تطمينات موسكو بشأن درعا لا تبدد مخاوف تل أبيب وعمان

انتشار ميليشيات إيران في جنوب سوريا يؤشر على انهيار التفاهمات الروسية – الإسرائيلية والتي لعبت موسكو خلالها دور ضبط سلوك الميليشيات على الحدود.
السبت 2021/09/11
ميليشيات إيران باتت أقرب إلى إسرائيل

يعكس تموقع الميليشيات الإيرانية في محافظة درعا رغبة طهران في تحويل جنوب سوريا إلى منصة مواجهة مستقبلية ضد إسرائيل، وهو ما يثير مخاوف تل أبيب رغم تطمينات روسيا اللاعب الرئيسي في الساحة السورية.

موسكو- يعد انتشار الميليشيات الإيرانية في محافظة درعا جنوب سوريا تجاوزا للخطوط الحمراء المتفق عليها بين تل أبيب وموسكو، ما يشير إلى انهيار التفاهمات الإسرائيلية – الروسية والتي أوكلت إلى موسكو مهمة ضبط التواجد الإيراني في سوريا.

ولم تبدد التطمينات التي أبداها وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف خلال لقائه الخميس في موسكو بنظيره الإسرائيلي يائير لابيد، مخاوف المسؤولين في تل أبيب المشككين في قدرة موسكو على ضبط تحركات الميليشيات الإيرانية في درعا.

وأكد لافروف أن “أمن إسرائيل من أولوياتنا ونعارض استخدام أراضي سوريا لمهاجمة أي دولة”، مشيرا إلى “وجود مصالح مشروعة، مثل مصالح أمن إسرائيل، ونحن نؤكد دائما أنها من أهم الأولويات بالنسبة لنا في القضية السورية وغيرها من النزاعات”.

وبعد تسوية رعتها موسكو في مدينة درعا البلد سمحت لقوات النظام السوري بالسيطرة على محافظة درعا، باتت الميليشيات الإيرانية حليفة النظام والتي تقاتل في صفوف الفرقة الرابعة بقيادة شقيق الرئيس السوري ماهر الأسد، تتمركز على الحدود مع الأردن.

سمير التقي: أعلام حزب الله والفاطميين أصبحت منتشرة في درعا

وتخشى تل أبيب كما الأردن المجاور أن تستغل ميليشيات إيران الحدود لشن هجمات داخل إسرائيل، في إطار المواجهة المفتوحة بين إسرائيل وطهران.

ويؤكد محللون أن انتشار الميليشيات الإيرانية في جنوب سوريا يشكل تهديدا خطيرا لإسرائيل والأردن المجاور أيضا.

ويقول الباحث بمعهد الشرق الأوسط في الولايات المتحدة سمير التقي إن “أعلام حزب الله والفاطميين والميليشيات الإيرانية المختلفة أصبحت منتشرة في درعا البلد، ما يعني انهيار التفاهمات الروسية – الإسرائيلية بشأن الميليشيات الإيرانية، فضلا عن تهديد خطير يشكله التطور الجديد للأردن”.

وأكد التقي أن “ما حدث يشكل تهديدا بالطبع لإسرائيل، خاصة أنه كان هناك مستوى معين من التفاهمات الإسرائيلية – الروسية في ما يتعلق بدور روسي في ضبط السلوك الإيراني في سوريا”.

وتكشف خارطة انتشار الميليشيات الإيرانية في جنوب سوريا، حجم التغلغل الذي جرى بناؤه على مدى سنوات، وبحسب الخارطة التي نشرها موقع “واين ماير” الإيراني المعارض لمواقع تمركز القوات الإيرانية وميليشيا حزب الله اللبناني، فقد بلغ عدد النقاط العسكرية الإيرانية في السويداء أربع نقاط، وفي درعا 18 نقطة، والقنيطرة عشر نقاط، و19 نقطة عسكرية في دمشق وريفها، إضافة إلى 25 نقطة عسكرية لـحزب الله في درعا وريف دمشق. وقامت إيران منذ استعادة السيطرة على جنوب سوريا بتجنيد حوالي 10 آلاف عنصر كانوا يتبعون للفصائل التي جرى تفكيكها.

ويرى مراقبون أن سماح روسيا للإيرانيين بإشغال الحدود السورية مع إسرائيل والأردن يؤشر على انهيار التفاهمات الإسرائيلية – الروسية السابقة، والتي لعبت موسكو خلالها دور ضبط سلوك الميليشيات الإيرانية على الحدود.

