تصعيد شكلي من مصر ضد إثيوبيا عبر نافذة الجامعة العربية

عدم تجاوب إقليمي وعربي مع التحرك المصري.
الخميس 2024/01/18
مصر تستخدم غضب الصومال لمواجهة إثيوبيا

القاهرة – لجأت مصر إلى الجامعة العربية للاحتجاج على نجاح إثيوبيا في الحصول على منفذ على البحر الأحمر من بوابة اتفاقها مع “جمهورية أرض الصومال” في وقت يعتقد فيه مراقبون أن القاهرة لم تتّبع مسار الجامعة العربية، وهي تعرف محدودية دورها، إلا بعد وقوفها على غياب التجاوب الإقليمي والعربي تجاه مطالبها، وخاصة من دول الضفة الشرقية للبحر الأحمر.

وبدا انزعاج القاهرة من تداعيات حصول إثيوبيا على منفذ على البحر الأحمر متفوقا على مخاوفها من قرب انتهاء أديس أبابا من تشييد سد النهضة الذي يؤثر على حصة مصر من مياه النيل.

وظهر خطاب وزير الخارجية المصري سامح شكري الأربعاء، أمام الاجتماع الوزاري غير العادي لجامعة الدول العربية لدعم الصومال، حادا بصورة تؤكد حجم القلق من النتائج السلبية التي تنطوي عليها مذكرة التفاهم بالنسبة إلى مصر.

ودعا شكري إلى احترام سيادة ووحدة أراضي الصومال، محذرا من مغبة ما وصفه بـ”السياسات الأحادية لإثيوبيا المخالفة لقواعد القانون الدولي ومبادئ حسن الجوار”.

قلق مصري شديد من حصول إثيوبيا في البحر الأحمر على قاعدة عسكرية ذات تأثيرات أمنية بعيدة المدى

وندّد الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبوالغيط بالاتفاق بين إثيوبيا وإقليم أرض الصومال ووصفه بأنه “انقلاب صارخ على الثوابت العربية والأفريقية والدولية المستقرة ومخالفة واضحة للقانون الدولي والاتفاقيات الدولية النافذة”.

ورغم أن الحديث عبر الجامعة العربية يبدو شكليا في غالبية القضايا المعروضة عليها، إلا أن شكري حاول توظيف هذا المنبر لتوصيل رسائل إلى إثيوبيا التي تعلم أن هذه الطريقة لن تغير موقفها من المذكرة.

وقد أصدرت الجامعة العربية، سواء على مستوى القمة أو على المستوى الوزاري، عدة بيانات آزرت مصر كثيرا في أزمة سد النهضة ولم تثن أديس أبابا عن عملية البناء وتوليد الكهرباء، ولم توفر غطاء سياسيا محكما للقاهرة.

ويقول متابعون إن هناك قلقا مصريا شديدا من حصول إثيوبيا على قاعدة عسكرية في أرض الصومال قد تكون لها تأثيرات بعيدة على الأمن في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن، وبالتالي قناة السويس، وتمنح أديس أبابا ذراعا تعزز من خلالها مكانتها الإقليمية، ولا تريد القاهرة تكرار تجربة سد النهضة التي اتبعت فيها نهج المفاوضات وصبرت كثيرا على مراوغات إثيوبيا حتى وجدت نفسها أمام أمر واقع لا تستطيع تغييره.

ويضيف المتابعون أن القاهرة تتبنى نهجا دبلوماسيا هجوميا مبكرا هذه المرة، على أمل حشد موقف إقليمي داعم لرؤيتها حول رفض المذكرة، لكنها قد تصطدم بعدم التجاوب معها من ضفتَيْ البحر الأحمر الشرقية والغربية، فلم تتبن أي دولة من دولهما موقفا يعزز تحركات مصر، ما يجعل تصورها منحصرا في الشق الخطابي.

خخ

واللافت أن إثيوبيا لم تتوقف كثيرا عند الضجيج المصري بشأن مذكرة التفاهم، كأنها تعرف مغزاه أو هي ضامنة لوجود قوى إقليمية داعمة لها، ولربما اجتمع السببان في آن واحد، وفي هذه الحالة لن تؤثر التحركات المصرية والاجتماعات العربية في تقديراتها الإستراتيجية.

وأشار سامح شكري خلال اجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب عقد الأربعاء عبر تقنية الفيديو كونفرانس إلى أن بعض الأطراف المتربصة (إثيوبيا) تسعى بسوء نية لإبطاء مسيرة نجاحات حققتها القيادة السياسية في مقديشو لاستنزاف الصومال في دائرة التحديات الأمنية والاقتصادية.

وأشادت جهات دولية بما حدث من تقدم نسبي في الحرب التي تشنها الحكومة المركزية في مقديشو ضد حركة الشباب الصومالية المتطرفة، لكنها لم تحدث حتى الآن تقدما على مستوى الأمن والاستقرار السياسي والتنمية بشكل عام، مقارنة بأرض الصومال التي لم تحصل على اعتراف رسمي بها كدولة مستقلة وحققت قدرا وافرا من الاستقرار في مجالات حيوية مختلفة.

ودخل التصعيد المصري خانة ضيقة من تصفية الحسابات مع إثيوبيا، تقلل من أهمية النشاط الدبلوماسي الواسع الذي تقوم به القاهرة لمحاصرة أديس أبابا.

التصعيد المصري دخل خانة ضيقة من تصفية الحسابات مع إثيوبيا، تقلل من أهمية النشاط الدبلوماسي الواسع الذي تقوم به القاهرة لمحاصرة أديس أبابا

وأجرى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي اتصالا هاتفيا مع نظيره الصومالي حسن شيخ محمود عقب توقيع مذكرة التفاهم أكد فيه مساندته له في رفضها، وتم إرسال وفد مصري رفيع المستوى إلى مقديشو قدم لشيخ محمود دعوة إلى زيارة القاهرة.

كما أن الزيارة المفاجئة التي قام بها سامح شكري إلى إريتريا الأسبوع الماضي، وترك من أجلها لقاء كان مقررا في القاهرة مع وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن لمناقشة مسألة الحرب على غزة، لم تسفر عن نتائج ملموسة توحي بأن أسمرة قد تتضامن مع مصر في تصديها لإجهاض الاتفاق بين إثيوبيا وأرض الصومال.

وقالت الخارجية المصرية في بيان لها الأربعاء إن المذكرة “تثبت صحة وجهة نظر مصر بشأن أثر هذه التحركات والسياسات على استقرار الإقليم وزيادة حدة التوتر في العلاقات بين دوله، حيث باتت إثيوبيا مصدرا لبث الاضطراب في محيطها الإقليمي”.

وأعلنت إثيوبيا توقيع مذكرة تفاهم مع “جمهورية أرض الصومال” تحصل بمقتضاها الأولى على منفذ يصلها بالبحر الأحمر بطول 20 كيلومترا، عبر ميناء بربرة، وتقيم قاعدة عسكرية، وهو ما رفضته حكومة الصومال، ومطروح اليوم على قمة الهيئة الحكومية للتنمية بشرق أفريقيا (إيغاد).

وانطلقت دعوات قبل أيام حثت الشعب الصومالي على حمل السلاح والاستعداد لحرب ضد إثيوبيا، وطالب برلمانيون وسياسيون بعدم قبول أي وساطة أو مهادنة حيالها.

1