تضارب المواقف الأميركية والفرنسية يعيد إلى الواجهة التنافس على النفوذ في تونس

الرئيس الفرنسي يسعى من خلال اتصاله بالرئيس التونسي ودعم الاستفتاء إلى الاستثمار في الأزمة بين تونس وواشنطن خدمة لمصالح بلاده ونفوذها.
الجمعة 2022/08/12
فرنسا دعمت إجراءات قيس سعيد رغم بعض التحفظات

تونس- أثارت تصريحات وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن المنتقدة للوضع السياسي في تونس بالتزامن مع المكالمة التي جمعت الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالرئيس قيس سعيد، جدلا واسعا بشأن تحول تونس إلى واجهة للتنافس بين البلدين الغربيين.

وكان وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن قال خلال حفل للقيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا انتُظم بمقر القيادة في ألمانيا، إن حلم تونس بحكومة مستقلة أصبح في خطر.

ووجّه أوستن نقدا لاذعا للتطورات السياسية في تونس متحدثا عن عودة الاستبداد إلى البلد الذي شهد انطلاق المسار الديمقراطي بعد ثورة 2011 ضد الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.

وقال أوستن “يمكننا أن نشعر بتلك الرياح المعاكسة في تونس التي ألهم شعبها العالم بمطالبته بالديمقراطية”.

◙ عثمان الجرندي استدعى القائم بالأعمال بالنيابة في السفارة الأميركية وهو ما يشير إلى التدهور الكبير وغير المسبوق في العلاقات

وفي المقابل عبّر وزير الدفاع الأميركي عن نوايا واشنطن دعم القوى الديمقراطية في تونس في إشارة إلى قوى المعارضة، قائلا “الولايات المتحدة ملتزمة بدعم أصدقائنا في تونس، وفي أي مكان في أفريقيا، الذين يحاولون إقامة نظم ديمقراطية منفتحة تخضع للمحاسبة ولا تستثني أحدا”.

وتأتي هذه التصريحات بالتزامن مع مكالمة جمعت الرئيس الفرنسي ونظيره التونسي قيس سعيد حيث وصف ماكرون الاستفتاء على الدستور بأنه “مرحلة مهمة” ودعا نظيره قيس سعيد للعمل من أجل “حوار تشارك فيه جميع الأطراف”.

وأعلنت الرئاسة الفرنسية في ختام محادثة هاتفية بين الرئيسين أن “رئيس الجمهورية ذكر أن إجراء الاستفتاء على مشروع الدستور في 25 يوليو خطوة مهمة في عملية الانتقال السياسي الجارية”.

وأضافت الرئاسة أن ماكرون “أكد على ضرورة استكمال الإصلاحات الجارية في المؤسسات في إطار حوار شامل مع احترام سيادة تونس”، وهو ما فهم على أنه دعم قوي للرئيس سعيد في مواجهة الانتقادات الأميركية.

وتاريخيا تعتبر تونس جزءا من المجال الحيوي والجيوسياسي لباريس لكنها ترتبط بعلاقات وثيقة مع واشنطن تدعمت منذ زيارة الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة إلى واشنطن في 1961 ولقاء الرئيس الأميركي الأسبق جون كينيدي وما تبعه من حصول تونس على دعم اقتصادي كبير مقابل عدم الانخراط في المعسكر الشرقي بقيادة الاتحاد السوفييتي.

وفي المقابل تدهورت العلاقات الأميركية – التونسية في آخر عهد الرئيس الراحل زين العابدين بن علي حيث تواترت انباء حينئذ بشان رفض بن علي التدخل الأميركي في الشؤون الداخلية لتونس بذريعة دعم الديمقراطية وحقوق الإنسان.

وبعد الثورة أظهرت واشنطن دعما كبيرا لحركة النهضة الإسلامية في خضم توجهها لدعم أحزاب الإسلام السياسي في المنطقة بعد ثورات الربيع العربي وهو دعم تنظر إليه فرنسا بكثير من الحذر.

وفي المقابل دعمت باريس القوى الحداثية والعلمانية في تونس في مواجهة حركة النهضة وذلك خوفا من حركات الإسلام السياسي.

لويد أوستن: الولايات المتحدة ملتزمة بدعم أصدقائنا في تونس، وفي أي مكان في أفريقيا

ومثلت الإجراءات الاستثنائية التي اتخذها الرئيس سعيد في 25 يوليو 2021 بدعم شعبي لإنهاء منظومة حكم الإسلاميين وهيمنتهم على المشهد ضربة موجعة لواشنطن التي انتقدت الأوضاع بذريعة مخاوفها من استهداف النظام الديمقراطي. وبعد نجاح الاستفتاء في 25 يوليو الماضي تصاعدت الانتقادات الأميركية حيث عبّر كل من وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن والسفير الأميركي المقترح في تونس جوي هود عن قلقهما بشأن احترام الديمقراطية والتعددية في تونس.

وبعد ذلك استدعى وزير الخارجية عثمان الجرندي القائمة بالأعمال بالنيابة في السفارة، وهو ما يشير إلى التدهور الكبير وغير المسبوق في العلاقات في حين طالبت العديد من القوى السياسية في البلد بضرورة وقف التدخلات الأجنبية في شؤون تونس.

ورغم الانتقادات التي توجهها القوى المؤيدة للرئيس بأن واشنطن تسعى لدعم الإسلام السياسي من وراء نقد الأوضاع في تونس، لكنّ المسؤولين الأميركيين يرفضون هذه التهم ويؤكدون أنهم يسعون لدعم النظام الديمقراطي وعدم العودة إلى نهج الاستبداد.

ويبدو أن فرنسا من خلال مواقف الرئيس ماكرون واتصاله بالرئيس سعيد ودعم الاستفتاء تسعى للاستثمار في الأزمة بين تونس وواشنطن خدمة لمصالحها ونفوذها التي تأثر خلال فترة هيمنة الإسلام السياسي بقيادة حركة النهضة.

والانتقادات التي تعرضت لها فرنسا من قبل قيادات وقواعد التيار الإسلامي دليل على الدور الذي باتت تلعبه باريس في دعم الرئيس سعيد والمنظومة الجديدة.

ولا شك أن الاهتمام المتزايد لتونس من طرف واشنطن وباريس يعود إلى تطورات المشهد الليبي خاصة في العاصمة طرابلس، فكل من الولايات المتحدة وفرنسا تعتبران أن تونس بوابة للاطلاع على الأوضاع في غرب ليبيا.

و تحتاج تونس إلى الدعم الأميركي للحصول على تمويل من صندوق النقد الدولي وتدهور العلاقات بين البلدين لن يكون في صالح الجهود التي تقوم بها رئيسة الحكومة نجلاء بودن لإصلاح الوضع الاقتصادي والحصول على تمويل. كما تعول تونس على الدعم الأميركي في مواجهة الإرهاب من خلال التسليح والتعاون الاستخباراتي الوثيق.

4