تضخم فواتير الكهرباء يعمق الفجوات بين اقتصادات أوروبا

التباين بين جنوب شرق أوروبا وجيرانها يعود إلى الاستثمار، فبينما الشمال الشرقي لديه خطوط كهرباء تسمح بنقل الطاقة، فإن جزءًا كبيرًا من جنوب شرق أوروبا مجزأ ومعزول.
الخميس 2025/01/09
الإمدادات لم تعد كافية

أفرزت التقلبات العالمية منذ الجائحة وإلى غاية اندلاع الحرب في أوكرانيا تضخما في فواتير الكهرباء بأوروبا، مما أوجد تباينا في توفير الإمدادات بين مختلف اقتصادات القارة، والتي يعزوها محللون إلى الارتباك وقلة الاستثمار والضغوط المنجرّة عن سوء تقدير الحكومات للوضع.

أثينا/باريس- واجه كريستوس كابيتاناكيس صاحب مطعم في العاصمة اليونانية أثينا ارتفاعا في إيجار المحل، لكنه يواجه الآن ما يسميه “إيجارا ثانيا” مع ارتفاع فواتير الكهرباء التي تخفض الأرباح وتجبره على رفع الأسعار.

ويدفع كابيتاناكيس ما بين 3 آلاف و3800 يورو شهريا على الكهرباء بزيادة 40 في المئة منذ غزت روسيا أوكرانيا في عام 2022 وأثارت أزمة طاقة أوروبية. وأكد أن الكهرباء كانت تشكل 3 في المئة من إجمالي المبيعات الشهرية، والآن أصبحت 15 في المئة.

وقال لرويترز من مطعمه في حي بلاكا التاريخي إن “الزيادة المستمرة في الأسعار، وخاصة في قطاع السياحة ستؤدي إلى أن تصبح اليونان أقل قدرة على المنافسة مقارنة بدول البحر الأبيض المتوسط الأخرى.”

وقد تردد صدى محنته في جميع أنحاء القارة منذ أن تسببت حرب أوكرانيا في انقطاع إمدادات الغاز عبر خطوط الأنابيب الروسية إلى أوروبا وأجبرت دولاً مثل اليونان على البحث عن بدائل أكثر تكلفة.

نيكوس ماجيناس: ارتفاع الأسعار له تأثير سلبي على الاستهلاك والأعمال
نيكوس ماجيناس: ارتفاع الأسعار له تأثير سلبي على الاستهلاك والأعمال

لكن جنوب شرق أوروبا شعر بالتأثير أكثر بكثير من الشمال الغربي. ويقول الخبراء إن هذا لن يتسع إلا مع حلول الشتاء، وسيكون له تأثير متسلسل على النمو الاقتصادي.

وكانت الطاقة بالجملة في اليونان وإيطاليا في أغسطس أعلى بمقدار 12 مرة من مثيلتها في دول الشمال الأوروبي، بل إنها تضاءلت مقارنة بدول جنوب أوروبا الأخرى التي كانت تعاني من الطقس الحار.

ومنذ 2021، أنفقت اليونان 11 مليار يورو على دعم الطاقة لمحاولة حماية المستهلكين. وفي عام 2022، بلغ الإنفاق 5.3 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

وهذا الرقم يعد أعلى مستوى في الاتحاد الأوروبي وضعف نظيره في إيطاليا التي تحتل المركز الثاني، وفقًا لشركة الاستشارات في مجال الطاقة إينر داتا، ومقرها فرنسا.

ورغم جهود الحكومة اليونانية لحماية المواطنين من ارتفاع تكاليف الطاقة، فقد أدى الوضع إلى تفاقم أزمة تكاليف المعيشة في اليونان في أعقاب أزمة الديون في الفترة بين 2009 و2018 التي خفضت الأجور والمعاشات التقاعدية والاستثمارات في إنتاج الطاقة والنقل.

وقال نيكوس ماجيناس كبير الاقتصاديين بالبنك الوطني اليوناني إن “ارتفاع أسعار الطاقة والتأثير السلبي على الناتج المحلي الإجمالي هو تكرار”، مؤكدا أن ارتفاع الأسعار له تأثير سلبي على استهلاك الأسر وعلى هيكل الكلفة للصناعات وشركات الطيران والشحن.

ويعود الكثير من التباين بين جنوب شرق أوروبا وجيرانها إلى الاستثمار. فبينما الشمال الشرقي لديه خطوط كهرباء وغاز تسمح بنقل الطاقة بسهولة بين الدول، فضلاً عن مزيج قوي من المصادر البديلة، فإن جزءًا كبيرًا من جنوب شرق أوروبا مجزأ ومعزول.

وتخزين الطاقة، الذي أصبح مهمًا بشكل متزايد في دول شمال أوروبا، غير موجود في أجزاء من جنوب شرق القارة.

وتمتلك ألمانيا 1668 ميغاواط من سعة التخزين واسعة النطاق، مقابل لا شيء في اليونان، وفق بيانات أل.سي.بي داتا، وهي شركة استشارية للطاقة، مقرها إدنبرة.

