تصفية شركات حكومية بمصر تسير بلا معارضة عمالية أو سياسية

القاهرة - تمضي الحكومة المصرية في خطتها الساعية لتصفية وبيع عدد كبير من الشركات والمصانع التابعة لها، وتقول إنها تتعرض لخسائر فادحة، وهو الخطاب الذي رددته عند إقدامها على إغلاق مصنع الحديد والصلب العام الماضي.
وجاء الدور على شركة النصر لصناعة الكوك، كأقدم الشركات في مصر والمنطقة دون معارضة من جانب العمال الذين استسلموا لقرارات التصفية، والأحزاب السياسية والنقابات العمالية التي لعبت دورا في إرجاء خطوة الإغلاق سابقا.
وأعلن وزير قطاع الأعمال العام هشام توفيق الأحد تصفية شركة النصر قريبا بعد أن أضحى عملها غير مُجد، معتبرا "أن الحل الوحيد للإبقاء عليها يتمثل في استيراد الفحم الخام من كندا قبل أن تحوله إلى الفحم الكوك، ثم تعيد تصديره إلى الخارج، وهذه الآلية في العمل غير منطقية، فلها تكاليف باهظة لن تغطيها الأرباح الناتجة عنها إذا تحققت أرباحا من الأساس".

وتعد الشركة التي يمتد تاريخها لنحو ستين عاما وتحتوي على أربعة مصانع للكوك والأقسام الكيمياوية وتقطير القطران ومصنع النترات هي ثالث شركة تتم تصفيتها أخيرا، بدءا من القومية للأسمنت عام 2017، وشركة الحديد والصلب العام الماضي، ومن المتوقع أن تلحق بها شركات أخرى خاسرة.
وبمقتضى خطة دمج وتصفية الشركات الحكومية تقلص عددها إلى 66 شركة بعد أن بلغ 121 شركة عقب الانتهاء من عملية دمج شركات مختلفة بجانب قرارات التصفية.
وتبرر الحكومة قراراتها بتنفيذ خطة مدروسة تضمن تطوير الشركات والمصانع التابعة لها بعد أن بلغت قيمة خسائر 48 شركة خاسرة حوالي 425 مليون دولار.
ويقول مراقبون إن قدرة الحكومة على تصفية شركة الحديد والصلب التي تشكل رمزا للتوجهات السياسية خلال حقبتي الخمسينات والستينات من القرن الماضي تتم بلا ضجيج، وشجعها تقبل العاملين فيها للقرار على اتخاذ قرار مماثل بشأن إحدى أبرز شركاتها بعد أقل من عام، وبدت واثقة أن قراراتها ستمر لا إزعاجات شعبية أو أمنية تجعلها تفكر قبل اتخاذ المزيد من خطوات البيع والتصفية.
ولم تصدر عن الأحزاب أو القوى النقابية الفاعلة ردود أفعال مباشرة بعد تصريحات وزير قطاع الأعمال الخاص بتصفية شركة النصر لصناعة الكوك. واكتفى البرلمان ببيان عاجل لرئيس الوزراء قدمه النائب مصطفى بكري هاجم فيه وزير القوى العاملة واتهمه بـ”تدمير الدولة وهيئاتها الحكومية”.
وتقدم بكري في جلسة البرلمان العامة الاثنين بطلب إحاطة بشأن شركة الكوك، تمت مناقشته وطلب استدعاء رئيس الشركة إلا أن الحكومة لم تستجب لمجلس النواب.
وواجه وزير قطاع الأعمال توفيق اتهامات بـ”الكذب على الرأي العام والسعي لتخريب القطاع العام”، خاصة أنه أصبح رأس الحربة والمشرف على عملية التصفية.
وتعرض الوزير لانتقادات من جانب العضو بكري مفادها أنه لا يستند إلى "أي شرعية قانونية أو دستورية"، والذي تساءل "من يسمح لوزير بهذا الشكل أن يكون موجودا، وأنه يدفع العمال للثورة ضد البلد الذي تحتاج فيه إلى الظهير الشعبي”.

