تضخم فاتورة الطاقة في تونس يتحدى سياسة تقييد التوريد

مطالبات بجذب الاستثمارات الأجنبية لتعزيز ميزان المدفوعات مع اعتماد إستراتيجية فعالة لقطاع التصدير.
الثلاثاء 2025/03/18
الوقود عصب رئيسي للدورة الاقتصادية

تزايدت قناعة الخبراء في تونس بشأن فرص نجاح سياسات تقييد التوريد في كبح فاتورة الطاقة، والتي من الواضح أنها تتضخم منذ بداية 2025 في ظل سوء إدارة المسؤولين رغم أن السلطات تؤكد أنها تقوم بكل ما في وسعها من أجل وضع علاجات مرحلية لهذه الأزمة المزمنة.

تونس - يتسبب نمو فاتورة الطاقة لتونس في توسع فجوة الميزان التجاري بشكل مقلق منذ بداية العام الجاري، وهو ما يزيد الضغوط على الحكومة التي لا تزال تكابر بشأن قدرتها على معالجة هذا الملف بين ملفات اقتصادية أخرى تبدو جميعها ضمن حالة الطوارئ.

وتعد تونس من بين البلدان، التي تعتمد بشكل كبير على واردات الطاقة باعتبارها لا تنتج النفط والغاز بما يسد الطلب المحلي، وهي تشتري شحنات من مصادر مختلفة، وقد كثفت في الأشهر الأخيرة مشترياتها من الوقود من روسيا.

وتمكن البلد الذي يمر بأزمة اقتصادية حادة من السيطرة على مستوى العجز التجاري للطاقة خلال 2023، في مؤشر اعتبره البعض أنه قد يمنح السلطات دافعا للمزيد من خفض نفقات الاستيراد خلال 2024 مع تراجع الأسعار في الأسواق العالمية.

لكن الخبير الاقتصادي محسن حسن اعتبر أن السياسات الحكومية المتبعة في مجال التحكم في المواد الاستهلاكية غير الضرورية أظهرت أنها ليست ذات كفاءة إلى حد الآن للحد من الإنفاق غير المبرر.

ونسبت وكالة الأنباء التونسية الرسمية إلى حسن قوله الاثنين، إن “تقليص العجز التجاري يستوجب إصلاح قطاع الطاقة.” وأشار إلى أن عجز الطاقة يمثل أكثر من 50 في المئة من إجمالي العجز التجاري.

محسن حسن: تقليص العجز التجاري يستوجب إصلاح قطاع الطاقة
محسن حسن: تقليص العجز التجاري يستوجب إصلاح قطاع الطاقة

وتظهر بيانات المعهد الوطني للإحصاء أن الواردات ارتفعت خلال أول شهرين من العام الحالي بنسبة 10 في المئة على أساس سنوي مقابل تراجع الصادرات. كما زادت الواردات من السوق الأوروبية بنسبة 16 في المئة ومن الصين بنسبة 70.9 في المئة.

ولم يخف وزير التجارة الأسبق فترة حكومة الحبيب الصيد قلقه من أن “الوضع خطير” ويتطلب تحفيز الشركات الأجنبية للعودة إلى الاستثمار في قطاع الطاقة المحلي.

وقال إنه يجب “تعزيز الطاقة المتجددة بهدف الوصول إلى 35 في المئة من إجمالي الناتج الإجمالي من الطاقة مع تحسين كفاء المباني والمنشآت وترشيد استهلاك الطاقة التقليدية.”

وعززت تونس من رهاناتها بشأن الخطط المتعلقة بتقليص عجز الطاقة بعد أن دخلت الاتفاقية الموقعة مع عملاق النفط الإيطالي، شركة إيني، حيز النفاذ في سبتمبر 2019، لمدها بالغاز الطبيعي، الذي تنقله من الجزائر وذلك لمدة 10 سنوات.

وبموجب الاتفاقية تحصل تونس كذلك على قرابة 176 مليون دولار سنويا من إيني مقابل نقل الغاز من الأنبوب، الذي يعبر حدودها من أجل تغذية محطات إنتاج الكهرباء، خاصة في ظل بطء خطط مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح.

لكن الوضع تفاقم مع الأزمة الصحية قبل خمس سنوات ثم تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية قبل ثلاث سنوات، والتي رفعت أسعار النفط والغاز والوقود والكهرباء إلى مستويات غير مسبوقة، مما أثر بشكل ملحوظ على التوازنات المالية للدولة، الهشة أساسا.

