تطبيقات الدليفري في مصر قطاع يواجه فوضى التنظيم

اضطر العديد من عمال المنصات الرقمية في مصر إلى ممارسة نوع من الضغوط للفت الانتباه إلى نماذج العمل على حسب الطلب ببلد يتوسع ويتنامى فيه اقتصاد العمل الرقمي الحر بشكل كبير في ظل نقص الضوابط من حيث القوانين والحماية الاجتماعية.
القاهرة – تدفع الضغوط الاقتصادية الكثير من المواطنين وخصوصا الشباب المتعلم في مصر إلى اللجوء للانضمام إلى منصات الخدمات الرقمية لتوصيل الطلبات (دليفري)، لكنهم يتذمرون من سوء تنظيم القطاع.
ويتنقل الآلاف من الشباب من سائقي الدراجات الهوائية أو النارية دون حماية أو تأمين لتوصيل ما يحملون من طلبات إلى زبائن منصات الشراء الرقمية والتطبيقات الإلكترونية.
ويبدو محمد شريف، الذي لم يجد وظيفة في مجاله، أحد هؤلاء حيث التحق قبل ثلاثة أشهر بشركة طلبات، وهي منصة إلكترونية تستقبل طلبات زبائن المطاعم المختلفة وتوصلها إلى منازلهم.
ويقول شريف الذي يقوم بتوصيل الطلبات مستخدما دراجته العادية، لوكالة الصحافة الفرنسية “إنهم يستنزفون دمك من كل ناحية، ولكن ليس هناك شغل”.

أسماء خليل: طلبات تقوم بتأمين العمال عبر مكاتب التعهيد الخارجية
ولجأ المصريون مؤخرا إلى الاقتطاع من مدخراتهم لمواجهة الموجة التضخمية الحالية بعد أن قفز مؤشر الأسعار إلى 12.1 في المئة وهي النسبة الأعلى منذ ثلاثة أعوام والتي تسبب بها قرار البنك المركزي خفض قيمة العملة المحلية بنحو 18 في المئة تقريبا أمام الدولار.
وتسبب اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية بنهاية فبراير الماضي في ارتفاع أسعار السلع الغذائية والوقود على مستوى العالم.
وفي مطلع هذا الشهر دعا عمال توصيل في شركة طلبات إلى إضراب للمطالبة برفع أجورهم، حسب ما قال أحدهم لوكالة الصحافة الفرنسية، رافضا ذكر اسمه.
وأوضح أن عمال التوصيل الذين يطلق عليهم المصريون “الطيارين” يحصلون على عمولات ما بين 9 و18 جنيها في كل طلب (بين 50 سنتا ودولار)، بحسب التطبيق. وأكد أنه منذ العام 2020 لم تتغير قيمة هذه العمولات.
ويقول شريف “يمكنك العمل في مناوبة من 9 أو 10 ساعات، ولكن لا تحصل على طلبات كافية فتجد بنهاية اليوم أن ما تحصلت عليه لا يتجاوز 30 أو 40 جنيها”، في بلد يصل فيه سعر الخبز إلى أكثر من 11 جنيها للكيلوغرام.
ولم يستمر إضراب موصلي شركة طلبات سوى يومين، ولم يشارك به سوى القليل من أسطول سعاة الشركة البالغ قوامه 12 ألف عامل، لكنه يعطي مؤشرا عن حالة اقتصاد العمل الحر الضخم القائم على التطبيقات في مصر.
وتقدر أعداد العاملين بخدمات المنصات الرقمية ما بين 100 و200 ألف عامل دون عقود أو تأمين صحي وشبكات الأمان الاجتماعي. وفي عام 2019 بلغ عدد السائقين العاملين بشركة أوبر وحدها 90 ألف شخص.
وتمثل شريحة الشباب أو من لم يتجاوز عمره 30 عاما، حوالي 60 في المئة من إجمالي سكان البلد العربي الأكثر تعدادا للسكان بأكثر من 103 ملايين نسمة.
وحسب بيانات البنك الدولي، تسجل نسبة البطالة بين هذه الشريحة 26 في المئة وهو رقم مرتفع كثيرا قياسا بدول المنطقة.
وتفيد إحصاءات منظمة العمل الدولية أن نسبة البطالة بين حملة المؤهلات التعليمية في مصر بلغت 14.5 في العام بنهاية 2020.
والعام الماضي أصدر مشروع “فير وورك” التابع لجامعة اكسفورد تقريرا بالتعاون مع الجامعة الأميركية بالقاهرة لتقييم سبع منصات عمل رقمية في مصر.
