تعديلات مرتقبة على قانون النفقة وجراية الطلاق في تونس

تونس - بحث مجلس وزاري عقد الأربعاء في تونس إمكانية تعديل قوانين جراية الطلاق بما يتلاءم مع التحولات الاجتماعية والاقتصادية. وتأتي هذه المراجعة في سياق الحرص على تحقيق توازن عادل يضمن حقوق الطرفين بعد الانفصال، مع مراعاة الاستقرار النفسي والمادي للأطفال. ومن المتوقع أن تسهم التعديلات المرتقبة في وضع إطار قانوني أكثر إنصافًا، يعكس متطلبات الواقع ويعزز الحماية الاجتماعية للأسرة.
وأوصى المجلس إثر مناقشة مختلف المقترحات والتداول فيها بإحداث نظام جديد للنفقة وجراية الطلاق يتضمن ضبط شروط الاستحقاق وإجراءات تدخّل صندوق ضمان النفقة وجراية الطلاق. ويهدف النظام الجديد إلى تمكين المرأة المطلقة وأبنائها من الانتفاع بنظام التغطية الاجتماعية والإدماج الاقتصادي لهذه الفئة، فضلا عن حوكمة الصندوق وتبسيط إجراءاته وإيجاد مصادر جديدة لتمويله.
كما تم الاتفاق على إحداث نظام خاص بالتوفيق الأسري كآلية لحل الخلافات التي تنشب بين أفراد الأسرة وتقريب وجهات النّظر بين طرفي النزاع خلال فترة التّقاضي وبعدها من خلال بعث خطة “الموفّق الأسري” الذي تعهد له مهمة التوفيق والوساطة الأسرية إلى جانب مرافقة الأسر للحدّ من الخلافات ونشر ثقافة التماسك الأسري والمساهمة في الوقاية من السّلوكيّات التي تهدد الأسرة.
وأكّد رئيس الحكومة كمال المدّوري على أنّ تحقيق مقوّمات التّماسك الأسري يتطلّب وضع سياسة عموميّة جديدة للأسرة على ضوء أحكام الدّستور خاصّة المتعلّقة بالأسرة وحقوق المرأة والطفل والمسنين وذوي الإعاقة، مشيرا إلى التّقدم الحاصل في بلورة خطّة وطنيّة تعزز استقرار الأسرة التونسيّة وتدعم تماسكها وفق رؤية تشاركيّة تتّسم بالشّموليّة والفاعليّة والنّجاعة وتأخذ بعين الاعتبار التّغيرات المجتمعيّة والتّحوّلات الدّيموغرافيّة والثّقافيّة والاقتصاديّة التي تشهدها الأسرة في الوقت الرّاهن.
وأشار لدى إشرافه على المجلس الوزاري إلى ضرورة تحديث المنظومة القانونيّة الخاصّة بالأسرة من خلال وضع سياسة حماية اجتماعيّة مندمجة في سبيل تحقيق الشروط اللاّزمة لضمان العيش الكريم لأفراد الأسرة، ومحاربة كل مظاهر الإقصاء الاجتماعي، بما يواكب متطلّبات العصر، واستنباط حلول تضمن تماسك الأسرة وتوازنها، بما يساهم في بناء مجتمع متوازن يكون بدوره ركيزة لتحقيق الرّخاء والتّنمية العادلة والمدمجة.
ولفت رئيس الحكومة إلى أنّ التغييرات التّشريعية المنشودة تتطلّب مراكمة المنجزات وتطوير واستنباط حلول مجدّدة ومبتكرة تستوعب المتغيّرات والتحوّلات العميقة التي تشهدها الأسرة وتوفّر المعالجة المناسبة لها. وشدد على ضرورة مراجعة القانون المتعلّق بإحداث صندوق ضمان النّفقة وجراية الطّلاق المؤرّخ في 5 يوليو 1993 لتحسين وتنويع تدخّلاته وخدماته الموجّهة إلى المطلّقة وأبنائها، والتي تعذر تنفيذ الأحكام القضائيّة الباتّة لفائدتها نتيجة تلدّد المدين، وتوفير رعاية اجتماعيّة وصحيّة ومرافقة مهنيّة لهم ضمن مقاربة تقوم على تحقيق الاندماج الاقتصادي.