وخلال العقد الماضي، شكل بند الطاقة في الموازنة السنوية صداعا مزمنا للدولة، حيث تظهر البيانات أن تكاليف استيراد النفط والغاز تلتهم أكثر من 2.1 مليار دولار من مخصصات الإنفاق.

ويؤكد حسن أن الاقتصاد التونسي يعتمد بشكل أساسي على الواردات ما يجعل تخفيضها أمرا صعبا، لكنه أشار إلى إمكانية الحد من بعض المواد الاستهلاكية غير الضرورية.

ويرى أن أحد الحلول الممكنة يكمن في دعم قطاع التصدير بدلا من فرض قيود على الواردات، مشيرا إلى أهمية جذب الاستثمارات الخارجية لتعزيز ميزان المدفوعات.

وتعمل الحكومة من خلال سياسة تقشفية بسبب الأزمة المالية منذ ثلاث سنوات على تقليص الإنفاق على المشتريات من الخارج مع تقليل الضغط على احتياطي البنك المركزي من العملة الصعبة.

10

في المئة نسبة زيادة الواردات، بما فيها الطاقة، خلال أول شهرين من 2025 بمقارنة سنوية

وتشير بيانات المركزي إلى أن الاحتياطي النقدي يبلغ حاليا قرابة 23.2 مليار دولار (7.47 مليار دولار)، أي أنه تراجع بمقدار 9.1 في المئة قياسا بما كان عليه قبل عام.

ويشدد حسن على ضرورة وضع إستراتيجية وطنية لدعم التصدير من خلال إعادة النظر في السياسات القطاعية، مع ضبط سياسة الأسعار والتعامل مع تحديات المناخ وندر المياه عبر منظومات ري متطورة.

كما تطرق إلى أهمية تحسين إدارة المنظومة الزراعية عبر تشكيل لجنة تحت إشراف الرئيس قيس سعيد أو رئيس الحكومة كمال المدوري لدراسة الطلبات في هذا الغرض.

ووفق بيانات معهد الإحصاء تراجعت الصادرات التونسية بنسبة 4.4 في المئة بين يناير وفبراير الماضيين، مما أدى إلى ارتفاع العجز التجاري إلى 3.51 مليار دينار (1.13 مليار دولار) بزيادة قدرها 98 في المئة على أساس سنوي.

وعزا حسن هذا الانحسار إلى تراجع إنتاج الطاقة المحلي بنسبة 5.1 في المئة نتيجة تقلص عمليات الاستكشاف والتنقيب في قطاعي النفط والغاز.

وعلاوة على ذلك، انخفضت صادرات الصناعات الغذائية بنسبة 16.5 في المئة خاصة زيت الزيتون بتراجع من 1.32 مليار دينار (430 مليون دولار) إلى 107.6 مليون دينار (34.66 مليون دولار) بسبب هبوط الأسعار العالمية وضعف إستراتيجيات التسويق الوطنية.

كما انخفضت الصادرات في الصناعات الميكانيكية والكهربائية إلى أوروبا، الشريك التجاري الأول لتونس، إلى جانب تراجع صادرات النسيج نتيجة تراجع الطلب من السوق نفسه.

في المقابل ارتفعت واردات مواد التجهيز بنسبة 12.5 في المئة والمواد المصنعة بنسبة 11.9 في المئة، ما اعتبره حسن مؤشرا على انتعاش الطلب المحلي، وعودة النشاط الاقتصادي تدريجيا.

ووفق حسن، يعود تراجع الصادرات إلى أسواق أوروبا إلى الأزمة الاقتصادية داخل الاتحاد الأوروبي التي تفاقمت بفعل التوترات التجارية التي أطلق شرارتها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وزيادة الإنفاق العسكري.

ومن أجل تخطي هذه المشاكل، يعتقد الخبير أن الحكومة أمام حتمية التركيز على أسواق إقليمية بديلة، مستشهدا بالصادرات التونسية إلى ليبيا والتي ارتفعت بنسبة 51.6 في المئة.

كما شدد على أهمية إطلاق خطوط بحرية جديدة عبر ميناء جرجيس في ولاية (محافظة) مدنين جنوب البلاد، وميناء صفاقس لتعزيز التبادل التجاري مع دول أفريقيا جنوب الصحراء وتنويع الأسواق الخارجية لتونس.

11