تعدد المبادرات لا يحرك الركود السياسي في الجزائر

على الرغم من تعدد المبادرات السياسية الرامية إلى توحيد المواقف بشأن القضايا الجوهرية في الجزائر وواقعها الإقليمي، تستمر حالة الانقسام في المشهد الجزائري بين قطبي الموالاة والمعارضة، وسط ركود سياسي وحزبي، فضلا عن اتهامات للسلطة بخنق الحريات السياسية.
الجزائر - كشف زعيم جبهة القوى الاشتراكية المعارضة في الجزائر عن محتوى المبادرة السياسية لحزبه، بغية الخروج من حالة الانسداد التي تتخبط فيها البلاد، وذلك عبر ما أسماه بـ”تجاوز الفوارق الأيديولوجية والابتعاد عن الحسابات الانتخابية”، لتكون بذلك المبادرة الثانية من نوعها بعد تلك التي أطلقها الإخواني عبدالقادر بن قرينة حول “التلاحم الوطني وتأمين المستقبل”، غير أن تعدد المبادرات لم يحرك شيئا من الجمود والانسداد السياسي في البلاد.
وكشف الأمين الوطني الأول لحزب جبهة القوى الاشتراكية المعارضة يوسف أوشيش عن فحوى المبادرة السياسية التي بلورها حزبه، من أجل حلحلة الأزمة الداخلية ومواجهة الأخطار المحدقة بالبلاد، وعن مباشرة عرضها على الفواعل السياسية والأهلية.
وصرح في ندوة صحفية نشطها للإعلان وشرح دواعي وأهداف المبادرة السياسية التي استغرقت شهورا من أجل بلورتها، بأنها “موجهة لكل القوى السياسية، وأنها تلتزم بالدفاع عن دولة القانون، والحريات والعدالة الاجتماعية وبالمواجهة الحازمة وبكل الصرامة المطلوبة، عندما يتعلق الأمر بمحاولات داخلية أو خارجية تستهدف المساس بسلامة ووحدة البلاد".
وأكد المتحدث أن "المبادرة تهدف إلى تجاوز الخلافات الأيديولوجية والابتعاد عن الاستحقاقات الانتخابية، فهي ليست موجهة لطرف ضد أي طرف كان، أو المنافسة مع مبادرات أخرى، فهي توافقية وبناءة”، في إشارة إلى مبادرة سابقة أطلقتها أحزاب موالية للسلطة بقيادة حركة البناء الوطني، عرفت بـ”التلاحم الوطني وتأمين المستقبل".
وتأتي خطوة أعرق أحزاب المعارضة في الجزائر، رغم التحويرات التي أدخلت على عقيدته السياسية في السنوات الأخيرة، في خضم مناخ سياسي راكد غاب عنه النشاط الحزبي في البلاد، وسط اتهامات للسلطة بخنق الحريات السياسية وتجاهل الطبقة السياسية.
وعمدت السلطة السياسية في البلاد، منذ قدوم الرئيس عبدالمجيد تبون إلى قصر المرادية في ديسمبر 2019، إلى تهميش الطبقة السياسية في البلاد، والاكتفاء بمظاهر سياسية سطحية في شكل لقاءات ومشاورات دورية بين الرجل الأول في الدولة وبعض قادة الأحزاب.
في المقابل راهنت على المجتمع المدني كشريك سياسي واجتماعي للسلطة، ودفعت بتنظيمات وجمعيات إلى الواجهة، كما شجعت الشباب على خوض الاستحقاقات الانتخابية في قالب مستقل، وهو ما أفرز ثلث أعضاء البرلمان من المنتخبين المستقلين، الأمر الذي ساهم في ركود المشهد السياسي بشكل غير مسبوق رغم الانسداد القائم وخطورة التحديات الداخلية والخارجية التي تحيط بها.
