تصعيد طهران لن يجبر قيادة كردستان العراق على التخلي عن المعارضة الكردية الإيرانية وسيفاقم حالة اللااستقرار

تستخدم طهران دبلوماسية الصواريخ في حض قيادة كردستان العراق على التخلي عن المعارضة الإيرانية الكردية، لكن هذا النهج التصعيدي لن يقود، وفق الحزبين الكرديين الرئيسيين في الإقليم الواقع شمال العراق، إلى أي حل، بل إنه سيفاقم حالة اللااستقرار.
أربيل (لعراق) - تشكك أوساط سياسية كردية في أن تسفر الضغوط الإيرانية على قيادة إقليم كردستان في شمال العراق عن تخلي الأخيرة عن احتضان ودعم الأحزاب الإيرانية الكردية المعارضة، مشيرة إلى أن الحزبين الرئيسيين في الإقليم ليسا في وارد القيام بهذه الخطوة وأن أقصى ما يمكن اتخاذه هو حض المعارضين للنظام الإيراني على ضبط خطابهم، وهذا يبقى رهين تطورات الأوضاع خلال الفترة المقبلة.
وتلفت الأوساط إلى أن الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي يتزعمه مسعود بارزاني، وشريكه في الحكم الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يقوده بافل طالباني، لا يمكنهما تحمل تبعات القيام بأي خطوة ضد الأحزاب الإيرانية الكردية الموجودة على أراضي الإقليم، حيث أن ذلك سيشكل بالنسبة إليهما “وصمة عار” سياسي أمام الداخل وأيضا أمام المجتمع الدولي.
وتوعد الحرس الثوري الإيراني مساء الخميس بمواصلة هجماته في إقليم كردستان العراق ضد ما يقول إنها مجموعات مسلحة تابعة للمعارضة الكردية الإيرانية التي تصفها طهران بـ”الإرهابية”.
وقتل 13 شخصا على الأقل وجرح نحو خمسين آخرين بينهم نساء وأطفال، في ضربات إيرانية بصواريخ وطائرات مسيرة الأربعاء في كردستان العراق حيث توجد مقار مجموعات معارضة كردية إيرانية تخوض تاريخيا تمردا ضد طهران على الرغم من تراجع أنشطتها في السنوات الأخيرة.

بافل طالباني: لا توجد أي ذريعة لهذه الانتهاكات الحدودية
لكن هذه التنظيمات لا تزال تنتقد بشدّة الوضع في إيران على وسائل التواصل الاجتماعي، عبر مشاركة مقاطع فيديو للتظاهرات التي تشهدها إيران حاليا منذ وفاة الشابة مهسا أميني منتصف سبتمبر بعد توقيفها من قبل شرطة الأخلاق.
وقال الحرس الثوري الإيراني في بيان إنه “شن سلسلة عمليات ضد قواعد ومقرات إرهابية في شمال العراق باستخدام صواريخ من جميع الأنواع وطائرات مسيرة قتالية وطائرات مسيرة انتحارية”.
وأكد أن “هذه العمليات ستستمر حتى نزع سلاح الجماعات الإرهابية”، داعيا الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان إلى “تحمل مسؤولياتهما بالمزيد من الجدية تجاه إيران كجارة”.
واتهم الحرس الثوري المجموعات الكردية المتمركزة في العراق بـ”مهاجمة إيران والتسلل إليها لزعزعة الأمن وإثارة أعمال شغب ونشر اضطرابات”.
ويؤكد الحزب الديمقراطي الكردستاني الحاكم أنه يرفض بشدة أن يكون كردستان العراق ساحة لتصفية الحسابات، متحفظا على الرواية الإيرانية بشأن وجود مسعى لاستهداف الجيران، انطلاقا من أراضي الإقليم الذي يحظى بحكم ذاتي منذ تسعينات القرن الماضي.