وتفتقر دول جنوب شرق أوروبا ومنطقة البلقان إلى الربط الكهربائي. وكلما كان هناك نقص في الطاقة، وكان إنتاج الطاقة المتجددة منخفضًا، فإنهم “يكافحون لاستيراد الأحجام اللازمة،” كما قال هيننج جلويستين، رئيس الطاقة والمناخ والموارد في مجموعة أوراسيا.

في المقابل، ارتفع توليد الطاقة المتجددة في إسبانيا بشكل كبير في العقد الماضي، ويرجع ذلك جزئيا إلى تمويل الاتحاد الأوروبي، فقد ولدت ما يقرب من 60 في المئة من كهربائها من الطاقة المتجددة في النصف الأول من 2024، ارتفاعًا من 51 في المئة قبل عام. وقال جلويستين “إذا لم تستثمر، ستظل أسعار الطاقة مرتفعة.”

وتبدو شبكة الطاقة في أوروبا ناجحة للغاية في نواح كثيرة. ففي 2022، زادت فرنسا وارداتها من ألمانيا عندما انخفض إنتاج الطاقة النووية. وعندما توقفت إمدادات الغاز الروسية إلى أوروبا عبر أوكرانيا الأسبوع الماضي، كان تأثير السعر خافتًا لأن الكتلة وجدت بدائل.

ولكن بالنسبة إلى البعض، ثمة حاجة إلى بذل المزيد من الجهود. وبعد ارتفاع أسعار الطاقة في اليونان الصيف الماضي، كتب رئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس إلى المفوضية الأوروبية مطالبا بإيجاد حل للاختلافات “غير المقبولة” في تكاليف الكهرباء في جميع أنحاء أوروبا.

هيننج جلويستين: جنوب شرق أوروبا والبلقان يفتقران إلى الربط الكهربائي
هيننج جلويستين: جنوب شرق أوروبا والبلقان يفتقران إلى الربط الكهربائي

واليونان ليست وحدها، حيث يعتمد جزء كبير من البلقان بشكل كبير على الوقود الأحفوري ونظام الطاقة الإقليمي ضعيف. وفي يونيو الماضي، ضرب انقطاع التيار الكهربائي الجبل الأسود والبوسنة وألبانيا وكرواتيا عندما تم تحميل الشبكة بسبب احتياجات تكييف الهواء أثناء موجة الحر. وتكافح كوسوفو، التي تولّد أكثر من 90 في المئة من طاقتها من الفحم، لمواكبة بقية أوروبا في تركيب المزيد من مصادر الطاقة المتجددة.

وفي ديسمبر الماضي، أطلقت مزادًا لتثبيت 100 ميغاواط من طاقة الرياح. لكن البنك الدولي يقدر أنها تحتاج إلى 100 ضعف ذلك، أي على الأقل 10 غيغاواط من القدرة الجديدة لتحقيق هدفها المتمثل في القضاء على استخدام الفحم بحلول عام 2050.

وتقدر تكلفة هذا التحول على كوسوفو بنحو 4.5 مليار يورو، وهو مبلغ هائل للاقتصاد الصغير. ودون تكامل أو تخزين كافيين عبر الحدود، تكون الطاقة في بعض الأحيان أكثر مما ينبغي لسوق واحدة، مما يضطر المنتجين إلى تقليص العرض.

وقال فابيان رونينجن، المحلل في شركة الاستشارات ريستاد إنيرجي “إذا كان الهدف هو خفض الأسعار بشكل أكثر تحديدًا، فإن أسهل طريقة للقيام بذلك هي زيادة انتشار مصادر الطاقة المتجددة أو النووية.”

وبينما ليس لدى اليونان محطات نووية، فإن أريستوتيليس إيفاليوتيس، الأمين العام لوزارة الطاقة، متفائل، مشيرًا إلى أن إنتاج الطاقة المتجددة في ارتفاع، ومن المقرر تشغيل محطتين جديدتين تعملان بالغاز هذا العام، وسيتم بناء تخزين البطاريات بحلول عام 2028.

وتدعو الخطط أيضا إلى ترقية روابط الطاقة مع إيطاليا وألبانيا وتركيا بحلول عام 2031 بتكلفة تبلغ حوالي 750 مليون يورو. وقال إيفاليوتيس لرويترز “ستنخفض أسعار الجملة تدريجيًا، وسوف ينتقل هذا بالتأكيد إلى المستهلكين في مرحلة ما.”

ولم يقتنع المستهلكون اليونانيون. ويكافح تاكسياركيس فيكاس، الذي يعيش في إحدى ضواحي أثينا، لدفع الرسوم المدرسية وبدلات أطفاله الثلاثة لأن فواتير الكهرباء مرتفعة للغاية.

ويحث أطفاله على تقليل استخدامهم لأجهزة الكمبيوتر المحمولة واللوحية لتوفير الطاقة، وهو مطلب صعب بالنسبة إلى الأطفال الصغار الذين يلتصقون بأجهزتهم .وقال “نحن على وشك أن نصبح أسرة تعاني من صعوبات مالية. ويتعين على الحكومة أن تولي اهتمامًا.”

11