تصعيد أميركي ضد التدخل الروسي في السودان يقلق حكومة بورتسودان

صعّدت الولايات المتحدة من نبرتها تجاه التدخل الروسي في السودان، متهمة موسكو بالتورط في إذكاء الحرب عبر دعم طرفي الصراع. ويرى محللون أن الموقف الأميركي المستجد يثير قلق الجيش والحكومة الموالية له لما قد تعقبه من إجراءات عقابية أكثر حدة.
الخرطوم - كسر التصعيد الأميركي ضد روسيا في مجلس الأمن بشأن السودان، حالة الهدوء التي تلت استخدام موسكو حق النقض (فيتو) ضد مشروع قانون يهدف لوقف الحرب وتسليم المساعدات منذ شهرين.
ووجهت واشنطن اتهامات لموسكو بالتورط في الحرب السودانية في مؤشر على أن الفترة المقبلة ستشهد تحركات أميركية مكثفة لتضييق الخناق على الطرف الساعي لاستمرار الحرب في السودان.
ويشكل التصعيد الجديد ازعاجا لحكومة الأمر الواقع في بورتسودان لكسب الوقت وتحسين وضعها العسكري مع استخدامها شماعة إعلان جدة لرفض التجاوب مع محاولات التفاوض السياسي في جنيف مع قوات الدعم السريع.
واتهمت الولايات المتحدة، الاثنين، روسيا بتمويل الطرفين المتحاربين في السودان، بعد تأكيد واشنطن السابق أن موسكو تستغل طرفي الصراع لتعزيز أهدافها السياسية.
وقالت السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد “لقد اختارت روسيا عرقلة الجهود الرامية لإنهاء الحرب عندما صوتت ضد مشروع قرار وقف إطلاق النار بمفردها لتعرض المدنيين للخطر، في حين تمول كلا الجانبين في الصراع.”
واستخدمت روسيا الفيتو ضد مشروع قرار بمجلس الأمن الدولي دعا الطرفين المتحاربين إلى وقف الأعمال القتالية على الفور، وضمان تسليم المساعدات الإنسانية، وصوَّتت الدول الأربع عشرة المتبقية في المجلس لصالح المشروع.
وتعكس الاتهامات الأميركية إصرار واشنطن على ملاحقة النفوذ الروسي في المنطقة عقب تزايد فرص خسارة موسكو تواجدها الإستراتيجي في سوريا، وأن الاعتماد على سياسة تقديم الأسلحة للجيش السوداني مقابل الحصول على موطئ قدم في البحر الأحمر وتدشين قاعدة عسكرية يثار حولها جدل منذ سنوات من الأمور المرفوضة من الدول الغربية التي لديها قناعة أن ذلك يقوض مصالحها في المنطقة.
وتحشد روسيا المزيد من أدواتها لدعم حضورها في السودان ومن المتوقع أن تعمل على تكثيف الضغط على الجيش لتقديم ضمانات لتلافي خطر الإبعاد عن ساحل البحر الأحمر ومنطقة القرن الأفريقي بعد عزمها نقل جزء من ثقلها العسكري في سوريا إلى ليبيا، وافتتاح جديد لمعسكر ما يسمى بـ”الفليق الأفريقي – الروسي” في جنوب ليبيا.
وقال الباحث في الشؤون الأفريقية محمد تورشين إن الدعم الروسي للجيش السوداني واضح، عقب الانقلاب الذي قاده قائد قوات فاغنر ودمج قواته داخل الجيش الروسي، وأن الاتهامات تأتي في إطار التنافس بين الولايات المتحدة وروسيا، مع إصرار الأخيرة الحصول على موطئ قدم في البحر الأحمر يعزز حضورها في أفريقيا.
وتوقع تورشين في تصريح لـ”العرب” استمرار تبادل الاتهامات بين الطرفين وأن الجانب السوداني حسم موقفه من التقارب مع موسكو أكثر من الولايات المتحدة، ما يجعل وضع السودان معقدا للغاية، ويضع حكومة الأمر الواقع أمام العديد من المتناقضات التي عليها التعامل معها، خاصة أن منح روسيا ما تريده في البحر الأحمر قد يصبح واقعا، حال تزايد الضغوط الروسية على الجيش السوداني.
