تطمينات البرهان لا تدفع التسوية السياسية في السودان

الحوار بين الجيش والمدنيين يخرج إلى العلن وسط رفض قوى فاعلة في الشارع.
الاثنين 2022/04/18
شارع منفصل عن القوى السياسية

لاحت في أفق المشهد السياسي في السودان بوادر انفراج في الأزمة السياسية بالبلاد في انتظار تسوية وإجراءات لبناء الثقة أطلقها رئيس مجلس السيادة الانتقالي عبدالفتاح البرهان، تمهد للدخول في حوار بين المدنيين والعسكريين، إلا أن انفتاح البرهان لا يدفع التسوية السياسية في ظل وجود قوى فاعلة في الشارع رافضة للشراكة مع العسكريين ومطالبة بحكم مدني خالص.

الخرطوم – يواجه رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان عبدالفتاح البرهان جملة من الصعوبات على طريق رغبته الظاهرة في الوصول إلى توافق سياسي، يمكنه من تشكيل حكومة كفاءات جديدة وإنهاء الحالة الثورية المستمرة في الشارع للشهر السادس على التوالي، بما يسهم في تحقيق قدر من الاستقرار وتمرير المرحلة الانتقالية.

لكن الثمن المطلوب دفعه من الجنرال البرهان، قد يكون مكلفا وينطوي على فاتورة باهظة لبناء الثقة مع قوى سياسية رفعت سقف طموحاتها للمطالبة برحيله.

وطلب الهادي إدريس رئيس الجبهة الثورية السودانية، عضو مجلس السيادة، الأحد من سفراء دول عربية معتمدين في الخرطوم، حث دولهم لتكون شريكة ومسهّلة لعملية الحوار السياسي التي تنطلق قريبا في البلاد.

واصطدمت وعود البرهان بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين قريبا كأحد أبرز الشروط التي تقدمت بها الأحزاب السياسية والقوى الدولية لإجراء مفاوضات علنية، برفض كيانات مؤثرة في الشارع، على رأسها الحزب الشيوعي وتجمع المهنيين ولجان المقاومة، ما يهدد بفشل تطبيق أي تفاهمات يمكن الوصول إليها.

الوليد علي: خطوات البرهان لا تمثل تراجعا عن الانقلاب على السلطة

وعبّرت توجهات البرهان عن استجابته لتحالف قوى الحرية والتغيير، بشقيها المجلس المركزي والميثاق الوطني، التي شددت على عدم الدخول في عملية سياسية ما لم يتحقق شرط إطلاق سراح المعتقلين السياسيين من قادة التحالف ولجان المقاومة، ورفع حالة الطوارئ ووقف العنف والقتل في صفوف المتظاهرين.

وكشف رئيس مجلس السيادة الانتقالي أنه شرع في اتخاذ إجراءات إطلاق سراح المعتقلين لتهيئة المناخ للحوار، حتى يسهموا مع الآخرين في تحقيق الوفاق، ووجه الأجهزة المختصة بمراجعة حالة الطوارئ، والإبقاء على بعض البنود التي تستهدف الأمن الوطني والاقتصاد، معلنا استعداد الجيش للتنحي وتسليم السلطة للمدنيين في حال حدوث توافق بين القوى السياسية.

وأكد الناطق الرسمي باسم تجمع المهنيين السودانيين الوليد علي لـ”العرب” أن حديث البرهان عن إطلاق سراح المعتقلين يأتي وسط هجمة قوية لاعتقال المزيد من الثوار أخيرا، وليس هناك ثقة في توجهات من اضطروا إلى تقديم تنازلات، بعد أن صمد الثوار في الشارع، وبالتالي فالمواقف الأخيرة لا تمثل تراجعا عن الانقلاب على السلطة.

وأوضح أن دعوات الوصول إلى تسوية سياسية مرفوضة من جانب تجمع المهنيين، لأن الشارع لم يطالب بهذه التسوية، لأنه يصر على إزاحة المتورطين في عمليات قتل المتظاهرين وضرورة محاسبتهم.

وأشار إلى أن المبادرات سواء كانت من النادي السياسي الداخلي أو المجتمع الدولي، فهي تخضع لمسطرة مطالب الثورة التي تقاس على مدى تضمنها محاسبة الانقلابيين وخروج المؤسسة العسكرية من السلطة بشكل كامل واستعادة الأموال المنهوبة، وتقديم ضمانات لإصلاح المؤسسة العدلية ومراجعة اتفاق سلام جوبا.

