تطمينات تركيا تزيد من هواجس الفصائل السورية

تجد الفصائل السورية نفسها في موقف العاجز عن إيقاف قطار التطبيع الجاري بين دمشق وأنقرة، وهي لا تملك سوى الاستماع لتبريرات وتطمينات المسؤولين الأتراك دون أن تكون لها القدرة على الاعتراض.
حلب (سوريا)- تعمل أنقرة على تهيئة فصائل المعارضة السورية نفسيا لأي تحول في العلاقة بينها وبين دمشق، خشية ردود فعل غير متوقعة.
وبدأت في عقد سلسلة لقاءات مع فصائل منضوية ضمن ما يسمى الجيش الوطني السوري، بغاية طمأنة قادته على استمرار الغطاء الداعم لهم.
وانخرطت قوى سياسية تركية حليفة للرئيس رجب طيب أردوغان بدورها في تلك الجهود، لكن متابعين سوريين يقولون إن ما جد حتى الآن عن تلك اللقاءات فاقم من هواجس المعارضة بدل تبديدها.
ويوضح المتابعون أن فصائل المعارضة السورية التي تتخذ من شمال غرب البلاد مستقرا لها كانت تأمل حتى وقت قريب في أن تكون الخطوات الجارية لتطبيع العلاقات بين دمشق وأنقرة، مجرد مناورة من الجانب التركي، كما حصل في السابق.
ويشير المتابعون إلى أن هذا الأمل تبدد مع اللقاءات التي جرى عقدها حتى الآن مع المسؤولين الأتراك، والتي لمسوا من خلالها إصرارا على المضي قدما في قطار التطبيع مع الرئيس بشار الأسد.
وكشفت مصادر سورية عن اجتماع جرى الأسبوع الجاري بين رئيس الاستخبارات التركي إبراهيم قالن وقيادات من فصائل الجيش الوطني، وذلك بحضور مستشارين أمنيين أتراك معنيين بالملف السوري.
ونقل موقع تلفزيون سوريا عن تلك المصادر قولها إن المسؤولين الأتراك أكدوا للوفد السوري أن “أنقرة مستمرة بمحادثتها مع دمشق من أجل الحفاظ على وحدة الأراضي السورية وعدم السماح بتفكيكها نتيجة المشاريع الانفصالية”، في إشارة إلى الإدارة الذاتية الكردية في شمال شرق سوريا.
ووعد المسؤولون الأتراك أن المسار الحالي منفصل بشكل كامل عن علاقة تركيا مع المعارضة السورية، وأن أنقرة لن تتخلى عن هذه العلاقة، ولن تجبر المعارضة على خيارات لا تريدها.
وكان الرئيس التركي صرح قبل أيام أنه قد يدعو نظيره السوري لعقد لقاء “في أي وقت”، وذلك في إطار تحرك يستهدف استعادة العلاقات بين أنقرة ودمشق.
وقابل الأسد هذه الدعوة بترحيب مشروط، قائلا “إذا كان اللقاء يؤدي لنتائج أو إذا كان العناق أو العتاب يحقق مصلحة البلد، فسأقوم به”.
◄ المسؤولون الأتراك يعقدون سلسلة لقاءات مع الفصائل السورية، بغاية طمأنتهم على مستقبل العلاقة مع أنقرة
وأضاف أن المشكلة لا تكمن في اللقاء وإنما في مضمونه، وتساءل عن معنى اجتماع لا يناقش انسحاب القوات التركية من الشمال السوري.
ويقول مراقبون إن تركيا تبدو هذه المرة أكثر استعدادا للقبول بشروط الأسد، مرجحين تطبيعا للعلاقات على مراحل بين الطرفين.
ويوضح المراقبون أن تركيا وصلت إلى قناعة بأن معالجة الهواجس الأمنية في علاقة بمشروع الحكم الذاتي للاتحاد الديمقراطي الكردستاني، الذي تتهمه أنقرة بأنه الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني لا يمكن أن تتحققبدون التعاون مع الحكومة السورية.
كما أن تركيا لم تعد تتحمل عبء اللاجئين السوريين وبالتالي فإن الانفتاح على دمشق قد يقود إلى اتفاق يسمح بعودة منظمة لهؤلاء.
ويشير المراقبون إلى أن الحديث التركي عن استمرار دعم المعارضة السورية لاسيما المسلحة لا يبدو منطقيا، وواقعيا، حيث أن من بين ما تتمسك به دمشق لتطبيع العلاقات مع أنقرة هو وقف التدخل التركي في شؤونها الداخلية.
ويلفت المراقبون إلى أن قيادات فصائل المعارضة باتت تدرك أن تركيا ستتخلى عنهم عاجلا أو آجلا حيث أنهم كانوا مجرد ورقة تم استغلالها، وأن الأفضل التركيز حاليا على تأمين أنفسهم والمكاسب المادية التي حصدوها طيلة عمر الصراع.
ويقول هؤلاء إن الإشكال الأساسي يبقى في كيفية ترويض باقي المقاتلين في صلب تلك الفصائل. وكانت اندلعت مؤخرا احتجاجات عنيفة في شمال غرب سوريا ردا على اعتداءات مواطنين أتراك على لاجئين سوريين، وقد شاركت في تلك الاحتجاجات عناصر ناقمة من الفصائل.
خلال لقائه مع وفد الفصائل السورية وعد رئيس الاستخبارات التركية بإعادة النظر في الأوضاع بمنطقة شمال غربي سوريا، فيما يتعلق بأسلوب الإدارة، حيث سيجري تقليص حجم تدخل الموظفين الأتراك بالإدارة، وأن تركيا ستضع آلية تنسيق جديدة تتيح لأهالي المنطقة إدارة شؤونهم مع ضمان التنسيق بين الجانبين.
ومن الواضح أن تركيا تريد تخفيف حضورها في الشمال السوري كبادرة حسن نية تجاه دمشق، وأن أولى الخطوات هي تولي السوريين في مناطق درع الفرات إدارة شؤونهم بأنفسهم.
وتلاقي الخطوات الرسمية التركية حيال سوريا دعما من أبرز حلفاء أردوغان السياسيين، وفي مقدمتهم زعيم حزب الحركة القومية، دولت بهشلي الذي عقد مؤخرا لقاءا مع قادة من الفصائل السورية بينهم قائد فرقة “السلطان سليمان شاه”، وقائد فرقة “الحمزة”، لإقناعهم بأن التقارب مع دمشق ينطوي على مصلحة للجميع، ويعجل بالتسوية السياسية للأزمة السورية.
ويقول نشطاء سوريون إن المعارضة أعجز من أن تقدم على عرقلة قطار التطبيع بين أنقرة ونظام الأسد، لافتين إلى أن هذه المعارضة، من تتحمل الجزء الكبير من المسؤولية عما وصلت إليه الأمور، من خلال حيادها عن الهدف الأساسي وانغماسها في خدمة مصالحها الخاصة والذاتية.
ويضيف النشطاء أن المعارضة الحالية، إن كان يصح إطلاق هذا المصطلح عليها، كان عليها أن تعي أن المنح والدعم المقدم من الدول لن تستمر إلى ما لا نهاية، وأنا ستزول بزوال المصلحة، مشددين على أن التطبيع بين أنقرة ودمشق سيكتب حتما نهاية ممثلي المعارضة السورية.
اقرأ أيضا:
• في فوز منتظر.. حزب البعث الحاكم في سوريا يحصد غالبية مقاعد مجلس الشعب