وبين رئيس الحكومة أهميّة دور ووظيفة الأسرة في بناء المجتمع، باعتبارها أهمّ مؤسّسة توكل إليها مهمّة التّنشئة الاجتماعيّة ولكونها تعدّ أوّل وأهمّ النّظم الاجتماعيّة التي أنشأها الإنسان لتنظيم حياته في المجموعة، والرّكيزة الأساسيّة لبناء مجتمع متضامن ومتوازن ومسؤول، مذكّرا بأحكام الفصل 12 من الدستور التي تنصّ على أنّ الأسرة هي الخليّة الأساسية للمجتمع وعلى الدّولة حمايتها.
بدورها قدّمت وزيرة الأسرة والمرأة والطّفولة وكبار السّن أسماء الجابري خلال المجلس الوزاري عرضا مفصّلا تضمن الإطار التّشريعي والتّرتيبي لنظام النّفقة وجراية الطّلاق الحالي، والنّقائص التي تشوبه وتحدّ من فاعلية تدخلاته، مبرزة عددا من التّجارب المقارنة في المجال والتي تمّ الاستئناس بها لإعداد تصوّر جديد لنظام النّفقة وجراية الطّلاق يهدف إلى تطوير هذا النّظام وجعله أكثر فاعليّة وإنصافا، باعتبار أن النفقة وجراية الطلاق تكتسيان صبغة معاشيّة أساسيّة وأداة لتحقيق العدالة الاجتماعيّة وتسهمان بشكل كبير في الحفاظ على الكرامة الإنسانية وضمان مقوّمات العيش الكريم وضمانة لحقوق الأبناء والأمهات ولاستقرار الأسرة وحمايتها من التّبعات السلبية لعدم تنفيذ الأحكام المتعلقة بالنفقة وجراية الطّلاق.
◙ صندوق ضمان النفقة وجراية الطلاق في تونس يعد حلا هاما لدعم المرأة المطلقة وأبنائها خصوصا في حالة عدم التزام المدين بدفع النفقة أو جراية الطلاق
ويشمل التصور الجديد لنظام النفقة وجراية الطلاق جملة من المحاور الأساسيّة أهمّها شروط ومدة الانتفاع بتدخلات الصندوق، وشروط الانتفاع بالتغطية الاجتماعية لفائدة المطلقة والأبناء في الكفالة، وإكساب المطلّقة المعنية بتدخلات نظام النفقة وجراية الطلاق المؤهلات الإضافية والمهارات الكفيلة بتحسين تشغيليّتها وتيسير إدماجها في الحياة المهنيّة سواء في إطار عمل مؤجّر أو بهدف إحداث مشروع مع التمتّع بالمرافقة والمساندة للإدماج وفق إجراءات تفاضليّة. كما يقدّم التصور المعروض مسارات تدخل مشروع النّظام الجديد للنفقة وجراية الطلاق.
وخصّص الجزء الثاني من المجلس لاستعراض مقترح إحداث نظام خاص بالتوفيق الأُسري يهدف إلى المساهمة في حل النزاعات الأسرية وتقريب وجهات النظر بين أطراف الخلاف خلال فترة التقاضي وما بعدها لتقليل التداعيات السلبيّة للخلافات الأسريّة انطلاقا من تقييم محدوديّة نتائج القانون عدد 50 لسنة 2010 المؤرّخ في 1 نوفمبر 2010 والمتعلّق بإقرار مؤسّسة المصالح العائلي في نزاعات الحالة الشخصيّة واستئناسا بالممارسات الفضلى والقوانين المقارنة وتنزيل الحلول وتأصيلها وفقا لخصوصيات الأسرة التونسيّة.
ويعد صندوق ضمان النفقة وجراية الطلاق في تونس حلاً هامًا لدعم المرأة المطلقة وأبنائها، خصوصًا في حالة عدم التزام المدين بدفع النفقة أو جراية الطلاق. ولطالما حرص المشرع التونسي من خلال العديد من التشريعات على وضع قوانين تحفظ تماسك الأسرة باعتبارها النواة الأساسية للمجتمعات. كما حرص على الحفاظ على نفس الحقوق حتى بعد انتفاء الرابطة الزوجية، خاصة ما تعلق بحقوق الزوجة والأطفال، وعلى رأسها حق النفقة.
وتشمل النفقة الطعام والكسوة والمسكن والتعليم وكل ما يعتبر من الضروريات حسب العرف والعادة، كما نص عليه الفصل 50 من مجلة الأحوال الشخصية. وقد ضبطت الفصول متتابعة الأحكام والمتعلقة بسقوط النفقة ومقدارها. كما أشار المشرع في الفصل 53 إلى صندوق النفقة وجراية الطلاق، الذي يعتبر مكسبًا إضافيًا لحقوق المرأة والطفل في ضمان حق النفقة، خاصة مع استحالة دفعها من قبل المنفق.