيز حماية الأسلاك الأمنية.

عبدالرشيد طبي: التعديلات تستهدف ضمان سلامة النسيج المجتمعي
عبدالرشيد طبي: التعديلات تستهدف ضمان سلامة النسيج المجتمعي

ولفت الوزير الجزائري إلى أن مراجعة الأحكام المتعلقة ببعض القضايا الجنائية، تهدف إلى تخفيف الضغط على محكمة الجنايات، ومنها مراجعة عقوبة السجن المؤبد واستبدالها بعقوبة السجن لمدة 30 سنة كحد أقصى، على غرار بعض أعمال العنف المتعمدة والحريق المتعمد الذي لا يتسبب في جروح أو عاهات مستديمة.

وأكد طبي على وجوب تعزيز حماية المسيرين في ممارسة مهامهم بغرض دعم الاستثمار والإصلاحات الاقتصادية المنتهجة من طرف الدولة، وذلك من خلال التمييز بين أفعال التسيير والأخطاء الجزائية، بإدراج العناصر الموضوعية لهذا النوع من الجرائم، منها جريمة التبديد وتقدير المسؤولية الجزائية للمسير، بهدف تحرير المبادرة لدى المسيرين في القطاع الاقتصادي العمومي.

وأدت حملة محاربة الفساد المفتوحة ضد المسيرين في مختلف المؤسسات الاقتصادية والحكومية، إلى شل مبادرة القائمين على الشأن العام، الأمر الذي خلق جمودا وتهربا من تحمل المسؤولية واتخاذ المبادرة الفردية أو المحلية، وهو ما انعكس بالسلب على وتيرة التنمية وترقية الخدمات المحلية، حيث باتت العقوبات سيفا مسلطا على المسؤولين والمسيرين، ولذلك بات كل واحد منهم يتهرب من اتخاذ القرار.

وأبدى محامون ونشطاء حقوقيون مخاوف من نوايا الحكومة في فرض المزيد من القيود على الحريات والحقوق، بالنظر إلى الصلاحيات الموسعة والحماية التي منحت في هذه التعديلات لأفراد الأمن خلال تأدية مهامهم، حيث كثيرا ما سجلت تجاوزات وانتهاكات في حق المستجوبين.

وقال هؤلاء إن النص لم يحظ بنقاش حقيقي سواء داخل الغرفة الأولى أو خارجها، باستثناء بعض المحامين الذين أبدوا تحفظات على بعض المواد، في إشارة إلى عدم فتح نقاش موسع حول المشروع من طرف المشرعين والمختصين والمجتمع المدني.

ولفتوا إلى أنه رغم بعض التعديلات المقترحة من قبل النواب، إلا أنه لم يتم سحب أو إدخال تعديلات كبيرة على المواد التي تعتبر خطرة، كما هو الحال مع المادة 163 مكرر 24 المتعلقة بحماية قوات الأمن أثناء ممارسة وظيفتها، لاسيما “استخدام القوة واستخدام الأسلحة، بدعوى الدفاع عن النفس”.

وأشار نشطاء حقوقيون إلى أن مواد جديدة تمت صياغتها بشكل غامض، وتضمنت عقوبات صارمة، على غرار ما تعلق بـ”الخيانة العظمى”، حيث ذكرت أنها تطبق عقوبة السجن مدى الحياة لأي شخص يقوم بنقل معلومات أو وثائق مصنفة على أنها سرية، تتعلق بالأمن القومي والجيش والاقتصاد الوطني عبر شبكات التواصل الاجتماعي، على سبيل المثال لا الحصر، كما أدرجت مادة تتعلق بعرقلة الاستثمار تنص على عقوبة تصل إلى السجن 12 عاما، دون تقديم تعريفات واضحة لهذه الأفعال.

ويبحث المشروع عن تكييف النصوص القانونية مع حزمة الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي أطلقها عبدالمجيد تبون قبيل انتخابه رئيسا للبلاد، لاسيما في شقها المتعلق بتهيئة المناخ الاقتصادي أمام المستثمرين ورؤوس الأموال ومحاربة البيروقراطية والفساد الإداري، خاصة وأن التجربة أبانت عن عرقلة مشاريع وتبديد إمكانيات ضخمة للمئات من المشاريع الاستثمارية التي تعطلت بسبب الأداء الإداري.

المشروع لم يحظ بنقاش حقيقي سواء داخل الغرفة الأولى أو خارجها، باستثناء بعض المحامين الذين أبدوا تحفظات

واقترح المشروع أحكاما تتضمن تجريم كل الأفعال الماسة بالاستثمار، إذ يعاقب بالحبس من سنة إلى ثلاث سنوات وبغرامة مالية من 800 إلى 2400 دولار أميركي كل من يقوم بأعمال أو ممارسات تهدف إلى عرقلة الاستثمار، وترتفع العقوبة من خمس إلى سبع سنوات إذا كان الفاعل ممن سهلت له وظيفته ارتكاب الجريمة.

وذكر وزير العدل أمام اللجنة البرلمانية المختصة بأن التعديلات تهدف إلى “تعزيز حماية ضحايا بعض الجرائم، عبر تشديد العقوبات على أعمال التحرش والاعتداء والاستغلال الجنسي، وإلى تعزيز الحماية الجزائية للمرأة من خلال تجريم قيام الزوج أو الخاطب المساس بالحياة الخاصة لزوجته أو خطيبته”.

وأضاف “النص القانوني يسعى من خلال التعديلات إلى ضمان سلامة النسيج المجتمعي الوطني من تأثيرات الجماعات الإجرامية المنظمة عن طريق تشديد العقوبات وتصنيف جرائم جديدة أفرزتها التطورات التكنولوجية، وإلى محاربة جرائم التزوير وانتحال الوظائف عبر إدراج تعديلات تتماشى وأحكام القانون الخاص بمحاربة التزوير واستعمال المزور”.

وفي معرض مرافعته على النص المثير للجدل حول حماية أسلاك الأمن، ذكر وزير العدل بأن “النص جاء لتعزيز حماية الأسلاك الأمنية من عدة مخاطر، خاصة تلك الصادرة عن عصابات الأحياء وغيرها من الاعتداءات التي يتعرضون لها، وأن رئيس الجمهورية أسدى تعليمات بضرورة تقديم الحماية اللازمة لأفراد القوة العمومية بمناسبة أداء مهامهم، لاسيما عن طريق توفير الآليات والإمكانيات التي تمكنهم من ممارسة مهامهم”.

واستحدث قانون العقوبات الجديد مادة لمعاقبة الأفعال المتصلة بالشتائم والكلام الفاحش بستة أشهر حبسا وغرامة مالية بـ800 دولار، وأوجد حماية لفئات المعلمين والأئمة بغية وضع حد للعنف المستشري ضد هؤلاء في المساجد والمدارس، إلى جانب حماية رموز ثورة التحرير من السب والتشهير.

4