تصعيد تركي في شمال العراق يحمل إنذارا للاتحاد الوطني الكردستاني

عزم تركيا على حسم حربها ضدّ حزب العمّال الكردستاني والتجاوب الرسمي العراقي معها، يضع قيادة حزب الاتّحاد الوطني الكردستاني المحتفظة بعلاقات وثيقة مع حزب العمال في موضع الخارجة عن سياق السياسة الرسمية العراقية والمهدّدة للمصلحة العليا للعراق ويجعل مناطق نفوذ الاتّحاد في دائرة الاستهداف التركي الذي سبق لمحافظة السليمانية أن خبرت نموذجا عمليا عنه.
دهوك (العراق)- تضمّن التصعيد العسكري التركي الكبير ضدّ مواقع حزب العمّال الكردستاني في شمال العراق إنذارا شديدا لقيادة الحزب الوطني الكردستاني المتّهم من قبل أنقرة بالتعاون مع حزب العمال واحتضان مقاتليه في مناطق نفوذ الحزب وخصوصا في محافظة السليمانية.
وبدأت علاقات رئيس الاتّحاد بافل طالباني مع المسلّحين الأكراد المعارضين لتركيا في كل من سوريا والعراق تتحوّل إلى عبء على حزبه وحتى على مناطقه المهدّدة بالاستهداف من قبل الجيش التركي وبالعزلة التجارية والاقتصادية منذ أن بادرت تركيا السنة الماضية إلى قصف مطار عربت بالسليمانية وإغلاق مجالها الجوي في وجه حركة الطيران المدني المتجه صوب مطار المحافظة والقادم منه.
ويضاعف من صعوبة موقف حزب طالباني التحوّل الكبير في العلاقات بين العراق وتركيا والذي جرّ وراءه تحوّلا جذريا في موقف بغداد من حزب العمّال الكردستاني والحرب التركية ضدّه.
وبادرت الحكومة العراقية قبل أشهر إلى تصنيف الحزب منظمة محظورة وشرعت إثر ذلك في حلّ تنظيمات حزبية مرتبطة به ومنعها من النشاط في البلاد.
تسويق علاقة الاتحاد مع حزب العمال كموقف نضالي لا يستقيم في ظل تعاون السليمانية مع طهران ضد الأكراد
وعلى صعيد عملي أصبحت السلطات العراقية متعاونة مع تركيا في حربها ضدّ حزب العمّال مفسحة المجال أمام قواتها للتوغّل في مناطق شمال البلاد حيث يتمركز مقاتلو الحزب منذ سنوات طويلة.
وجعل ذلك التحوّل في الموقف الرسمي العراقي من تركيا وحربها ضدّ معارضيها الأكراد المسلّحين، حزب طالباني في موقع الخارج عن السياسة الرسمية العراقية وما يتعلّق بها من مصالح اقتصادية حيوية كانت في الأصل وراء التطوّر الكبير في العلاقة بين بغداد وأنقرة.
وتريد الحكومة العراقية من وراء تجاوبها مع مطالب تركيا بشأن حزب العمّال وغضّها الطرف عن توسيع الجيش التركي لنطاق عمليته العسكرية في محافظة دهوك بإقليم كردستان العراق، الدفع بمسار التعاون الاقتصادي مع تركيا والذي شهد في الآونة الأخيرة تطورات ملحوظة أبرزها التوافق على إنجاز مشروع طريق التنمية المشترك الذي يُنتظر أن يربط أقصى جنوب العراق عند النقطة المطلة على مياه الخليج بالأراضي التركية.
كما تأمل أيضا في حلحلة مشكلة المياه الناتجة عن احتجاز تركيا لكميات متزايدة من مياه نهري دجلة والفرات. وفي سياق لصيق بهذا الملف أعلن وزير الموارد المائية العراقي عون ذياب، الجمعة، إحالة ستة مشاريع تطوير بنية الري إلى شركات تركية، معلنا أن وفدا فنيا سيزور تركيا لمناقشة ملف المياه وتنفيذ مشاريع الري.
وقال ذياب في تصريح لوكالة الأنباء العراقية “تركيا مؤثرة جدا بالنسبة لنا، فبعد زيارة رئيس الجمهورية التركية رجب طيب أردوغان إلى العراق ولقائه مع رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، تم التوصل إلى اتفاقية إطارية كانت من أهم الاتفاقيات التي تحتوي على جوانب عملية مفيدة للطرفين”. وأضاف أن “الاتفاق تضمن طلبا من الجارة تركيا أن تساهم بتنفيذ البنى التحتية للمشاريع الإروائية داخل العراق”.
وأفاد بأن العراق يعيد تقييم طريقة استخدامه للمياه، مضيفا “تم الاتفاق مع الجانب التركي بشأن إنشاء البنى التحتية لمشاريع الري، وتم منح ستة مشاريع لشركات تركية لتطوير البنية التحتية لمشاريع الري”.
ويخالف إصرار قيادة حزب الاتحاد الوطني على الحفاظ على علاقات وطيدة مع حزب العمال الكردستاني جذريا ذلك التوجّه العراقي الرسمي نحو التعاون مع الجارة تركيا. وكثيرا من يسوّق حزب طالباني علاقاته مع حزب العمال ضمن سياق نضالي يندرج بحسب قيادات الاتّحاد ضمن الدفاع عن القضية القومية لأكراد المنطقة.
لكن ذلك لا يصمد أمام واقع علاقات الحزب الوطيدة بإيران وبحلفائها من أحزاب وفصائل شيعية عراقية مسلّحة، وتعاونه مع طهران في ملاحقة المعارضين الأكراد المتمركزين داخل كردستان العراق وفي المناطق الحدودية مع إيران، والتضييق عليهم.