وأشاد يوسف أوشيش، في ندوته الصحفية، بما أسماه "الجهود المبذولة في اتجاه تعزيز الرابط الوطني وترقية الحوار، كوسيلة لتحصين الوطن وجعله أكثر صلابة في مواجهة التحديات والتهديدات التي تعترضه، لكن في نفس الوقت نعتبر بأنه لا يمكن بناء إجماع وطني حقيقي، إلا بانخراط الجزائريات والجزائريين عبر تحرير المجالات السياسية والإعلامية".
ولفت إلى أن مبادرة حزبه تهدف إلى "إعادة الاعتبار للفعل السياسي والعمل الحزبي وتحرير ديناميكية تعزز الدولة الوطنية عبر خلق مناخ من التهدئة واستحضار الشروط الضرورية للانخراط السياسي لمواطنينا، ولذلك سيباشر مشاورات معمقة مع الأحزاب السياسية حول الإشكاليات والقضايا بالغة الأهمية التي تعنى بتقوية الجبهة الوطنية، وتحييد التهديدات التي تحدق بالبلاد وسيادتها".
وترك المتحدث الفرصة أمام الشركاء السياسيين لإثراء الوثيقة وتعديلها، بالتأكيد على أنها “مبادرة مفتوحة للنقاش ولا يمكن اعتبارها بأي حال من الأحوال حصرية ونهائية، وسنقدم خلاصة المحادثات إلى كل الشركاء السياسيين، وأنه بعد مشاورتنا مع مختلف القوى السياسية وتقديم الاقتراحات سنصيغها في وثيقة توافقية جماعية للمصادقة عليها وتقديمها بصفة جماعية إلى رئيس الجمهورية".
وجاءت خطوة الحزب غداة ندوة "التلاحم الوطني وتأمين المستقبل”، التي انخرطت فيها أحزاب سياسية ونقابات ومنظمات وجمعيات وشخصيات مستقلة داعمة للسلطة، بقيادة حركة البناء الوطني، الباحثة عن موقع تتصدر من خلاله معسكر الموالاة وتيار الإخوان معا.
◙ أسباب المقاطعين لندوة "التلاحم الوطني" تضاربت لكنها أجمعت على غياب ما وصفوه بـ"الشروط الأساسية لإرساء أي مبادرة وطنية موحدة"
وهي الندوة التي وضعت معالم جبهة داخلية موحدة، تحسبا للتحديات والمخاطر الإقليمية والدولية التي تهدد البلاد، وذلك عبر بلورة خارطة طريق وصفت بـ”الفضفاضة”، كونها ابتعدت عن طرح المسائل الملحة في الجبهة الداخلية على غرار الانفتاح وتهدئة المناخ السياسي وإطلاق المجال أمام الحريات السياسية والإعلامية، واكتفت بوضع خطوط عريضة على أمل حشد الشارع الجزائري حولها.
وقررت المعارضة مقاطعة فعاليات حزبية وأهلية، بدعوى الافتقاد للشروط السياسية للتماسك الداخلي، وعلى رأسها غياب التشاور ومناخ التهدئة السياسية والانفتاح على جميع الأطراف. وكانت أحزب سياسية معارضة قد قاطعت الندوة، كحركة حمس، وجبهة القوى الاشتراكية نفسها، والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية.. وهو ما اعتبر تكريسا لحالة الانقسام في المشهد الجزائري بين قطبي الموالاة والمعارضة، وهو سيناريو غير مستبعد عن مبادرة جبهة القوى الاشتراكية، التي لن تحظى بإجماع أحزاب أخرى.
وتضاربت أسباب المقاطعين لندوة التلاحم، لكنها أجمعت على غياب ما وصفوه بـ"الشروط الأساسية لإرساء أي مبادرة وطنية موحدة، للوقوف في وجه التحديات والمخاطر التي تهدد البلاد، على غرار ما هو متوقع من التطورات المنتظرة في منطقة الساحل الصحراوي وأفريقيا، بعد تمدد عدوى الانقلابات العسكرية في القارة السمراء".