تصعيد الميليشيات قد يعقد الانسحاب الأميركي من العراق

بغداد - تكثفت حدة الهجمات على المصالح الأميركية والقواعد العسكرية العراقية بوتيرة عالية في الأشهر الأخيرة، بعد وصول الرئيس الأميركي جو بايدن إلى البيت الأبيض.
وصعّدت المجموعات الشيعية الحليفة لإيران من استهداف قوافل الإمدادات لقوات التحالف الدولي في محافظات وسط وجنوب العراق.
وتشير تقديرات أميركية إلى أن قوات التحالف الدولي تعرضت لأكثر من 50 هجوما باستخدام العبوات الناسفة على قوافل الإمدادات منذ وصول بايدن إلى السلطة، ونحو 12 هجوما صاروخيا ضد منشآت دبلوماسية أميركية، أو قواعد عراقية تستضيف قوات أميركية، أو قوات من التحالف الدولي.
وتهدد قيادات في المجموعات الشيعية، مثل قيس الخزعلي الأمين العام لحركة "عصائب أهل الحق"، بمواصلة الهجمات ضد القوات الأميركية في قاعدتي "عين الأسد"، و"أربيل".
واستُهدفت قاعدة "بلد" الجوية في محافظة صلاح الدين شمال بغداد في 18 أبريل الجاري بخمسة صواريخ، أسفرت عن إصابة 3 جنود عراقيين ومتعاقدين أجنبيين تابعين لشركة صيانة طائرات.
وتضم القاعدة السرب الوحيد الذي يمتلكه العراق من طائرات "أف - 16". وقال التحالف الدولي إن القاعدة تخلو من أي جنود أميركيين أو جنود تابعين لدول التحالف الدولي.
ويعد الهجوم على مطار أربيل الدولي بطائرة مسيّرة التطور الأبرز في سلسلة استهداف الأميركيين بالعراق.
وتعرض الجناح العسكري في مطار أربيل الدولي في 14 أبريل الجاري لهجوم بطائرة مسيّرة، ألحق أضرارا في مبان ومخازن دون خسائر بشرية.
وأعلنت "سرايا أولياء الدم" مسؤوليتها عن الهجوم، وسبق لهذه السرايا أن أعلنت عن هجوم صاروخي استهدف الجناح العسكري لمطار أربيل الدولي في 15 فبراير الماضي، أسفر عن مقتل مدني عراقي وإصابة 5 متعاقدين وجندي أميركي، ردت عليه الولايات المتحدة في 25 فبراير بضربة جوية استهدفت فصيلي "كتائب سيد الشهداء"، و"كتائب حزب الله العراقي" في البوكمال السورية.
والفصيلان المقربان من إيران يعملان تحت مظلة هيئة الحشد الشعبي العراقية، المرتبطة بمكتب القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي.
ويعتقد كبار القادة العسكريين الأميركيين أن إيران تتّبع سياسة إخراج قوات التحالف الدولي والقوات الأميركية من العراق، عبر استهداف مصالحها من قبل قوات حليفة لها تصنفها الحكومة العراقية بأنها قوات خارجة على القانون.
وتعتقد إيران أن الحكومة العراقية مطالبة بالتزام تنفيذ قرار مجلس النواب في 5 يناير 2020، الذي بموجبه يتوجب على الحكومة مطالبة القوات الأميركية والأجنبية بالانسحاب، لإعادة الاستقرار والأمن إلى العراق والمنطقة.
وأعلنت الولايات المتحدة في ختام الجولة الثالثة من الحوار الاستراتيجي مع العراق في 7 أبريل الجاري، سحب جميع قواتها وإعادة نشرها خارج العراق، والإبقاء فقط على مدربين ومستشارين غير قتاليين وفق جدول زمني سيحدده الطرفان لاحقا.
ولا يزال الموقف الأميركي منقسما بين وزارة الخارجية والبيت الأبيض اللذين يؤيدان سحب جميع القوات القتالية من العراق، ووزارة الدفاع وكبار القادة العسكريين الذين يرون ضرورة الإبقاء على ما يكفي من القوات الأميركية في قاعدتي "عين الأسد" بالأنبار، ومطار أربيل الدولي في أربيل، لمواجهة تنامي نشاطات تنظيم داعش.
وفي جلسة استماع لأعضاء لجنة القوات المسلحة في الكونغرس الأميركي، أجاب قائد القيادة المركزية الأميركية الوسطى الجنرال كينيث ماكينزي، بأنه لا يتوقع انسحابا أميركيا كاملا من العراق في المستقبل.
وقلصت الولايات المتحدة عديد جنودها عند تشكيل التحالف الدولي في عام 2014 من 5200 إلى نحو 2500 جندي ومدرب ومستشار، لا يزالون في العراق ضمن مهمة التحالف الدولي في الحرب على داعش.
وانسحبت قوات التحالف الدولي من 8 قواعد في العراق إلى قاعدتي "عين الأسد"، ومطار أربيل الدولي، مع تواجد محدود في الجناح العسكري لمطار بغداد الدولي المعروف باسم معسكر فكتوريا.
وتأتي جهود الولايات المتحدة بتقليص وجودها العسكري في منطقة الشرق الأوسط وأفغانستان، في سياق أولويات الإدارة الأميركية الجديدة باعتبار الصعود الصيني في شرق آسيا هو التهديد الأول للولايات المتحدة.
وأصدرت الولايات المتحدة أوامرها بانسحاب جميع قواتها وقوات حلف الناتو من أفغانستان بحلول 11 سبتمبر المقبل.
وتحاول الولايات المتحدة دعم رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي لاتخاذ المزيد من الخطوات العملية للحد من نفوذ المجموعات الشيعية المسلحة، وثنيها عن مواصلة استهداف المصالح الأميركية في العراق، لكن الكاظمي يدرك أن بلاده ليست مؤهلة لمواجهة تلك المجموعات المسلحة.
ويرى مراقبون أن إيران، وميليشياتها، ستظل تشكل تهديدا أمنيا للتواجد الأميركي، خاصة وأنها تدرك أن انسحاب القوات الأميركية بالكامل سيفتح لها أبواب العراق على مصراعيها.
وساهمت عقوبات "الضغط الأقصى" التي فرضها دونالد ترامب في 2018 في تقليص حجم الدعم الذي تقدمه إيران لوكلائها في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
وتشير تقارير إلى أن معظم المجموعات الشيعية التي لا تزال حليفة لإيران، لم تعد تلتزم بسياسات طهران في العراق.
ويقول مراقبون إن إيران لن تقول إنها غير مسؤولة عن الميليشيات وأعمالها، لاسيما ضد الولايات المتحدة، لأن ذلك سيخسّرها ورقة ضغط مؤثرة، لكنها في الوقت نفسه لا يمكنها تحمل عبء المسؤولية التي يفرضها التبني العلني لأنشطة هذه الميليشيات.
ويشير هؤلاء إلى أنه ليس من مصلحة إيران في مرحلة التفاوض مع الولايات المتحدة حول ملفها النووي، استعداء إدارة بايدن عبر مواصلة استهداف المصالح الأميركية في العراق.
وعلى خلاف الموقف الرسمي الإيراني الداعي إلى إخراج القوات الأميركية من العراق، تتحدث قيادات إيرانية من الحرس الثوري مثل السفير الإيراني السابق في بغداد حسن دانائي فر، عن أن الولايات المتحدة ستظل تواجه هجمات في العراق حتى إذا ركزت قواتها في إقليم كردستان، كما هو الحال في أي جزء من العراق.