وأصبح حزب طالباني وكذلك مناطق نفوذه موضع تهديدات وإنذارات تركية متكررة. وتطالب أنقرة قيادة الاتّحاد بإنهاء تعاونها مع حزب العمّال والتوقّف عن إيواء مقاتليه في مناطقها وتقديم الدعم اللوجستي لهم.
جهاز الاستخبارات التركي ضرب ما مجموعه 120 هدفا لحزب العمال الكردستاني في العراق وسوريا منذ هجوم أنقرة
وأشار وزير الدفاع التركي يشار غولر في وقت سابق بالإسم إلى رئيس حزب الاتّحاد وقال إنّ “بافل (طالباني) هو الإسم الذي كان على رادار تركيا لفترة طويلة، وإنّ الدعم المقدم للتنظيم الإرهابي (حزب العمال) في السليمانية يحظى بمتابعة وثيقة من أنقرة”.
وأضاف الوزير في تصريحات لوسائل إعلام تركية “المسألة التي كنت أتساءل عنها هي ما إذا كنا سنتخذ خطوات أخرى غير الحظر الجوي على أجواء السليمانية.. وعما إذا كانت تركيا ستتخذ خطوات أخرى ضد بافل طالباني”.
ولم تخل لغة الوزير من تهديد عندما قال إنّ على رئيس حزب الاتحاد الوطني الكردستاني “أن يدرك أن ما يحاول فعله هو قلب الأمور على نفسه، لأن رئيسنا أردوغان ووزير خارجيتنا هاكان فيدان وأنا وجهنا التحذيرات اللازمة له مرارا وتكرارا”.
وأضاف قوله “تركيا بلد صابر ونحن نعرف ماذا نفعل وماذا سنفعل. والجميع يرى ما أصبحت عليه المنظمة الإرهابية”.
وتظهر تصريحات غولر أنّ بلاده لن تستثني في مرحلة ما مناطق حزب الاتّحاد من عمليتها العسكرية المتركزة إلى حدّ الآن بشكل رئيسي في محافظة دهوك بإقليم كردستان العراق، إضافة إلى عمليات استطلاع وقصف خاطفة على مناطق أخرى يتمركز فيها حزب العمال مثل قضاء سنجار غربي مدينة الموصل مركز محافظة نينوى بالشمال العراقي.
وصعّدت القوات التركية من عملياتها ضدّ مواقع حزب العمّال في سوريا والعراق على إثر هجوم دام نفّذه الحزب في أنقرة. وقالت وزارة الدفاع التركية، الجمعة، إنه جرى شن ضربات جوية تستهدف المسلحين الأكراد في شمال العراق ليلة الخميس-الجمعة وقُصفت عشرات الأهداف لليلة الثانية على التوالي.
وجاءت العملية بعد اجتماع أمني عقده الرئيس التركي أردوغان بحضور وزراء كبار وقادة بالقوات المسلحة والمخابرات في إسطنبول مساء الخميس. وأعلن حزب العمال الكردستاني، الذي يواصل تمردا في جنوب شرق تركيا منذ أربعة عقود مسؤوليته عن الهجوم الذي وقع يوم الأربعاء في أنقرة.
تركيا ضربت 34 هدفا لمنظمة حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، ما أدى إلى تدمير ملاجئ ومستودعات ومرافق أخرى وكذلك قتل عدد كبير من المسلحين
وقالت الوزارة إن تركيا ضربت 34 هدفا لمنظمة حزب العمال الكردستاني في شمال العراق، ما أدى إلى تدمير ملاجئ ومستودعات ومرافق أخرى وكذلك قتل عدد كبير من المسلحين.
وقالت مصادر أمنية بشكل منفصل إن جهاز الاستخبارات التركي ضرب ما مجموعه 120 هدفا لحزب العمال الكردستاني في العراق وسوريا منذ هجوم أنقرة.
وهاجم مسلحان، رجل وامرأة، بأسلحة آلية ومتفجرات مقر شركة صناعات الطيران والفضاء التركية توساش في أنقرة يوم الأربعاء. وأسفر الهجوم عن مقتل خمسة أشخاص وإصابة 22 آخرين. وتم قتل المهاجمين. وأعلن وزير الداخلية علي يرلي قايا التأكد من أنهما من أعضاء حزب العمال الكردستاني.
ونقلت وسائل إعلام تركية الجمعة عن أردوغان القول خلال عودته من روسيا حيث شارك في قمة بريكس إن مرتكبي الهجوم المسلح تسللا إلى تركيا من سوريا.
وجاء هجوم يوم الأربعاء بعد يوم من تصريح أحد الحلفاء الرئيسيين لأردوغان بأن زعيم حزب العمال الكردستاني المسجون عبدالله أوجلان قد يسمح له بالتحدث في البرلمان التركي إذا أعلن نهاية تمرد الحزب المحظور وفي المقابل من الممكن إطلاق سراحه. وبشكل منفصل قال يرلي قايا الجمعة إن الشرطة التركية اعتقلت 176 شخصا يشتبه بانتمائهم لحزب العمال الكردستاني في عمليات في أنحاء البلاد.
ويخوض حزب العمال الكردستاني صراعا مع الدولة التركية منذ 40 عاما مما أسفر عن مقتل أكثر من 40 ألف شخص. وتصنف تركيا وحلفاؤها الغربيون حزب العمال الكردستاني منظمة إرهابية، واقتربت بغداد مؤخّرا من تبنّي هذا التصنيف والتعامل مع عناصر الحزب الموجودين على الأراضي العراقية في ضوئه، في وقت يبدو موقف حزب طالباني من حزب العمّال شاذّا عن الموقف الرسمي للدولة العراقية.