تطبيع العلاقات بين الأسد وأردوغان حبيس الشروط والشروط المضادة

أنقرة تربط سحب قواتها بدستور جديد تعقبه انتخابات في سوريا.
الأربعاء 2023/12/13
وجود يتجاوز الهدف المعلن

أظهرت الشروط التي حددتها تركيا مقابل انسحاب قواتها من الأراضي السورية، زيف الادعاءات بأن وجودها في الشمال السوري يندرج في سياق حماية أمنها القومي من التهديد الكردي، وأن الغرض من هذا الوجود هو تكريس نفوذ لها في قلب السلطة السورية عبر إشراك موالين لها.

أنقرة - حدد وزير الدفاع التركي يشار غولر شرطين لانسحاب القوات التركية من شمال سوريا، وهما اتفاق المعارضة مع الحكومة السورية على دستور جديد للبلاد وإجراء انتخابات. وجاءت تصريحات غولر كرد متأخر على عرض إيراني ينص على سحب القوات التركية من سوريا.

وتسيطر تركيا منذ العام 2014 على مساحات مهمة من شمال سوريا، تحت مبرر التصدي للتهديد الكردي الذي تمثله وحدات حماية الشعب. كما تبسط الاستخبارات التركية سيطرتها على محافظة إدلب وعدد من أرياف حلب، عبر عدد من الفصائل السورية الموالية لها على غرار هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقا) ومجموعات تركمانية.

وتعكس تصريحات وزير الدفاع التركي حقيقة أن الوجود المباشر للقوات التركية في الشمال السوري يتجاوز مجرد التصدي للتمدد الكردي، وأن أنقرة تريد أن يكون لها تأثير في سلطة القرار في سوريا كما هو الحال مع روسيا وإيران، عبر إشراك موالين لها في السلطة.

وخلال مقابلة مع قناة “أن.تي.في” التركية، الاثنين، تحدث وزير الدفاع التركي عن عدم رغبة أنقرة بالسيطرة على أي أرض سورية، وفق تعبيره. وقال غولر إن القوات التركية ستغادر سوريا بشرطين، الأول اتفاق نظام الأسد مع المعارضة على دستور جديد، والثاني إجراء انتخابات في البلاد.

وأضاف أن الشرطين “قد يمهدان الطريق لإنهاء الصراع في البلاد، الذي تجاوز عقدا من الزمن”. وأشار إلى أن أي سلطة ستأتي مستقبلا إلى سوريا بعد تعديل الدستور وإجراء انتخابات حرة ستقبلها تركيا ثم تسحب قواتها من سوريا.

يشار غولر: الشرطان قد يمهدان الطريق لإنهاء الصراع في سوريا
يشار غولر: الشرطان قد يمهدان الطريق لإنهاء الصراع في سوريا

وكان وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان قال في تصريحات لمجلة “الوفاق” الإيرانية، في سبتمبر الماضي، إنه عرض على تركيا وسوريا، سحب القوات التركية مع تقديم ضمانات من الحكومة السورية تقضي بحماية الحدود.

وقدّم عبداللهيان اقتراحه خلال اجتماع موسكو، الذي جمع اللجنة الرباعية الخاصة بسوريا، في شهر يونيو الماضي. ولم يوضح الوزير الإيراني حينها رد تركيا أو النظام على مقترح بلاده، لكنه أشار إلى أن المعادلة المطروحة ستلعب فيها إيران وروسيا دور الضامن للطرفين.

ويعتقد متابعون أن العرض الإيراني تم بتنسيق مع سوريا التي سبق وأكدت على لسان رئيسها بشار الأسد في أغسطس الماضي أن إنهاء القطيعة بين دمشق وأنقرة وإعادة العلاقات بينهما، رهين بانسحاب القوت التركية.

وقال الأسد خلال استقباله حينها عبداللهيان في العاصمة السورية دمشق إن الانسحاب التركي من الأراضي السورية أمر حتمي ولا بد منه لعودة العلاقات الطبيعية بين دمشق وأنقرة.

وتدخلت تركيا في الصراع السوري منذ بداياته في العام 2011، حيث دعمت سياسيا الاحتجاجات الشعبية ضد الأسد، ولم تكتف أنقرة بذلك بل عمدت إلى فتح أبوابها للمعارضة السورية، بالتوازي مع ضخ الدعم العسكري واللوجستي للفصائل التي تشكلت مع عسكرة الأزمة.