واكتفى نائب السفير الروسي لدى الأمم المتحدة دميتري بوليانسكي بالرد على الاتهامات الأميركية قائلا: “نأسف لأن الولايات المتحدة تحاول الحكم على القوى العالمية الأخرى بمعاييرها الخاصة.”
وأكد السفير السوداني لدى موسكو محمد الغزالي التيجاني مؤخرا أن بلاده لم ترفض استضافة قاعدة عسكرية بحرية روسية، وأكد على متانة العلاقات بين الجانبين، مشددا على أن التقارير ذهبت إلى رفض الخرطوم اتفاقا مع موسكو بشأن بناء قاعدة عسكرية بحرية “غير صحيحة،” وأن السودان يدرس اتفاقا بشأن إنشاء قاعدة عسكرية روسية على البحر الأحمر، في إطار مواصلة تعزيز العلاقات بين البلدين.
وذكر المحلل السياسي السوداني عادل سيد أحمد أن الإدارة الأميركية ترغب في تصفية حسابات مع روسيا تتعلق بأوكرانيا وتحاول النيل من روسيا في ما يتعلق بممارساتها وعلاقاتها مع بعض الدول، وما يساعد ذلك استمرار وقوع موسكو في نفس أخطائها السابقة حال ثبت دعمها لطرفي الصراع (الجيش والدعم السريع) وأن الولايات المتحدة تستفيد من ذلك في ظل تقديراتها الدولية التالية على التطورات في سوريا.
وأوضح سيد أحمد في تصريح لـ”العرب” أن الاتهامات الأخيرة تبرهن على أن هناك معركة دبلوماسية انطلقت شرارتها في جلسة مجلس الأمن التي خصصت لمناقشة الحرب في السودان، انطلاقا من مشاكل تعتري وصول المساعدات الإنسانية والتركيز على ملف المجاعة، وفق تقرير قدمه النظام العالمي للجوع التابع للأمم المتحدة، ما يشير إلى أن الولايات المتحدة تمهد عبر المعطيات المرتبطة بروسيا أو المجاعة لوضع حيثيات للمجتمع الدولي لتبني إجراءات عقابية أكثر فاعلية لمواجهة طرفي الصراع.
وعقد مجلس الأمن الدولي جلسة بشأن الأمن الغذائي والمجاعة في السودان، الاثنين، بحضور عدد من ممثلي الدول الأعضاء، واستمع المجلس إلى إحاطتين، الأولى قدمتها مديرة المناصرة والعمليات بمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا) إيديم ووسورنو، والثانية من نائبة المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة (فاو) بيث بيكدول، وخلصتا إلى أن السودان المكان الوحيد في العالم الذي تم تأكيد المجاعة فيه.
وأشار سيد أحمد في حديثه لـ”العرب” إلى أن صدور قرارات أممية تتعلق بحظر الطيران على الجيش السوداني أو حظر ذي طابع عسكري قوي ضد قوات الدعم السريع بحجة حماية المدنيين وتسهيل المساعدات الإنسانية، هو أمر متوقع وقد يتم طرحه قريبا داخل مجلس الأمن، وسيفجر مواجهة دبلوماسية جديدة بين روسيا والولايات المتحدة، غير أن الأخيرة حال وجدت نفسها لا تسطيع تمرير رؤيتها سوف تتجه للانفراد بقرارات تطبقها بالتعاون مع حلفائها خارج المجلس، أسوة بتجارب سابقة في كل من يوغسلافيا وأفغانستان والعراق.
ولفت إلى أن تلك المؤشرات ستكون مصدر إزعاج لحكومة بورتسودان التي تخشى من التصعيد الدولي، وظهر ذلك في رفضها تقرير النظام العالمي للجوع، خوفا من مآلاته بما يعزز من الاتجاه نحو المزيد من العقوبات عبر مجلس الأمن، استنادا إلى هذا التقرير وغيره من التقارير التي تدعمها الأمم المتحدة.
وقد يؤدي ذلك للعودة إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وبالتالي اختلال الموقف العسكري مع اعتماد الجيش على سلاح الجو ضد قوات الدعم السريع، غير أن هذا التصعيد ربما يقود لإحياء مبادرات السلام.