ويستند المكون العسكري في خطوته على دعم دولي يسعى لإجراء عملية سياسية بخطوات سريعة، تتبناها الآلية الثلاثية التي تشمل البعثة السياسية للأمم المتحدة لدعم التحول الديمقراطي “يوناميتس” ومنظمة “إيغاد” والاتحاد الأفريقي، غير أنه قد يصطدم بعدم قناعة الشارع بما يتمخض من نتائج، في ظل فقدان الثقة في القوى السياسية التي تحالفت مع الجيش عقب الإطاحة بنظام الرئيس السابق عمر البشير.

وبات على مجلس السيادة دفع الثمن إذا أراد أن يقنع الشارع بحسن نواياه ومحاسبة المتورطين في جرائم قتل المتظاهرين، فالوصول إلى تفاهمات سياسية دون معالجة حقوقية وقضائية لن يكون كافيا لضمان نجاح أي حكومة جديدة في أداء مهامها.

وقال عضو تحالف الحرية والتغيير البشري الصائم لـ”العرب” إن الشروط التي أعلنها المجلس المركزي للقبول بالحوار، وبعدها وعد البرهان بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، تؤكد أن الحوار الذي جرى تحت الطاولة الفترة الماضية خرج إلى العلن.

ومن المتوقع عقد جلسات حوار بعد أيام، تضم أحزاب قوى الحرية والتغيير وقوى محسوبة على فلول البشير والمكون العسكري، للاتفاق على وثيقة دستورية جديدة.

ورحب حزب الأمة القومي بالتفاوض من أجل الوصول إلى حلول سلمية لعودة الشرعية وإنهاء الانقلاب واستكمال الفترة الانتقالية، بما يحقق أهداف الثورة، وأن البلاد تعاني أزمة وجودية تتطلب التنازل والعمل للتوصل إلى كلمة سواء تجنبها الفوضى الشاملة.

وعلى الجنرال البرهان إنهاء حالة الطوارئ ومنع العنف وقتل المتظاهرين ومساءلة الذين ارتكبوه، ووقف حملة الاعتقالات وسط لجان المقاومة، والتنفيذ الفوري لإطلاق سراح المعتقلين وإلغاء التهم الجنائية الكيدية الموجهة ضدهم بدلا من التحجج بها.

البشري الصائم: التسوية ستكون محاطة بحراك لن يتوقف من الشارع

وقلل الصائم في تصريح لـ”العرب” من إمكانية الوصول إلى صيغة بمقتضاها يجري التعامل مع أزمات الفترة الراهنة، لأن الاتفاق المزمع بين العسكريين والمدنيين يقود إلى مطالبة المجموعات الموقعة عليه بأن يكون لها نصيب في السلطة، عبر ممثلين في حكومة تكنوقراط مزمع تشكيلها.

وأضاف أنها ستكون محاطة بحراك لن يتوقف من الشارع، يقوده الحزب الشيوعي وتجمع المهنيين ولجان المقاومة، ومن الصعوبة أن يتحقق الهدف الأساسي المتمثل في إعادة بناء جدار الثقة مع عناصر الثورة النشطة، لأن الميثاق المنتظر الوصول إليه يضم قوى سياسية يرفضها الشارع.

وتطرح خطوات البرهان نحو الانفتاح على القوى الثورية، في الوقت الذي يجري فيه إطلاق سراح عناصر حزب المؤتمر الوطني وفلول البشير والتابعين لتنظيم الإخوان والسماح لهم بإقامة فعاليات سياسية بالمخالفة للوثيقة الدستورية، تساؤلات حول جديته في تحقيق مطالب الشارع.

ولدى المعارضة السودانية قناعة بأن الإفراج عن المعتقلين لا يشكل خطرا على المكون العسكري، الذي يدرك أنها خطوة قد تؤدي إلى المزيد من التشرذم في صفوف الأحزاب، التي أضحت قواعدها تعترض على توجهاتها نحو التحالف مع الجيش، في حين أن لدى من سيتم الإفراج عنهم مواقف معارضة أيضا من تلك التوجهات.

ويقتنع هؤلاء بأن البرهان يعمل على تأمين نفسه بإبعاد مطالب التحقيق في جرائم فض الاعتصام وقتل الشباب، منذ انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، مقابل الوصول إلى توافق مع القوى المدنية الساعية للحفاظ على مواقعها في السلطة الحاكمة.

كما أنه يحاول إقناع المحتجين في الشارع بالعودة إلى التهدئة، وهو مدرك أنه أمام مهمة شبه مستحيلة في ظل وجود أكثر من 100 قتيل سقطوا في الاحتجاجات.

ويحذّر مراقبون من إمكانية فشل الوصول إلى حل سياسي تتوافق عليه كافة الأطراف، وأن السودان قد يكون أمام طريقين: إما تزايد فرص حدوث انقلاب جديد من داخل المؤسسة العسكرية نفسها على النظام القائم حاليا، وإما تدخل المجتمع الدولي بجدية لحماية المدنيين وتطبيق الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة إذا اتسع العنف.

2