ودرج البعض من نواب البرلمان على توجيه انتقادات للحكومة وبعض الوزراء فيها من دون قدرة على استخدام الأدوات الرقابية وتفعيلها بشكل يضمن التراجع عن القرارات أو محاسبة المسؤولين، وتظل رؤية النواب معبرة عن معارضة شكلية تأتي من نواب قريبين من الحكومة، ما يجعل الرأي العام غير مقتنع بحججهم.
وأكد الأمين العام لحزب المحافظين (معارض) طلعت خليل أن غياب المعلومات حول أوضاع الشركات التي تقول الحكومة إنها خاسرة يجعل هناك قيودا على تحركات الأحزاب لمراجعتها بشأن قراراتها، وأن السياسيين في مصر لا يستطيعون الحصول على التفاصيل التي قادت لاتخاذ قرار التصفية، ما يعد سببا لخفوت صوت المعارضة.
وقال في تصريح لـ"العرب" إنه في حال ثبت وجود خسائر لتلك الشركات واستحالة تحسين أوضاعها لن نعارض خطوة الإغلاق لكن الواقع يشير إلى أن الحكومة تلجأ إلى القرار الأسهل ولا تتجاوب مع مطالب تيارات سياسية عدة بالنقاش معها أولا وإجراء ما يشبه الحوار بمشاركة عدد من المتخصصين للتوافق على القرار النهائي.
وذكر أن هناك أجواء تدفع الحكومة نحو الاستسهال في قرارات التصفية والبيع لتعويض عجز الموازنة العامة للدولة بدلا من توظيفها في بناء شركات متطورة ومشاريع أخرى تتماشى مع احتياجات السوق، لافتا إلى أن حزبه صاحب التوجه الليبرالي ويؤمن باقتصاديات السوق الحر، لكن هذا لا يُعنى باتخاذ قرار بتصفية ممتلكات الدولة بصورة غير مدروسة.
وتتبنى الحكومة المصرية خطة لبيع حصص في أصولها ستطرحها لمستثمري القطاع الخاص ضمن خطة لانسحابها من قطاعات اقتصادية محددة، وفي وقت تسعى فيه لجذب استثمارات بقيمة 40 مليار دولار على مدى السنوات الأربع المقبلة.
وتمضي الخطط الاقتصادية دون اهتمام أو التفات من جانب المعارضة التي تركز على قضية الحريات العامة والإفراج عن المحبوسين وتقديم رؤى يمكن أن تعيد صياغة علاقتها مع المواطنين الذين عزفوا عن مساندتها في ملف الحوار الوطني.
وذكر أمين الشؤون السياسية بالحزب العربي الناصري (يساري معارض) محمد سيد أحمد أن المعارضة صامتة لأن العمال والمواطنين يخشون تطبيق قوانين التظاهر والتجمهر عليهم، والمعارضة الحزبية مستأنسة وخرج جميعها من عباءة الحكومة، والوضع بالنسبة إلى أعضاء البرلمان شكلي ولا يعني انتقاد أحدهم أو بعضهم أنه يمثل معارضة حقيقية.
ولفت في تصريح لـ”العرب” إلى أن الشارع يعي خطورة ما تقوم عليه الحكومة وهناك حالة غضب كامن في نفوس الناس، وعدم اتخاذ مواقف تعبر عن ذلك لا يعني الرضاء التام، وهناك قناعة بأن المعارضة لن تكون مؤثرة، على الرغم من أن هناك شرائح متعددة تتضرر من قرارات التصفية.
وتواجه الأحزاب المصرية انتقادات من دوائر عديدة بعدم تقديمها رؤية اقتصادية تفيد الرأي العام وتكون بديلة للخطط الرسمية المتعاقبة.
وتسبب غياب الكوادر ذات الثقل الاقتصادي عن المشاركة الحزبية الفاعلة واقتصار الأمر على عدد من السياسيين، وتفتت القوى صاحبة التوجهات الاشتراكية أو الليبرالية إلى حد تقديم بعض الأحزاب برامج تتعارض مع توجهاتها الرئيسية، في أن تصبح الحكومة صاحبة الرأي الأوحد في ما يتعلق بالسياسات الاقتصادية.
وتعرضت النقابات العمالية التي تشكل حائط صد رئيسيا أمام إجراءات الحكومة مع قطاع الأعمال العام للمزيد من الضعف سواء أكان ذلك لغياب دورها السياسي وممارساتها في الفضاء العام أو لإزاحة القيادات المؤثرة التي لديها قدرة على الحشد، أو لأسباب تتعلق بقدرة الحكومة على تبني سياسة النفس الطويل عبر التأكيد على خسارة شركات قطاع الأعمال.