تعديل جينات الأبقار حل ثوري لمسح البصمة الكربونية

باريس - تفتح ثورة المجين، التي تتيح تحديد إمكانات الحيوان منذ ولادته، مجالات جديدة لانتقاء أبقار الغد، بما يسمح على سبيل المثال بتقليل انبعاثاتها من غاز الميثان، وهو مسار يدعم مسح البصمة الكربونية في قطاع الإنتاج الحيواني.
ويتزايد الإدراك لدى الحكومات والباحثين والمحللين بأن انبعاثات غاز الميثان من المحرّكات القويّة لأزمة المناخ، الأمر الذي يحفز الاهتمام بكيفية التخفيف من هذه الانبعاثات في القطاعات الزراعية الرئيسية.
وتعزيزا للوعي بالإجراءات الممكن اتخاذها ودعم الدول من خلال تزويدها بقائمة من الحلول، يدافع الخبراء عن جدوى هذا التمشي مثلما أشارت منظمة الأغذية والزراعة (فاو) إلى ذلك في العديد من تقاريرها بشأن نظام الثروة الحيوانية.
ويرى ديدييه بوشار، المتخصص في علم وراثة الأبقار في المعهد الوطني للبحوث في الزراعة والأغذية والبيئة في فرنسا، أن تطوير السلالات مر بمراحل طويلة وكان "علينا أن نخترع نظاما لمعرفة ما يمكن للثور أن ينقله للأجيال التالية".
وتعتبر الأبقار مؤذية للمناخ بسبب تجشئها المحمّل بغاز الميثان، وهو غاز يتسبب باحترار كبير. وخلافا للاعتقاد الشائع، لا تتسبب عملية النقل سوى بزيادة محدودة للبصمة الكربونية المرتبطة بالأغذية.
وقال بوشار في مقابلة مع وكالة فرانس برس إن “هذا اختبار للذرية، إذ بمجرد قياس أداء 50 عجلا من جنس الإناث بعد الولادة، يلاحظ ما نقله إليها الثور لتحتفظ بأفضل السمات الوراثية لنشرها على نطاق أوسع عن طريق التلقيح”.
وأوضح أن الأمر استمر على هذا الشكل لفترة طويلة، وكان مكلفا واستغرق خمس سنوات على الأقل، حيث كان يجب انتظار ولادة الإناث الأوائل وإنتاج الحليب.
وفي النتيجة كان هناك عدد قليل جدا من الثيران، وأجرى البعض أكثر من مليوني عملية تلقيح، وكانت هناك زيادة في حالات قرابة الدم.
وفي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، حدثت ثورة المجين، حيث بات في الإمكان التنبؤ بالقيمة الوراثية للحيوانات فقط من خلال عينة حمض نووي، وفق بوشار.
وبمجرد التمكن من إنشاء مجموعة مرجعية مكونة من بضع عشرات الآلاف من الأبقار، يمكن اختيار الثور المستقبلي منذ ولادته تقريبا.
وإحدى المزايا البارزة للاختيار الجينومي هي أن كلفة الثور الواحد في السوق تصبح أدنى بكثير، لذلك يمكن استخدام الكثير من الثيران للتكاثر.
وأكد بوشار أن هذه الوصفة الصحيحة لتجنب الزيادة السريعة في حالات قرابة الدم. ويُفترض أن تؤدي عمليات الانتقاء المجيني إلى قدر معين من الخصوصية لدى الثيران. وقال “هي جميعا جيدة، ولديها جميعا خصائص ممتازة، وهناك عدد منها مع أداء سريع”.
ولكن عندما يكون هناك ثور استثنائي، فإن الضغوط الاقتصادية تجعل البعض يرغبون في الاستفادة من الوضع. وقال بوشار “أجد أن الزيادة في حالات قرابة الدم” في بريم هولستاين سلالة الأبقار الحلوب الأكثر انتشارا “مثيرة للقلق بعض الشيء”.
وسُجّل أول تطور كبير عبر وصول التلقيح الاصطناعي في خمسينات القرن الماضي، وكان ذلك لغايات صحية لأن المواشي الفرنسية كانت معتلّة للغاية، إذ تأثرت بشدة بمرض السل. ومن بين وسائل انتقال هذا الداء كانت الثيران التي تنتقل من قطيع إلى آخر.
ومع مطلع الستينات، انتبه الباحثون إلى مسألة عمليات التلقيح، ومن الأفضل القيام بذلك مع ثيران لها قيمة عالية، وكانت عمليات الانتقاء الحيواني تحصل بدرجة رئيسية لغايات الإنتاج للحصول على المزيد من الحليب.
◙ الحيوانات لا تزال عرضة للإصابة بالأمراض، ولديها أمد حياة غير كاف، كما أنها تصدر كميات كبيرة من انبعاثات غاز الميثان
وفي الثمانينات، بدأ الباحثون في عمليات انتقاء من أجل نوعية الحليب وكميات الدهون والبروتين، ولكن منذ التسعينات، كانت عمليات الانتقاء تتركز بشكل أساسي على السمات الوظيفية التي تؤثر على قوة البقرة وطول عمرها، والخصوبة، ومقاومتها لبعض الأمراض.
وبرأي بوشار، لا تزال الحيوانات عرضة للإصابة بالأمراض، ولديها أمد حياة غير كاف، كما أنها تصدر كميات كبيرة من انبعاثات غاز الميثان.
والهدف هو البدء في عمليات الانتقاء للحد من انبعاثات غاز الميثان اعتبارا من نهاية عام 2024، مع ثيران ستنقل للأجيال المستقبلية القدرة على العمل، باستثناء أنها ستنتج كمية أقل من الميثان.
ويعتقد الباحث الفرنسي أن مع عمليات الاختيار، يمكن تقليل انبعاثات غاز الميثان بنحو واحد في المئة سنويا.
وقال “من وجهة نظرنا، نرى أن الأبقار الفرنسية كبيرة أكثر من اللازم. إنه أمر ثقافي، الناس يحبون الأبقار الكبيرة ولكنها ليست فكرة جيدة لأن هذه الأبقار تأكل أكثر فتُنتج كميات أكبر من غاز الميثان”.
وتزن البقرة حاليا ما بين 700 و800 كيلوغرام وسيكون من الأفضل لو كان وزنها أقل بمئة كيلوغرام، وهو أمر سهل جدا لأنه سمة وراثية جدا.
لكن بوشار يؤكد أن هناك الكثير من التردد، وأن مربي المواشي يفتخرون بأبقارهم الكبيرة، إذ يعتبرون الأمر جزءا من هويتهم.