تعدد الوساطات: يعجل بحل الأزمة السودانية أم يعقدها

قد يخدم تعدد الوساطات الضغط على أطراف القتال في السودان للقبول بهدنة، لكن ذلك لن يمنع تجدد القتال في أي لحظة، خاصة في ظل إصرار الجيش على تحقيق انتصار على الأرض قبل الدخول في أي محادثات لحل الأزمة.
الخرطوم - تتهيأ الأوضاع في السودان لإمكانية حدوث اختراق يسهم في الوصول إلى اتفاق بشأن وقف إطلاق النار، ثم الالتزام بهدنة حقيقية بعد مرور أكثر من شهر على الاشتباكات التي اندلعت بين الجيش وقوات الدعم السريع، ما يدفع نحو تزاحم الوساطات الأفريقية والعربية والدولية للضغط على الطرفين.
ورحب يوسف عزت، المستشار السياسي لقائد الدعم السريع، الأربعاء، بوساطة دولة جنوب السودان التي يقودها الرئيس سلفا كير من خلال منظمة “إيغاد”، لافتا إلى أن “قوات الدعم السريع ترى أن جوبا مكان مثالي لمحادثات السلام، والرئيس سلفا كير لديه فهم أكبر للأزمة في السودان بشكل عام، وله دور يلعبه لوقف الحرب”. وجاءت تصريحات عزت في وقت لا تزال محادثات جدة التي ترعاها السعودية والولايات المتحدة شبه متجمدة ولم تحقق تقدما كبيرا على مستوى تثبيت وقف النار.
وعقدت مجموعة الاتصال العربية المعنية بالسودان أول لقاءاتها في جدة المكونة من مصر والسعودية والأمين العام للجامعة العربية، على هامش اجتماع مجلس وزراء الخارجية العرب، الأربعاء، وأكدت أهمية التوصل إلى وقف فوري ومستدام لإطلاق النار والتعامل مع الأزمة السودانية باعتبارها شأنا داخليا، ومحورية دور دول الجوار.
وتهتم المجموعة العربية بالتواصل مع الأطراف السودانية والدولية للعمل على معالجة أسباب الأزمة وبذل كافة المساعي للتوصل إلى وقف كامل ومستدام لإطلاق النار. ويخدم تعدد الوساطات مسألة الضغط على الطرفين المتنازعين للقبول بوقف إطلاق النار، لكنه لا يضمن حل الأزمة بشكل جذري، وقد تكون بحاجة إلى تكامل بما يضمن عدم التعارض في أهدافها، وقبول أي منها ينبع من عدم تورط الأطراف القائمة عليها في الصراع الدائر حاليا وتبني وساطة نزيهة ومحايدة.
قالت الكاتبة والمحللة السياسية السودانية شمائل النور إن المبادرات الإقليمية للحل على اختلافها وتعددها غير مفيدة ما لم يحدث تطور عسكري كبير على الأرض، وإن الجيش السوداني لن يقبل بالتفاوض الحقيقي حول وقف إطلاق النار طالما أن وضعه الميداني غير جيد، وتتوقف قدرة الوساطات على عدم المساس بمكاسب كل طرف.
وأشارت في تصريح لـ”العرب” إلى أن الوساطات التي تشارك فيها بعض الأطراف الإقليمية أكثر قدرة على تحقيق اختراق، لأنها تمتلك أوراق ضغط عديدة يمكن أن تؤثر من خلالها على الطرفين، ووجود تعارض في مواقف بعض القوى التي تدخل على خط الوساطة قد يكون مفيدا من ناحية اتجاهها للتأثير في الطرف الذي تميل إليه.
وكانت الوساطات التي تبنتها أطراف إقليمية عدة للوصول إلى اتفاق نهائي في السودان سببا رئيسيا في طول أمد الصراع، لأن القوى السياسية والعسكرية توظفها للمراوغة قبل أن يظهر التعاون بين الآلية الثلاثية التي تضم الأمم المتحدة وإيغاد والاتحاد الأفريقي، وبين اللجنة الرباعية المكونة من الولايات المتحدة وبريطانيا والإمارات والسعودية وتمكنت من التوقيع على الاتفاق الإطاري ديسمبر الماضي بين المكون العسكري، قبل انفصاله، وبين القوى المدنية.
