تعديل قانون الانتخابات خطة المالكي البديلة لقطع طريق العهدة الثانية على السوداني

إعادة طرح إجراء تعديل على قانون الانتخابات العراقية مع اقتراب دخول سنة الاستحقاق الانتخابي الجديد، تظهر جدية مساعي القوى السياسية الشيعية المنافسة لرئيس الوزراء محمّد شياع السوداني في قطع مسار صعوده السياسي وسدّ طريق حصوله على ولاية ثانية على رأس الحكومة، وذلك بإعادة تفصيل القانون بشكل يحرمه من الاستفادة من شعبيته المتزايدة على حساب باقي قادة ورموز العائلة السياسية الشيعية التي ينتمي إليها.
بغداد - شرعت أطراف سياسية عراقية في الترويج لخيار إجراء تعديل جديد على قانون انتخاب البرلمان وذلك مع اقتراب موعد الاستحقاق الانتخابي الجديد المقرّر لسنة 2025. وتقف وراء الدفع بهذا الخيار رغبة شخصيات سياسية في قطع مسار الصعود السياسي لرئيس الوزراء الحالي محمّد شياع السوداني وسعيها المبكر لمنعه من الحصول على ولاية ثانية على رأس الحكومة تبدو في متناوله بالنظر إلى حصيلة ولايته الأولى المرضية إلى حدّ ما قياسا بمن سبقوه من رؤساء الحكومات، وهو عامل قابل للاستثمار انتخابيا خلال الاستحقاق القادم.
وبدأ الترويج للتعديل المذكور بعد فشل تمرير مقترح استقالة الحكومة وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة والذي طرحه ودافع عنه رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي الذي يقود من داخل الإطار التنسيقي المشكّل من أحزاب وفصائل شيعية مسلّحة عملية تحجيم السوادني سياسيا ومنعه من البروز كشخصية قيادية جديدة داخل العائلة السياسية الشيعية.
وتقول مصادر عراقية إنّ المالكي الذي سبق له أن قاد السلطة التنفيذية في العراق لولايتين متتاليتين بين سنتي 2006 و2014 لا يزال معنيا بالمنافسة على منصب رئيس الوزراء إنْ بشكل شخصي أو باختيار شخصية تابعة له وضامنة لنفوذه في الدولة، وإنّه يرى في السوداني عائقا أمام طموحه لمعرفته بتوسّع شعبيته داخل الأوساط الشيعية التي تمثّل القاعدة الانتخابية للمالكي وباقي قادة ورموز القوى الشيعية.
وعلى هذه الخلفية يستهدف تعديل القانون الانتخابي مباشرة إمكانية استفادة رئيس الوزراء الحالي من تلك الشعبية وذلك باعتماد نظام مختلط يحرم رؤساء الكتل من الاستفادة من جميع الأصوات التي يحصلون عليها بحيث لا يستفيدون سوى من 20 في المئة، وبدلا من أن تذهب بقية الأصوات لكتلهم وفق ما هو معمول به في النظام الحالي، يتمّ هدرها مهما كان عددها.
ويتذرع المدافعون عن تعديل قانون الانتخابات بمنع استخدام مقدّرات الدولة والمال السياسي لأغراض انتخابية. في الحقيقة إنّ اللجوء إلى التعديلات استخدم دائما كسلاح سياسي لجأت إليه القوى والشخصيات النافذة في ثلاث مناسبات سابقة منذ سنة 2006، وقامت بموجبه في كلّ مرّة بتفصيل القانون الانتخابي على مقاس مصلحتها الانتخابية.
وأكّدت مصادر برلمانية عراقية جدية المسعى لتعديل قانون الانتخابات، وأوضحت أنّ المسار نحو التعديل بدأ بالفعل منذ انخراط كتل شيعية في تسهيل انتخاب محمود المشهداني رئيسا للبرلمان، بعد أن كان تعذّر طيلة قرابة السنّة التوافق على خليفة لمحمد الحلبوسي على رأس المجلس بسبب الخلافات الحادّة بين الكتل السنية. وفتح انتخاب المشهداني وتمديد فترة الفصل التشريعي الطريق أمام إقرار جملة من القوانين والتشريعات الخلافية المتلكئة. وكشفت اللجنة القانونية النيابية عن وجود حراك لتعديل قانون الانتخابات قالت إن ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي جزء أساسي منه.
وسبق للمالكي أن طالب بتقديم موعد الانتخابات البرلمانية المقررة للسنة القادمة إلى نهاية العام الجاري، لكن يبدو أنّ ضيق الوقت المتبقي لم يعد يسمح بتمرير المقترح مع ما يتطلبه من إجراءات قانونية وتحضيرات لوجستية، فضلا عن عدم توّفر ما يكفي من التوافق السياسي بشأنه، وهو ما يفسّر تحوّل التركيز على تعديل القانون الانتخابي كخطة بديلة لتحجيم الوزن الانتخابي لرئيس الوزراء.
