تظاهرات الوقت الضائع

ما ارتكبه التيار الصدري وحلفاؤه البرزانيون وسنّة الحكومة من مخالفات ونشاطات غير قانونية، منذ أول تأسيس دولة المحاصصة الطائفية العنصرية وحتى اليوم، ليست بأقل من مخالفات أحزاب البيت الشيعي الإطارية.
الأحد 2022/07/31
الصدر وخصومه وجهان لعملة واحدة

مقدما لا بد من الاعتراف بأن حكومةً يشكلها التيار الصدري، كما يشتهي، وبالاشتراك مع حلفائه البرزانيين والحلبوسيين والخنجريين، لن تكون بأفضل وأشرف وأكثر وطنية عراقية ونزاهة من حكومة يشكلها حزب الدعوة والعصائب وبدر وائتلاف دولة القانون. والسبب واضح. فكما لجماعة الإطار التنسيقي الإيراني ميليشياتُها وفصائلها ومكاتبها التجارية وشركاتها ومنافذها الحدودية الخاصة بها، فللتيار الصدري وحلفائه البرزانيين والحلبوسيين والخنجريين، أيضا، جيوشهم وميليشياتهم ومكاتبهم التجارية وشركاتهم ومنافذهم الحدودية الخاصة بهم أيضا.

وما ارتكبه التيار الصدري وحلفاؤه البرزانيون وسنّة الحكومة من مخالفات ونشاطات غير قانونية، منذ أول تأسيس دولة المحاصصة الطائفية العنصرية وحتى اليوم، ليست بأقل من مخالفات أحزاب البيت الشيعي الإطارية ونشاطاتها غير القانونية. والتاريخ الموثق لا يكذب، ولا يمكن محوه من الوجود.

والثابت أن المعارك التسقيطية الدائرة، منذ إعلان نتائج الانتخابات في العام الماضي، بين معسكر مقتدى ومعسكر المالكي، كلُّها، غوغائية انتهازية مصلحية لا علاقة للوطن وأهله بها، لا من قريب ولا من بعيد.

لقد فاز الصدريون بـ73 مقعدا، بغض النظر عن سلامة هذا الفوز وصحته ونزاهته. وكان ينبغي لقائد التيار أن يستخدم تلك المقاعد لتحقيق شعاراته الجديدة، ولتأكيد زعامته السياسية، ولضمان حصصه في وزارات الدولة ومؤسساتها.

الظاهر أن إيران المباركة المؤيدة المتمسكة بترشيح السوداني، ضامنة، بكل تأكيد، أنه لن يكون إلا نسخة من عادل عبدالمهدي، أو نوري المالكي، وهو ما تريده وما تحتاج إليه

ولكنه، في ساعة مزاج مضطرب، أمر نوابه بالاستقالة، وترَكَ لخصومه الجَمَل بما حمل، إمّا كرها أو زهدا أو خوفا من العاقبة. وعليه فقد أصبح، بنزوله إلى الشارع لمناكفة الإطاريين، أشبه بالمشتهي المستحي الذي تبرع بخبزة لغيره ثم جلس يبكي عليها ويحمل سلاحه لاستعادتها.

وطبعا لن يُحاكِم القضاءُ الصدريين الذين دخلوا مبنى البرلمان، وعبثوا بمحتوياته، وانتهكوا هيبة الدولة، إن بقيت للعراقيين دولة، مثلما حوكم ترامب ومناصروه الجمهوريون على نفس الجريمة.

وهنا نسأل، ماذا كان سيحدث لو أن التشرينيين والمواطنين الآخرين المحترقة قلوبهم، والمغتصبة حقوقُهم وكراماتهم وحرياتهم وأرزاق عيالهم، كانوا هم الذين اقتحموا المنطقة الخضراء؟ أكانت ستمر دون قذائف دخان ورصاص حي وكواتم طرف ثالث وقبعات زرق ومفخخات؟

نعم إن التظاهر السلمي حق مشروع، ولكن التهديد بالعنف والانتقام يُسقط عن أي تظاهر مشروعيته، ويُدخله في خانة الإثم والعدوان.

ويكفي لإدانة مقتدى الصدر بالتورط في تحريض المتظاهرين على مخالفة القانون، أنه خاطبهم بقوله “وصلت رسالتكم أيها الأحبة، فقد (أرعبتم) الفاسدين. جرة أذن، صلّوا ركعتين وعودوا لمنازلكم سالمين”.

والهجمات الصدرية التي حدثت على المنطقة الخضراء، والتهديد بشن المزيد منها، يعني أنها ستكون سلاحه المفضل القادم لتعطيل أي حل لا يتوافق ومزاجه المتقلب المعروف. وليس مهما لديه أن يبقى الوطن معلقا في الهواء، بلا حكومة ولا كرامة ولا سيادة ولا قانون.