لم تنجح أي من جهود الوساطة التي قادتها أطراف أفريقية وعربية ودولية الشهر الماضي في وقف إطلاق النار، ورغم إعلان الوصول إلى هدنات عديدة تخطى عددها السبع، لم تتوقف الاشتباكات العسكرية في الخرطوم، ولم تكن هناك قوى إقليمية لديها قدرة على ممارسة ضغوط حقيقية تدفع إلى وقف إطلاق النار، بما فيها الولايات المتحدة التي تحدثت شفويا عن إمكانية توقيع عقوبات على الطرف المعرقل للسلام.
قال شهود عيان إن ضربات جوية مكثفة قامت بها قوات الجيش استهدفت مناطق في جنوب العاصمة الخرطوم، الخميس، تزامنا مع اندلاع اشتباكات بالقرب من معسكر للجيش في إطار الصراع الذي تسبب في نزوح مئات الآلاف من الأشخاص، وترك سكان الخرطوم يكافحون من أجل النجاة بحياتهم وسط النيران.
وسمع شهود عيان دوي ضربات جوية شنها الجيش على أماكن تمركز تابعة لقوات الدعم السريع في أحياء سكنية جنوب الخرطوم، بما في ذلك بالقرب من معسكر طيبة، بينما كانت قوة احتياطية تابعة للشرطة تقاتل قوات الدعم السريع على الأرض.
وطالبت قوات الدعم السريع بتحييد قوات الشرطة وعدم انخراطها في العمليات العسكرية، غير أن قوات الجيش تصمم على جرها للمشاركة في الحرب. وأظهر مقطع فيديو نشرته قوات الدعم السريع عبر صفحاتها على فيسبوك وتويتر آثار قصف طيران الجيش على مستشفى شرق النيل والأضرار التي لحقت بالمرضى.
◙ قوات الدعم السريع طالبت بتحييد قوات الشرطة وعدم انخراطها في العمليات العسكرية غير أن قوات الجيش تصمم على جرها للمشاركة في الحرب
أكد المحلل السياسي السوداني محمد تورشين أن تعدد المبادرات لا يشكل حسما نحو الوصول إلى وقف دائم لإطلاق النار، فالحسم لا يزال في يد الموقف العملياتي على الأرض، وأن قوات الدعم السريع لديها رغبة في ذلك لكنها تخشى من استخدام الطيران العسكري بإفراط ضدها، وترى عدم وجود ضمانات بالتزام جيش لا يتحمس لوقف القتال إذا لم يحقق انتصارا حاسما.
وذكر في تصريح لـ”العرب” أن السوابق التاريخية في السودان تشير إلى أن نجاح أي وساطة خارجية يرتبط بالتقدم الذي تحققه القوات الحكومية، وأن المبادرات الدولية تمر بمراحل تبدأ برفض الطرفين قبل أن يذهب طرف نحو تغيير موقفه ثم تحقيق تغيير تكتيكي على الأرض يسمح بنجاح الوساطة، وهو أمر لم يتحقق بعد.
وشدد على أنه قد تحدث بالفعل استجابة من الطرفين دون أن تحقق نتائج ملموسة على الأرض، ونجاح أي مباحثات في تحقيق تقدم محدود يتمثل في العمل على دمج قوات الدعم السريع في الجيش وتشكيل حكومة مدنية.
وتتقارب المبادرات المطروحة في جوهرها العام، ويصعب لأي طرف أن تكون لديه تصورات خاصة يريد تطبيقها في هذه الأجواء، وتسعى جهود الوساطة للوصول إلى وضع مستقر يقود إلى إنهاء المرحلة الانتقالية وإجراء الانتخابات.
ولدى معظم القوى الدولية المنخرطة في مسألة الوساطة رغبة حثيثة في إنجاحها بما يحفظ لها التأثير الفعلي في السودان مستقبلا، سواء أكان ذلك فيما تبقى من المرحلة الانتقالية أو عبر وجود سلطة جديدة في البلاد عقب الانتخابات، بما يحقق مصالحها لاحقا، ومراعاة كل ما يحيط بها من مناطق لها أهمية تندرج في النطاق الإستراتيجي.