وتعد تركيا حاليا الدولة الوحيدة في المنطقة التي تحتضن المعارضة العسكرية والسياسية بعد أن تراجعت عددا من الدول العربية عن تقديم الدعم، وفضلت إعادة العلاقات مع دمشق، بعد أن اتضح أن جهود إسقاط الأسد لم تأت بنتيجة، وأن الأمر تحول إلى حالة استنزاف دون أفق للحل.

ويقول نشطاء سوريون مقربون من الحكومة إن تركيا لديها أطماع في سوريا، وهي تتخذ من وجودها العسكري ورقة ضغط إضافية على دمشق، مستبعدين أن يكون هناك أي توجه لتطبيع قريب في العلاقات بين أنقرة ودمشق على الأمد القريب. ويشير النشطاء إلى أن ما جرى قبل أشهر من لقاءات من مسؤولين عسكريين واستخباراتيين ودبلوماسيين للطرفين، كان دون أي نتائج فالنظام التركي حينها كان يريد تحقيق بعض المكاسب السياسية في علاقة بالانتخابات، وبمجرد أن انتهى الاستحقاق عادت أنقرة إلى تبني ذات النهج.

ويوضح النشطاء أن النظام التركي كان يدرك وجود تململ شعبي حيال استمراره في الانخراط في الأزمة السورية، وما يستتبعه ذلك من استمرار لأزمة النازحين، فكان أن أراد الإيحاء حينها بأنه بصدد معالجة هذا الملف.

واتجهت أنقرة قبل الانتخابات الرئاسية والتشريعية في الربيع الماضي إلى فتح قنوات تواصل مع النظام السوري، وانطلقت في مسار لترميم العلاقة معه ضمن “عملية بناء حوار رباعية”، انخرطت فيها كل من روسيا وإيران، كطرفين راعيين.

وبموجب العملية اجتمع المسؤولون السوريون والأتراك لأكثر من مرة، على مستوى الاستخبارات والدفاع والسياسة، لتصل آخر محطات العلاقة إلى لقاء جمع وزيري الخارجية في العاصمة الروسية موسكو، قبل موعد الانتخابات بأيام قليلة.

◙ النظام التركي كان يدرك وجود تململ شعبي حيال استمراره في الانخراط في الأزمة السورية فكان أن أراد الإيحاء حينها بأنه بصدد معالجة هذا الملف

لكن مخرجات تلك اللقاءات لم تسفر عن أي تغيير لتبقى العلاقة بين كل من أنقرة ودمشق حبيسة الشروط والشروط المضادة. وأعرب الوزير التركي عن أمله في استمرار الاجتماعات الرباعية مع النظام إلى جانب روسيا وإيران، بهدف التوصل إلى تفاهمات بينهما، مؤكدا أن النظام “لديه مسؤوليات لا يفي بها".

واعتبر وزير الدفاع التركي أن القوات التركية "جلبت السلام إلى سوريا وأنقذتها من خطر تنظيم الدولة". وقال إن "التنظيم كان يستولي على مدينة كل يوم في سوريا، لقد تم نسيان كل هذا في الواقع، يحتاج النظام السوري إلى أن يشكر تركيا الآن".

وجاءت تصريحات الوزير التركي بعد نحو أسبوع على حديث أدلى به مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا وسفير روسيا في دمشق ألكسندر يفيموف لصحيفة “الوطن” السورية، قال فيه إنه بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية في تركيا في مايو الماضي، توقفت المفاوضات حول ملف التقارب بين تركيا وسوريا. وأضاف يفيموف "لسوء الحظ لا تحدث الأمور دائما بالسرعة التي نرغب بها جميعا، وفي بعض الأحيان تتدخل عوامل غير متوقعة وتغير الظروف القائمة".

واعتبر مبعوث الرئيس الروسي أن التدهور الحاد للوضع في غزة حوّل الاهتمام الرئيس نحوه ولكل الدول في الشرق الأوسط، ما أجبرها على دفع مشكلات أخرى مهمة إلى الخلف بشكل مؤقت، لكن العمل على تقريب المواقف بين أنقرة ودمشق سيستأنف حالما يسمح الوضع بذلك.

ولفت المسؤول الروسي إلى أنه يجري البحث الحثيث عن "منصة بديلة" تناسب جميع المشاركين في العملية السياسية، في ما يتعلق باجتماعات "اللجنة الدستورية"، كما أن المبعوث الأممي إلى سوريا غير بيدرسون، يشارك في هذه العملية أيضا.

2