ويشير هؤلاء إلى أنه من أهم ملامح انهيار التفاهمات الروسية – الإسرائيلية هو قيام سلاح الجوي الروسي بإسقاط عدد من الصواريخ الإسرائيلية أثناء مهاجمتها لبعض المواقع الإيرانية، فضلا عن سماح الروس مؤخرا بدخول الميليشيات الإيرانية إلى درعا بشكل واسع. ويؤكد المحلل السياسي الإسرائيلي إيلي نيسان أن وجود ميليشيات إيرانية في جنوب سوريا يعد تجاوزا للخطوط الحمراء المتفق عليها بين إسرائيل وروسيا، ولا يمكن لإسرائيل أن تجعله يمر مرور الكرام.

وأكد نيسان أن محاولة إيران التموضع قرب الحدود تشكل تهديدا لأمن إسرائيل، مرجحا أن الأخيرة “لن تقف مكتوفة الأيدي”.

إيلي نيسان: وجود ميليشيات إيران في درعا تجاوز للخطوط الحمراء

ويرى المراقبون أن لدى إسرائيل رهانين في مواجهتها النفوذ الإيراني في جنوب سوريا: الأول وهو رفض المجتمعات المحلية في جنوب سوريا احتضان المشروع الإيراني، والثاني هو الرهان على روسيا، وعلى ما يجري تداوله من تنافس بين الطرفين في عموم سوريا.

ويشير هؤلاء إلى أن الإسرائيليين يبدون مقتنعين بأن هذا الصراع سيتفاقم عند اللحظة التي تجمد فيها روسيا الحملات على الوجود الإيراني في جنوب سوريا، وهو ما بدأت معالمه تتكشف الآن مع تمركز الميليشيات الإيرانية في درعا.

وأمام هذا الواقع الجديد في درعا تبدو إسرائيل أمام 3 سيناريوهات لمواجهة التهديدات من الجنوب السوري.

يتمثل السيناريو الأول في إعلان مناطق الجنوب السوري كجزء من الأمن الإسرائيلي وإبداء الاستعداد للذهاب بعيدا في تأكيد إعلانها. أما السيناريو الثاني فهو إنشاء منطقة عازلة في جنوب سوريا خالية من الوجود الإيراني، بنفس العمق الذي تم التفاهم فيه مع روسيا ولم يصار إلى تطبيقه عمليا.

وأخيرا إيجاد وكلاء محليين، بما يعني ذلك من استعداد لحمايتهم وتأمين الدعم العسكري والمالي لهم.

ويشكل وجود الميليشيات الإيرانية في جنوب سوريا أيضا تهديدا حقيقيا ومتقدما للأردن، لاسيما مع إمكانية تعاطف تيارات إسلامية أردنية مع هذه الميليشيات في إطار الصراع العربي – الإسرائيلي.

ويزيد وجود ميليشيات إيرانية داعمة للنظام السوري على حدود المملكة من حالة القلق لدى عمّان، لاسيما وأن العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني قد أعلن مؤخرا في مقابلة أجرتها معه شبكة “سي.أن.أن” الأميركية، عن تعرض بلاده للهجوم من طائرات مسيّرة إيرانية الصنع، وتم التعامل معها.

ولا يريد الأردن أن يرى ميليشيات تابعة لإيران أو لبنان أو العراق أو لأي بلد آخر بالقرب من جوار منطقة وبلدة درعا، ولا يريد الاتجاه نحو المزيد من الجاهزية العسكرية والاستنفار للتعامل مع وجود مسلحين على بعد لا يقل عن 50 كيلومترا عبر الفاصل الحدودي بين البلدين.

ويشكل وجود ميليشيات إيرانية على الحدود الأردنية أيضا خطرا، خاصة في حال وقع اشتباك مسلح مع إسرائيل، حيث ستتساقط على الأراضي الأردنية الصواريخ والقذائف والتي ربما تمس سلامة الأردنيين على أراضيهم.

تكشف خارطة انتشار الميليشيات الإيرانية في جنوب سوريا، حجم التغلغل الذي جرى بناؤه على مدى سنوات

ويقول مدير مركز “شرفات” لدراسات وبحوث العولمة والإرهاب سعود الشرفات، “إن سيطرة الجيش السوري المدعوم من إيران على درعا يعني أن الحرس الثوري الإيراني أصبح على الحدود الشمالية للأردن، وأقرب إلى داخل إسرائيل وحدودها”.

وأضاف الشرفات أن ما سبق “يزيد من احتمالية حدوث سيناريوهات استهداف المصالح الأردنية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، باستخدام الحدود الأردنية لضرب إسرائيل أو التحرش بها من قبل إيران، خاصة عن طريق الطائرات دون طيار التي أصبح الحرس الثوري خبيرا في استخدامها ضد “الأهداف الرخوة”.

ورغم وجود اتفاق أردني مع الجانب السوري على إبعاد الميليشيات الإيرانية عن الحدود الأردنية مسافة 50 كلم، لكن المعلومات تؤكد وجود هذه الميليشيات، ولكن بملابس عسكرية سورية.

2