تضاؤل الآمال بقدرة الاقتصاد السوداني على النجاة من ورطة الحرب

يجمع الخبراء على أن فرص نجاة الاقتصاد السوداني من أزماته مع دخول الحرب عامها الثاني، تتضاءل بشكل كبير، مع تسرب المؤشرات السلبية إلى كافة المجالات، وهذا يفاقم متاعب الناس والأعمال، ويجعل الدولة في ورطة متعددة الأبعاد دون أفق لحلها.
الخرطوم - أحالت الحرب المندلعة في السودان منذ أكثر من عام، البلاد، إلى حالة من الأزمات في كل مناحي الحياة، إنسانيا واقتصاديا واجتماعيا، الأمر الذي يثير المخاوف من تعمق التداعيات إذا لم يتم التوصل إلى اتفاق ينهي هذه المحنة.
وتركت الحرب أثارا مدمرة على الاقتصاد بشكل عام قد تمتد لسنوات مقبلة، خاصة وأنه ظل لسنوات يحاول أن يتعافى من عقبات مزمنة لازمته، وسط سعي الحكومات المتلاحقة لتحقيق استقرار اقتصادي من خلال استغلال الموارد الطبيعية.
إلا أن القتال المستمر بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع تسبب في نكسة كبيرة لكل القطاعات الإنتاجية والصناعية والزراعية. ويقدر الخبراء أن الاقتصاد تكبد خسائر بأكثر من 100 مليار دولار مع إكمال سنة منذ اندلاع الأزمة.
وتسببت الحرب في تعثر الصادرات، وتبع ذلك انهيار العملة المحلية أمام العملات الأجنبية بشكل متسارع ووصلت إلى أرقام قياسية متدنية عند 1800 جنيه مقابل الدولار، والذي كان قبل الحرب 560 جنيها مقابل الدولار.
وفي أبريل الماضي، توقع صندوق النقد الدولي انكماش الاقتصاد السوداني بنسبة 18.3 في المئة بسبب الحرب، التي دمرت القاعدة الصناعية وأوقفت النشاط الاقتصادي، بما في ذلك الخدمات التجارية والمالية.
وتزايدت الدعوات الأممية والدولية إلى تجنيب السودان كارثة إنسانية قد تدفع الملايين إلى المجاعة والموت، جراء نقص الغذاء بسبب القتال الذي امتد إلى 12 ولاية (محافظة) بالبلاد من أصل 18.
وذكر وزير التجارة الفاتح يوسف، السبت الماضي، أن عجز الميزان التجاري، وهو الفرق بين قيمة الصادرات والواردات، في الفترة بين يناير ومارس الماضيين، بلغ 4.8 مليارات دولار.
وقال الوزير في تصريحات صحفية، أن “الصادرات في الربع الأول من 2024 بلغت 3.8 مليارات دولار فيما بلغت الواردات 8.6 مليارات دولار”.
وكان العجز التجاري في العام 2022 بأكمله قد بلغ 6.7 مليارات دولار، ليرتفع في العام التالي إلى حوالي 7 مليارات دولار.
وكشف يوسف أن حوالي 85 في المئة من المصانع أصحبت مدمرة بفعل الأزمة الراهنة، مما دفع وزارة التجارة والتموين إلى استيراد السلع لسد الفجوة خاصة السكر والشاي واللبن والدقيق.
ودمرت الحرب المستمرة منذ أكثر من عام، المناطق الصناعية والأسواق وسبل العيش في العاصمة الخرطوم ومدن كثيرة بالبلاد، ودفعت ملايين السودانيين إلى الفقر بعد تعطل أعمالهم وتجارتهم.
وقال وزير المعادن محمد عبدالله، إن “الحرب أثرت سلبا على الوزارة، حيث فقدت مقراتها بالخرطوم وخرجت من الخدمة في ولايات (محافظات) كردفان ودارفور مع فقدان شبه كامل للأصول والمعلومات الفنية منذ 1905 حتى تاريخ اندلاع الحرب”.
وأضاف في تصريحات، الأحد الماضي: “فقدت الوزارة إيرادات هذه الولايات وتحتاج إلى مجهود وأموال لإعادة إعمار المقرات واستعادة جزء من المعلومات، وتقدر التكلفة الكلية الأولية بأربعة مليارات دولار”.