ويشدد زعيم الحزب بارزاني على أن الاعتداءات الإيرانية المتكررة على إقليم كردستان لن تحل المشاكل بل تزعزع الاستقرار، لافتا إلى أنه “لا يمكن اللجوء لهذه التصرفات التي لا تنتج سوى الإجرام وحالة من عدم الاستقرار”.
وتبنى الاتحاد الوطني موقف شريكه، حيث رأى طالباني أن “ما حصل تطور خطير ومروع يستهدف عمق إقليم كردستان، وندعو لإيقافه فورا”، مؤكدا عدم وجود أي “ذريعة لهذه الانتهاكات الحدودية وهي تشكل خطرا كبيرا على أمن واستقرار الإقليم والعراق”.
ودعا طالباني إلى عدم “استخدام أراضي إقليم كردستان لحسم المشكلات السياسية والعسكرية وألا يصبح المواطنون ضحية للصراعات”، وطالب الأطراف بـ”ضبط النفس واتخاذ الحوار أساسا لحل المشكلات”.
وعلى خلاف العادة، يسجل انسجام في الموقف بين الحزبين الكرديين من الاعتداءات الإيرانية، ويرى مراقبون أن الاتحاد الوطني الذي سبق أن تجنب التعليق على قصف إيراني سابق، يعتبر أن التزام الصمت مجددا، سيضعه في إحراج شديد مع الداخل الكردي.
وبدأت الكتل النيابية الكردية في العراق حملة جمع تواقيع لعقد جلسة استثنائية لمجلس النواب، لمناقشة القصف الإيراني. ولفت النائب عن كتلة الاتحاد الإسلامي الكردستاني
دارا سيكانياني إلى أن حملة جمع التواقيع بدأت الخميس، مشيرا إلى أن 55 نائبا وقعوا على الطلب، من بينهم نواب عرب.
وقال سيكانياني “هناك إمكانية كبيرة لتقديم الطلب الأسبوع المقبل وعقد الجلسة، في حال كان الوضع في بغداد مناسبا”.
وتنص المادة الثامنة والخمسون من دستور العراق على أنه “لرئيس الجمهورية أو لرئيس مجلس الوزراء أو لرئيس مجلس النواب أو لخمسين عضوا من أعضاء المجلس دعوة مجلس النواب إلى جلسة استثنائية، ويكون الاجتماع مقتصرا على الموضوعات التي أوجبت الدعوة إليه”.
وأثارت الاعتداءات الإيرانية على إقليم كردستان ردود فعل إقليمية ودولية واسعة، ورد عليها المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية ناصر كنعاني الجمعة بالقول إنه “يرفض ويستنكر بشدة” البيانات التي تدين الهجمات بما في ذلك تلك الصادرة عن الولايات المتحدة وألمانيا.
وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس صرح الأربعاء بأن الولايات المتحدة “تدين بشدة الهجمات الوقحة” الإيرانية وحذر من شن المزيد من الضربات.
كما استنكرت ألمانيا “التصعيد” ورفضت “محاولات إرجاع أسباب الاحتجاجات الإيرانية إلى الدولة المجاورة”.
وقال كنعاني “لسوء الحظ الدول التي أصدرت هذه التصريحات ومع إنكار مسؤوليتها الدولية في محاربة الإرهاب تواصل عادتها المؤسفة في التصرف بطريقة انتقائية وتمييزية”.
وحذر من أن إيران “تحتفظ لنفسها بحق الدفاع عن أمنها القومي ضد أعمال العدوان من أي منطقة والتعامل بحزم مع أي عمل إرهابي”.
وأدى قمع التظاهرات التي تشهدها إيران منذ السادس عشر من سبتمبر إلى مقتل العشرات معظمهم من المتظاهرين، وبينهم عدد من أفراد قوات الأمن أيضا. ومنذ ذلك الحين اعتقل أكثر من ألف شخص في جميع أنحاء البلاد.
وأثرت هذه الاحتجاجات وهي الأكبر منذ العام 2019 خصوصا على المجتمعات الكردية في غرب إيران التي تربطها علاقات وثيقة مع المناطق التي يقطنها الأكراد في العراق.