تصريحات حادة للطبوبي تمهد للتصعيد بين قيس سعيد واتحاد الشغل

تونس- انتقد أمين عام الاتحاد العام التونسي للشغل، في تجمع عمالي كبير بساحة القصبة على مقربة من مقر الحكومة، السبت، ما اعتبره “تكميما للأفواه” من قبل السلطة، في إشارة واضحة إلى أن الاتحاد متمسك بلعب دور سياسي ما قد يعود إلى تصعيد غير محسوب العواقب مع الرئيس قيس سعيد، في وقت يقول فيه محللون إن التصعيد في غير وقته، وإن الاتحاد ليس في موقع قوة.
وقال الأمين العام نورالدين الطبوبي، في كلمة أمام التجمع العمالي، إن الاتحاد “لا يقبل تكميم الأفواه وزرع الرعب والتخويف والتخوين”.
وجاءت تصريحات الطبوبي متناقضة مع الهدف من الدعوة إلى التجمع العمالي الهادفة إلى حث الحكومة على فتح باب المفاوضات الاجتماعية لتحسين أوضاع منتسبي الاتحاد في القطاع الحكومي.
وفي وقت سابق، برّر اتحاد الشغل دعوته إلى التجمع بـ”تواصل تعطل الحوار الاجتماعي منذ إصدار المنشورين 20 و21 وتراجع الحكومة عن تطبيق اتفاقيتي 6 فيفري 2021 و15 سبتمبر 2022 الممضاتين بينها وبين الاتحاد”، وكذلك “عزم الحكومة عرض النظامين العامين الأساسيين لأعوان الوظيفة العمومية والمنشآت العمومية والدواوين على مجلس نواب الشعب قبل استكمال التفاوض بين الطرفين الاجتماعيين، وإزاء التدهور المفزع للمقدرة الشرائية للأجراء والمتقاعدين وتأخر تعديل الأجر الأدنى المضمون”.
ووضع الطبوبي الاتحاد بهذه التصريحات في صف المعارضة مظهرا سعيا واضحا للعودة إلى التأثير السياسي مثلما كان يحصل خلال السنوات العشر التي تلت ثورة 2011، وهو التوجه الذي جلب له الكثير من الانتقادات.
وقال الباحث التونسي في العلوم السياسية محمد العربي العياري إن قيادة اتحاد الشغل “تتحرك للاستثمار في الظرفية السياسية”، غير مستبعد أن يكون الاتحاد قد فهم أن “هناك جبهة سياسية تعارض توجهات قيس سعيد قد بدأت تتشكل” فسعى الاتحاد لأن يكون من ضمنها.
وتابع العياري في تصريح لـ”العرب” أن “الاتحاد لا يراهن على قوته الشخصية بقد ما يراهن على تطورات الساحة، ويظهر الآن في ساحة القصبة ليقول إننا قادرون على قلب المعطيات”.
ووجهت قيادات نقابية من الاتحاد، الذي يملك نفوذا تقليديا في تونس، انتقادات للسلطة التي يقودها الرئيس سعيد بصلاحيات واسعة منذ إطاحته بالنظام السياسي في 2021، بسبب إيقافات لنقابيين للتحقيق في قضايا فساد وتعطيل العمل.
ولفت العياري إلى وجود “تناقض رهيب وصارخ لاتحاد الشغل، والمركزية النقابية لا تحسن العمل النقابي ولا السياسي، بل مجرد استعراض قوة لا غير”.
واحتشد الآلاف من أنصار الاتحاد العام التونسي للشغل السبت أمام مقر رئاسة الحكومة في العاصمة للتنديد بالوضع الاجتماعي والاقتصادي المتردي.
ورفع المتظاهرون لافتات كتبوا عليها “الحقوق الاقتصادية والاجتماعية عماد الديمقراطية الحقيقية”، و”دفاعا عن الحوار الاجتماعي والمقدرة الشرائية”.
واعتبر المحلل السياسي التونسي باسل الترجمان أنه “كان واضحا منذ البداية أن خطاب الطبوبي هو انتقال من المطالب النقابية والاجتماعية إلى أن يكون في تحالف ضدّ الرئيس سعيد والحكومة، وانتقل خطوة إلى الأمام وأصبح جزءا من المعادلة السياسية التي تقف في وجه مشروع 25 يوليو 2021”.
وأكد الترجمان في تصريح لـ”العرب” أنه “ليس لدى قيادة المنظمة النقابية من خيارات، إما أن يرضخ الطبوبي لعقد مؤتمر جديد ويغادر الأمانة العامة، أو أن يستفرد بقيادة المنظمة، ويريد الآن أن يذهب حتى النهاية في توجهه بالتصعيد ضد السلطة لأن خطابه يوم 4 مارس 2023 أعلن صراحة قطيعة مع السلطة”.
ويحتج الاتحاد ضد تعثر الحوار الاجتماعي مع السلطة وضد ما يعتبره “تهديدا للحق النقابي” وتعطل تطبيق الاتفاقيات مع الحكومة.
كما يعترض الاتحاد على السياسات الاقتصادية للحكومة وارتفاع الأسعار وتضرر المقدرة الشرائية بشكل كبير للعمال والمواطنين.
وقال الطبوبي إن البلاد تشهد “انتهاكات خطيرة للحقوق النقابية.. ما يعد خرقا للمعاهدات الدولية التي وقعت عليها تونس”.
ورأى أن “الحوار الاجتماعي والاقتصادي مغلق تماما اليوم”، معتبرا أن تمكّن الدولة من سداد مستحقات ديونها الخارجية خلال العام 2023 “جاء على حساب الشعب وندرة المواد الأساسية”.
وأعلن في كلمته، عن اجتماع للهيئة الإدارية للاتحاد خلال أسبوع لإصدار قرارات.
وأيد الاتحاد في البداية خطوة الرئيس قيس سعيد بحل البرلمان في 2021 لمكافحة الفوضى السياسية ولكنه اعترض لاحقا على سياساته “في الانفراد بالسلطة” والقرارات المصيرية للبلاد.
وانتقد الطبوبي تطبيق “إملاءات صندوق النقد الدولي” على حساب التونسيين.
وكانت البلاد توصلت إلى اتفاق أوّلي مع صندوق النقد الدولي نهاية العام 2022 للحصول على قرض وضخّ ملياري دولار في اقتصادها، لكن المفاوضات تعثّرت حين رفض الرئيس قيس سعيّد الإصلاحات التي أوصت بها المؤسسة المالية الدولية معتبرا أنها تهدد السلم الاجتماعي في البلاد.