ولو قيض لمقتدى النصرُ على الإطاريين، وتحققت له حرية التصرف بالدولة وبرلمانها وحكومتها وجيوشها وأموالها، فسوف يُجلس ريبر البرزاني على كرسي رئيس جمهورية العراق، وابن عمه أو حاكم الزاملي أو نصار الربيعي رئيسا للحكومة، ويجعل من جيش المهدي وسرايا السلام بديلا عن الحشد الشعبي والعصائب وحزب الله، وسوف يوزع الوزارات والمؤسسات على حلفائه البرزانيين وعلى سنّة الحكومة.

جماعة الإطار التنسيقي، ومن خلفها إيران، لا تستطيع تحمل تبعات دولة يقودها مقتدى. ومقتدى وحلفاؤه البرزانيون لا يمكن أن يتحملوا دولة يعود فيها نوري المالكي إلى السلطة من جديد

ترى، هل ستكون دولةٌ من هذا النوع أفضل من دولة نوري المالكي وقيس الخزعلي وفالح الفياض؟

بالمقابل لم يشهد الزمن العراقي جماعةً تتحكم بالوطن وأهله أكثر غباءً وعمى بصر وبصيرة من القادة الكبار الأربعة للإطار التنسيقي الإيراني، ولا من صاحب التيار الصدري ومحالفيه البرزانيين.

فالظاهر أنهم، جميعا، لم يقرأوا رسائل الجماهير الغاضبة التي تدينهم جميعا بالانتهازية والفساد والفشل والتبعية، وتطالبهم باحترام إرادتها. فقد صبر عليهم طويلا، وقد لا تصبر طويلا وقد تنفجر ولات ساعة مندم.

فقد ظل الإطاريون في غبائهم وعنادهم، وقاموا بترشيح محمد شياع السوادني، سليل حزب الدعوة، ومرشح نوري المالكي، نكاية بمقتدى، وتحديا لإرادة التشرينيين، متوهمين بقدرتهم على خداع الجماهير من جديد.

فلم يجد الصدريون من وسيلة لإبطال هذه الترشيح، ولكسر أنوف الإطاريين وإحراجهم سوى سلاح التظاهرات الهوجاء الغوغائية الانتقامية غير القانونية وغير الديمقراطية، والتي لا تليق بأخلاق الشعب العراقي العريق.

والظاهر أن إيران المباركة المؤيدة المتمسكة بترشيح السوداني، ضامنة، بكل تأكيد، أنه لن يكون إلا نسخة من عادل عبدالمهدي، أو نوري المالكي، وهو ما تريده وما تحتاج إليه، خصوصا في هذه الظروف المعقدة الجديدة في الإقليم والمنطقة.

أما من يقرأ بيان الإطار التنسيقي فسوف يتأكد من نفاقه وانتهازيته الفاضحة. يقول البيان “إن قوى الإطار التنسيقي أكملت الخطوات العملية للبدء بتشكيل حكومة خدمة وطنية، واتفقت بالإجماع على ترشيح شخصية وطنية مشهود لها بالكفاءة والنزاهة”، و”إن ما جرى اليوم من أحداث متسارعة والسماح للمتظاهرين بدخول المنطقة الحكومية الخاصة واقتحام مجلس النواب والمؤسسات الدستورية وعدم قيام القوات المعنية بواجبها يثير الشبهات بشكل كبير”، و”إننا نحمل حكومة تصريف الأعمال المسؤولية الكاملة عن أمن وسلامة الدوائر الحكومية ومنتسبيها والبعثات الدبلوماسية والأملاك العامة والخاصة، ونطالبها باتخاذ إجراءات حازمة لحفظ الأمن والنظام ومنع الفوضى والممارسات غير القانونية”.

ترى كم عراقيا يمكن أن يصدق هذا الكلام الناعم الرقيق عن “الأمن والنظام ومنع الفوضى والممارسات غير القانونية”، وهم الأكثر عبثا بالأمن والنظام والفوضى والممارسات غير القانونية، على مدى سنين؟

وهنا تتوقف العربة عن المسير. فجماعة الإطار التنسيقي، ومن خلفها إيران، لا تستطيع تحمل تبعات دولة يقودها مقتدى. ومقتدى وحلفاؤه البرزانيون لا يمكن أن يتحملوا دولة يعود فيها نوري المالكي إلى السلطة من جديد.

وهذه هي الحلقة المفرغة وتبقى الكلمة الفصل لهذا الشعب الذي طفح كيله بالفاسدين والمجانين والقتلة والجهلة وخدم الأسياد القابعين وراء الحدود.

4