تصفية القيادات الجهادية في مالي نصر لا يغيّر المعطيات الأمنية

فرنسا تعلن تحييد القائد العسكري لجماعة نصرة الإسلام والمسلمين.
السبت 2020/11/14
استراتيجية حربية فرنسية متعثرة

تمكنت فرنسا من السيطرة على عملية للجهاديين في شرق مالي عام 2013، لكنها تبدو غير قادرة على منع النزاع من التمدد. ورغم تكثيف الفرنسيين لعملياتهم المضادة، فإن “النجاحات” العسكرية ليست بالقدر الكافي.

باريس – أعلنت فرنسا الجمعة أن قوة برخان قامت في مالي بتحييد قيادي عملياتي جهادي من الصف الأول مرتبط بتنظيم القاعدة ورد اسمه في السنوات الأخيرة في العديد من الهجمات في المنطقة، إلا أن المعركة ضد الجهاديين في مالي لا تزال طويلة ومعقدة مع تكبد الجيش الفرنسي المتعثر لخسائر كبيرة.

ويرى متابعون لأنشطة الجماعات الجهادية في مالي ومنطقة الساحل الأفريقي أن تحييد القيادات الجهادية في المنطقة يبقى نصرا معنويا بالأساس ولا يغيّر المعطيات الأمنية على الأرض.

ويقول النائب الفرنسي توماس غاسيلو “بعد سبع سنوات، على الرغم من نجاحاتنا الاستراتيجية الكبيرة، فإن الوضع لا يتطور ميدانيا. نشهد حصيلة ثقيلة، وثقيلة للغاية”.

وأشادت وزيرة الجيوش الفرنسية فلورانس بارلي في بيان بالعملية التي تطلبت “وسائل استخباراتية كبيرة وقوة اعتراض مكونة من مروحيات وقوات برية” شنت هجوما على با أغ موسى القائد العسكري لـجماعة نصرة الإسلام والمسلمين وأحد الكوادر التاريخيين للتيار الجهادي في منطقة الساحل.

وأوضح البيان أن با أغ موسى “يعتبر مسؤولا عن هجمات عدة ضد القوات المالية والدولية وكان يعد من القادة العسكريين الجهاديين الرئيسيين في مالي مكلف خصوصا بتأهيل مجندين جدد”.

وصرح المتحدث باسم هيئة الأركان الفرنسية الكولونيل فريديريك باربري بأن الجنود حاولوا اعتراض سيارة البيك – آب التي كان يستقلها الجهادي مع أربعة أشخاص آخرين لم تعرف هوياتهم على بعد حوالي مئة كيلومتر من ميناكا (شمال شرق مالي).

وأضاف أن “الركاب المدججين بالسلاح فتحوا النار فجأة من رشاشات وأسلحة فردية”، ما استدعى الرد، موضحا أن المواجهة استمرت قرابة 15 دقيقة وقُتل خلالها الرجال الخمسة.

وكان الجيش الفرنسي قتل في يونيو في عملية في مالي زعيم تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي عبدالمالك دروكدال.

وشكل ذلك انتصارا كبيرا إذ إن هذا الجزائري كان في قلب حركة الجهاد في الساحل لأكثر من عشرين عاما. لكنه بقي بعيدا عن الميدان ولم يغير مقتله المعطيات الأمنية.

الخيار العسكري يبقى مفضلا لدى فرنسا رغم الدعوات إلى فتح قنوات حوار مع الجهاديين في منطقة الساحل

ويبدو أن مقتل با أغ موسى أكثر أهمية. وكان يُعرف بلقب “باموسى” وهو ضابط سابق في الجيش المالي ومن مؤسسي جماعة أنصار الدين الجهادية.

وكان الرجل الذي ينتمي إلى الطوارق وتعتبره الأمم المتحدة وواشنطن إرهابيا، شخصية أساسية في حركات التمرد التي قام بها الطوارق في تسعينات القرن الماضي والعقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

وقد التحق بالجيش من جديد في 1996 ثم في 2006، لكنه انشق في المرتين، الأولى لينضم إلى التمرد والثانية إلى التيار الجهادي في 2012.

وقال المركز الفكري “مشروع مكافحة التطرف” إن باموسى كان منذ 2017 “قائد عمليات” جماعة نصرة الإسلام والمسلمين بقيادة زعيم الطوارق المالي إياد أغ غالي. ومنذ ذلك الحين صار التنظيم من القوى الجهادية الكبرى في منطقة الساحل إلى جانب عدوه تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى.

ويشكل التنظيمان اللذان يتقاتلان في ما بينهما، منذ أشهر هدفا لقوة برخان (أكثر من خمسة آلاف جندي) وحلفائها الإقليميين.

ويُعتقد أن با أغ موسى هو المسؤول عن هجمات كبيرة ضد القوات المالية بما في ذلك هجوم في يوليو 2016 وآخر في مارس 2019 أسفر كل منهما عن مقتل أكثر من عشرين شخصا. وقد ورد اسمه مرات عدة في هجمات خلال 2020.

لكنه كان يتمتع في الوقت نفسه بشعبية هائلة بين الطوارق تتجاوز إلى حد كبير انتماءه إلى جماعة نصرة الإسلام والمسلمين.

وأوضحت فردوس بوهليل الباحثة المشاركة في جامعة تور في فرنسا والخبيرة في الوساطة أن مجتمعات الطوارق “تنظر إلى با أغ موسى على أنه جهادي أقل مما تعتبره زعيما تاريخيا لاحتجاج الطوارق”.

وفي أوائل عام 2020، اعترف الرئيس المالي المعزول إبراهيم أبوبكر كيتا برغبته في الحوار مع جماعات جهادية وأرسل مبعوثين إلى اثنين من قادتها الرئيسيين، آغ غالي والداعية الفولاني أمادو كوفا. ومنذ ذلك الحين أطاح مجلس عسكري بكيتا في أغسطس.

وخلال زيارة قام بها وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان إلى باماكو في نهاية أكتوبر، دافع رئيس الوزراء المالي الانتقالي مختار عوان عن “ضرورة عرض حوار مع الجماعات المسلحة” الجهادية في إطار “الحوار الوطني الشامل” وهي المشاورات الوطنية الواسعة التي جرت في نهاية 2019. لكن باريس لا تغير خطها العسكري.

وقالت وزيرة الجيوش الفرنسية “لا يمكننا التحاور مع الجماعات الجهادية التي لم تتخل عن القتال الإرهابي”. وأضافت “إنها مسؤولية السلطات المالية وليست مسؤوليتنا، لكن التواصل مهم”.

وتؤكد هذه الضربة الأخيرة أن الخيار العسكري يبقى مفضلا لدى فرنسا التي أعلنت في الأيام الأخيرة عن عمليات منفصلة ضد جماعة نصرة الإسلام والمسلمين، وتنظيم الدولة الإسلامية وأعلنت “تحييد” نحو مئة جهادي.

5