100
مليار دولار خسائر الاقتصاد بعد عام من اندلاع الحرب المستمرة منذ منتصف أبريل 2023
وساهمت وزارة المعادن بأكثر من 60 في المئة من جملة صادرات البلاد للربع الأول من العام الحالي، وتجاوزت عائدات صادرات الذهب والمعادن الأخرى 600 مليون دولار منذ مطلع 2024، حتى منتصف مايو الجاري.
وكغيرها من القطاعات، تعطلت صناعة النفط جراء المعارك الدائرة بين الطرفين في مناطق إنتاج النفط في ولايتي (محافظتي) غرب وجنوب وكردفان، وكذلك حول مصفاة الجيلي شمالي الخرطوم التي أصابها الدمار.
وعانى قطاع النفط خلال السنوات الماضية من عدة عقبات، أبرزها ضعف الاستثمارات، والأوضاع الأمنية التي تحيط بمواقع الإنتاج، بحسب الخبراء.
وتراجع إنتاج السودان من النفط، بعد انفصال جنوب السودان في العام 2011، من نحو 450 ألف برميل يوميا إلى حوالي 60 ألف برميل يوميا، ما دفع البلد إلى استيراد أكثر من 60 في المئة من احتياجاته النفطية.
ورأى الخبير الاقتصادي هيثم فتحي في تصريح لوكالة الأناضول أن الحكومة لم تعتمد على خطة اقتصادية واضحة منذ بداية الحرب.
وقال “المهم أن يحدث توازن بين اقتصاد التنمية للمناطق الآمنة واقتصاد الحرب في المناطق غير المستقرة، وكذلك ضرورة الإنفاق على التسليح وتوفير احتياجات الجيش السوداني رغم أن هذا يشكل صعوبات على ميزان المدفوعات وموارد النقد الأجنبي”.
وذكر أن هناك أزمات ظهرت مع الحرب وتراكمت مع استمرارها، حيث ارتفعت نسبة البطالة، ودمرت البنية التحتية وتعثر التصنيع، وتوقفت المصانع عن الإنتاج، وتراجعت مقدرات الاستثمار إلى مستوى كبير.
ووفقا لإحصاءات صندوق النقد الدولي، فإن معدل البطالة سيرتفع من 32.1 في المئة بنهاية 2022 ليصل إلى 47.2 في المئة خلال هذا العام.
ويؤكد فتحي أن موارد النقد الأجنبي التي يعتمد عليها السودان، توقفت تماما، ما أدى إلى ارتفاع قيمة العملات الأجنبية وانهيار الجنيه، وارتفاع أسعار المواد التموينية الأساسية، وانعدمت موارد أخرى للنقد الأجنبي
وأبرز هذه الموارد، عبور الطيران فوق الأراضي السودانية وموارد السياحة على قلتها وموارد بعض الصادرات التي تأتي من مناطق الإنتاج في كردفان ودارفور.
ويرى الخبير الاقتصادي محمد الناير، أن إنقاذ الاقتصاد السوداني يحتاج إلى خطط للمرحلة المقبلة، “وعلى رأس ذلك تشكيل حكومة كفاءات مستقلة تدير المرحلة المقبلة، حتى تستطيع وضع خطط إستراتيجية تدير البلاد”.
وقال “يجب أن تكون في هذه الحكومة وزارتان إحداهما وزارة المالية وتعني بالخزانة وموازنة الدولة، وأخرى وزارة مالية وتخطيط اقتصادي وتعنى بوضع خطط قصيرة ومتوسطة وطويلة الأمد”.
وشدد على أن هناك سياسات كثيرة أساسية يجب تتخذ الآن، وعلى رأسها القرارات المتعلقة بالتعامل مع انخفاض العملة، الذي يمثل أكبر تحدٍ يواجه الاقتصاد.
وانعكس انهيار قيمة العملة على مجمل الأوضاع الاقتصادية في البلاد، وعلى معدل التضخم وارتفاع المستوى العام للأسعار، وكذلك في تآكل الاحتياطي النقدي.
ولفت الناير إلى أن الكتلة النقدية الكبيرة الآن خارج النظام المصرفي، “وعلى الدولة أن تعالج ذلك بأن تلغى فئات كبيرة مثل فئة الألف جنيه”.