وأشار الخبراء في التقرير إلى أن تطبيقات أوبر للتنقل وطلبات لتوصيل الطعام ومُنجزا للتسوق من البقالة سجلت تقييما واحدا من عشرة بينما سجل تطبيق سويفيل للنقل الجماعي تقييما أعلى وتحديدا ثلاثة من عشرة.
200
ألف شخص يعملون مع مختلف المنصات الرقمية بالبلاد من دون عقود أو تأمين صحي
وتعتبر شركة سويفيل الحصان الرابح في المنطقة بين الشركات الناشئة، خصوصا بعد أن تصدرت عناوين الصحف عقب إدراجها في بورصة ناسداك الأميركية بقيمة 1.5 مليار دولار الشهر الماضي.
وكان تطبيق أف الخدمة للخدمات المنزلية هو الذي حصل على التقييم الأعلى بواقع خمسة من عشرة.
ونسبت وكالة الصحافة الفرنسية إلى عمر رمضان رئيس الشركة قوله إنه من النادر أن تتم مناقشة ظروف العمل تحت النظام الرقمي، مؤكدا بأنه “نادرا ما يتم التحدث عن أجور العاملين وإذا كانت عادلة أم لا، أو إذا كنا نستغل ضعفهم”.
ويعيش ثلث المصريين على خط الفقر، ويخشى مثلهم أن يكونوا عرضة لذلك، وفق بيانات البنك الدولي. ويبلغ متوسط دخل الأسرة المصرية الشهري ستة آلاف جنيه (حوالي 325 دولارا).
وأصدر تطبيق طلبات بيانا رد فيه على إضراب عاملي التوصيل قائلا “في المتوسط يكسب (عامل التوصيل) ما بين 4 آلاف و6 آلاف جنيه في الشهر”، مشيرا إلى أن المتوسط قد يصل إلى 10 آلاف جنيه “حال عمله 8 ساعات أو أكثر في اليوم”.
وفي المقابل يقول عمال التوصيل إن متوسط الدخل المشار إليه لا يشمل ما يتحملونه من تكاليف مثل الوقود وصيانة الدراجات. وأعلنت الحكومة المصرية الأسبوع الماضي عن زيادة أسعار الوقود بنسبة ثلاثة في المئة لمواجهة تبعات غلاء أسعار النفط الخام في الأسواق العالمية ما يزيد الضغط على الأجور.
ويوضح شريف أن سائقي الدراجات النارية قد يصل دخلهم إلى 5 آلاف جنيه على منصة طلبات “ما يمثل ضعف” ما يجنيه عاملو التوصيل الذين يمشون على الأقدام أو يستخدمون دراجات هوائية.
63
في المئة من القوى العاملة تعمل في الاقتصاد غير الرسمي التي تحاول الدولة تنظيمه
وعادة ما يواجه أصحاب الأعمال الحرة وخصوصا من يعملون في توصيل البضائع بعض مخاطر التنقل والازدحام والفوضى المرورية في العاصمة المصرية. وحسب البيانات الرسمية، أودت حوادث الطرق بحياة 7 آلاف شخص في عام 2020.
ونفت أسماء خليل رئيس قسم الاتصال والشؤون العامة في شركة طلبات تقارير عن عدم توفير خطة تأمين لعمال التوصيل، مؤكدة أن المنصة تمول التأمين على الحياة والتأمين الكامل ضد الحوادث من خلال مكاتب التعهيد الخارجية. إلا أن شريف يرى أن مكاتب التعهيد تعد “وسيلة للتخلص من عمل قذر”.
وتظهر الأرقام المصرية أن 13.6 مليون شخص مؤمن عليهم من قبل الضمان الاجتماعي للدولة، بينما توضح بيانات منظمة العمل الدولية أن 63 في المئة من القوى العاملة تعمل في الاقتصاد غير الرسمي التي تحاول الدولة تنظيمه.
ويقول رمضان إن “الجميع في اقتصاد العمل الحر يتعرض لهذه المنطقة الرمادية عندما يتعلق الأمر باللوائح”، ضاربا أمثلة بقانون العمل وقانون الضرائب والضمان الاجتماعي. وأضاف “ليس واضحا على الإطلاق كيف يتصرف اقتصاد العمل الحر وسط ذلك”. وفي ما يتعلق بخطة التأمين الخاصة بمنصة طلبات، قالت خليل إن المبادرات تتم “بدافع حسن النية”، مشيرة إلى أن الأمر “ليس ملزما لأحد”.
ويرى وائل توفيق من مسؤولي تجمع التعاونية القانونية لدعم الوعي العمالي أن أفضل ملاذ للعمال هو تأسيس نقابة رسمية، إلا أن هذا الأمر لا يعد بسيطا من وجهة نظر شريف الذي يقول إن عمال التوصيل “لا يتقابلون إلا عن طريق الصدفة”.