واستند زعيم دولة القانون في مطالبته بالانتخابات المبكرة إلى كون إجرائه بندا مثبتا في البرنامج الحكومي. وكشفت تفاصيل مقترح المالكي بوضوح نيته لتفكيك دوائر النفوذ المنافسة له والتي نشأت في ظل حكومة السوداني، ومنع شخصيات بعينها من ضمنها السوداني نفسه من تركيز أقدامها في السلطة.
وظهر ذلك خصوصا في مطالبته باستقالة جميع أعضاء الحكومة قبل موعد الانتخابات بستة أشهر، قائلا إنّ “عددا من الدول تعمل وفق ما نطرحه أي إن التنفيذي يستقيل قبل ستة أشهر من إجراء الانتخابات.. فإذا أراد التنفيذي أن يرشح للانتخابات فيجب عليه الاستقالة حفاظا على إرادة العملية الانتخابية، وهي ضرورية جدا إذا ما أردنا أن نحمي كرامة وحرمة تلك العملية.”
ويرفض السوداني الاستجابة لمطلب الاستقالة، ويلوّح بمناورة مضادّة تتمثّل في إدخال تعديل على حكومته، لم تتأخر قوى وشخصيات سياسية في انتقاده والتقليل من شأنه. وقال الباحث في الشأن السياسي محمد علي الحكيم إنّ “التعديل الوزاري الذي ينوي رئيس الوزراء القيام به خلال المرحلة القليلة المقبلة لا فائدة منه بسبب أن الوزراء الجدد سوف يرشحون مرة أخرى من نفس الكتل والأحزاب التي رشحت الوزراء الحاليين الذين عليهم مؤشرات كثيرة بالإخفاق والفشل، وعلى بعضهم مؤشرات بالفساد".
◙ المالكي الذي سبق له أن قاد السلطة التنفيذية في العراق لولايتين متتاليتين لا يزال معنيا بالمنافسة على منصب رئيس الوزراء إنْ بشكل شخصي أو باختيار شخصية تابعة له
ونقلت وسائل إعلام محلية، الأربعاء، عن عضو اللجنة القانونية البرلمانية عارف الحمامي قوله إنّ أي تعديل لقانون الانتخابات يحتاج إلى توافق سياسي للحصول على النصاب القانوني لتمريره. لكنّ تحقيق ذلك التوافق قد لا يكون ميسّرا للمالكي وائتلافه نظرا لاستناد السوداني إلى معسكر داعم له بين الأحزاب والقوى الشيعية المشكلة للإطار التنسيقي.
ويضم ذلك المعسكر بين كبار شخصياته رئيس زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم ورئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي الذي يتزعم تحالف النصر والذي سبق له أنّ صنّف فكرة إجراء انتخابات برلمانية مبكرة ضمن خانة المناكفات السياسية، معتبرا أن إجراءها غير ممكن. وطمح المالكي في نطاق توسيع دائرة معسكره المضاد للسوداني وحلفائه إلى استمالة مقتدى الصدر قائد التيار الصدري الذي تغير اسمه إلى التيار الوطني الشيعي، وذلك على الرغم مع العداء السابق الشديد والمستحكم معه.
وقام في نطاق دعوته إلى انتخابات مبكرة بتوجيه رسائل إيجابية لخصمه القديم مبشرا بقرب عودته إلى الحياة السياسية التي سبق له أن أعلن عن مقاطعته لها احتجاجا على حرمانه من امتياز تشكيل الحكومة إثر الانتخابات الماضية التي فاز فيها بعدد كبير من مقاعد البرلمان، لكن قوى من ضمنها ائتلاف المالكي شكلّت كتلة برلمانية مضادة له تمكنت بفضلها من الحصول على ذلك الامتياز.
وذهب المالكي حدّ نسبة مطلب الانتخابات المبكّرة إلى الصدر نفسه وهو ما لم يؤكّده تياره بعد ذلك. ويبدو أنّ التيار الذي سعى رئيس الوزراء الأسبق إلى اتخاذه حليفا ضدّ رئيس الوزراء الحالي غير متوافق مع المالكي بشأن تعديل القانون الانتخابي الذي لن يصبّ في مصلحته باعتباره يشكّل كتلة سياسية كبيرة لا يخدمها اعتماد قانون يهدر غالبية الأصوات الانتخابية التي تستطيع الحصول عليها.
وأشار هاشم الموسوي المقرب من التيار الصدري إلى أنّ القانون الذي اعتمد في دورات انتخابية سابقة أعطى الكيانات التقليدية والأحزاب السياسية بعض الثقل الانتخابي من خلال تطبيق نظام سانت ليغو، وأضاف في تصريحات لوسائل إعلام محلية أنّه عندما تمّ تغيير القانون في انتخابات 2020 خسرت تلك الأحزاب الكثير من مقاعدها ما جعلها تفكر بالعودة إلى القانون السابق لضمان بقائها وكسب عدد أكبر من المقاعد.