تصريحات بوريل عن تونس: مبالغات وخلط بين قضية اللاجئين وصندوق النقد

هل استمع المسؤول الأوروبي إلى نسخة جزائرية لتقييم الوضع التونسي.
الأربعاء 2023/03/22
سياسة غير متوازنة تجاه تونس

تونس- عبرت وزارة الخارجية التونسية الثلاثاء عن رفضها لتصريحات جوزيب بوريل، مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، الذي تحدث عن مخاوف من “انهيار” الوضع في تونس واعتبرتها غير متناسبة، في وقت وصفت فيه أوساط سياسية تونسية تصريحات بوريل بأنها قائمة على مبالغات وخلط بين قضيتين مختلفتين؛ الأولى تتعلق بموجات اللجوء والثانية تتصل بموضوع الاتفاق مع صندوق النقد الدولي.

وتساءلت الأوساط السياسية التونسية عن الجهة التي استقى منها بوريل معلوماته بشأن الوضع في تونس، مشيرة إلى أن إيطاليا التي طالبت الاتحاد الأوروبي بإيلاء الوضع في تونس اهتمامًا كان مطلبها مساعدة تونس على مواجهة موجات اللاجئين المتزايدة وليس التدخل في شؤونها والضغط عليها لتوقيع اتفاق مع صندوق النقد الدولي كشرط لمساعدتها.

رافع الطبيب: الأوروبيون يساومون تونس على ملف الهجرة مقابل التمويل
رافع الطبيب: الأوروبيون يساومون تونس على ملف الهجرة مقابل التمويل

ورجحت هذه الأوساط أن يكون مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي قد استمع إلى نسخة جزائرية لتقييم الوضع التونسي في زيارته الأخيرة إلى الجزائر منذ أيام قليلة، مشيرة إلى أن تمسك تونس بإدارة ملفاتها الداخلية دون أي تأثير خارجي قد يكون جلب انزعاج الجزائر.

ويرفض الرئيس التونسي قيس سعيد أيّ مسعى يربط الدعم الخارجي لبلاده بالتأثير على مواقفها، خاصة ما تعلق بالتدخلات الغربية تحت عناوين حقوق الإنسان والديمقراطية ونصائح الجمعيات الحقوقية والمدنية، ويعتبر ذلك مسّا من السيادة التونسية.

وجدد الرئيس التونسي الاثنين التأكيد على أن بلاده “ترفض التدخل في شؤونها الداخلية لأنها ليست تحت الانتداب ولا الوصاية”، وهي رسالة تتكرر باستمرار لتأكيد أن قيس سعيد لا يقبل من أي جهة الاقتراب من ملف السيادة.

وأكدت الوزارة في بيان أن “التصريحات التي تمّ الإدلاء بها (بوريل) غير متناسبة، سواء بالنظر إلى القدرات الراسخة والمشهود بها عبر التاريخ للشعب التونسي على الصمود وعلى تجاوز المصاعب أو فيما يتعلق بالتهديد الذي تمثله الهجرة من دول الجنوب إلى أوروبا”.

وأضاف البيان “تتواصل التصريحات الانتقائية في تجاهل لأي مسؤولية عن الوضع الذي ساد في تونس منذ عام 2011 إلى غاية 25 يوليو 2021”.

وكان بوريل أعلن الاثنين أن الاتحاد الأوروبي يشعر بالقلق إزاء تدهور الوضع السياسي والاقتصادي في تونس ويخشى انهيارها، محذرا من أن “الوضع في تونس خطير للغاية”.

وقال “إذا انهارت تونس، فإن ذلك يهدد بتدفق مهاجرين نحو الاتحاد الأوروبي والتسبب في عدم استقرار في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. نريد تجنب هذا الوضع”.

ويقوم وفد من الاتحاد الأوروبي بزيارة إلى تونس ستكون بمثابة “فرصة لإجراء نقاش معمق حول التقدم في الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وتونس”.

وأكد بيان صادر عن بعثة الاتحاد في تونس أنه “ينبغي أن تركز المباحثات على الوضع السياسي والاجتماعي والاقتصادي في تونس وكيف يمكن للاتحاد الأوروبي أن يواصل تقديم أفضل دعم للشعب التونسي في الوضع الحالي”.

وأضاف البيان أن “الزيارة ستكون أيضا فرصة لمناقشة التعاون بين الاتحاد الأوروبي وتونس بشأن الهجرة وتحديد سبل ملموسة لمعالجتها”.

ويتساءل مراقبون تونسيون: ما قيمة إرسال وفد لتقييم الوضع في تونس إذا كان بوريل قد أصدر أحكامه وقدم صورة سوداوية عن البلاد؟ معتبرين أن هذا التناقض يؤكد أن موقف مسؤول السياسية الخارجية الأوروبية يأتي ضمن سياق الضغط وليس بحسن نية ووفق رغبة في دعم الجارة الجنوبية التي تقوم بدور كبير في تأمين حدود أوروبا من فوضى الهجرة غير النظامية.

ووصف المحلل السياسي التونسي نبيل الرابحي تصريحات بوريل بـ”المتناقضة والمبالغ فيها”، وقال “من ناحية يقول إنه يوجد انهيار اقتصادي واجتماعي وشيك في تونس، ومن ناحية أخرى يتحدث عن إرسال مبعوثين إلى تونس للوقوف على حقيقة الوضع وإن تطلّب الأمر سيعاين ذلك بنفسه، وهذا يدخل في باب النفاق السياسي”.

نبيل الرابحي: بوريل المتناقض يتحدث عن انهيار ثم يرسل وفدا للاطلاع
نبيل الرابحي: بوريل المتناقض يتحدث عن انهيار ثم يرسل وفدا للاطلاع 

وأشار الرابحي في تصريح لـ”العرب” إلى أن الأوروبيين “يريدون جعل صندوق النقد الدولي الضمانة لحوكمة الاقتصاد التونسي وهيكلته ويعتقدون أن تونس في أزمة، ولكن نحن لن نرضى بأن نكون حرس حدود لأوروبا”.

ويحاول الآلاف من المهاجرين غير النظاميين من التونسيين ومن سكان أفريقيا جنوب الصحراء عبور البحر الأبيض المتوسط للوصول إلى السواحل الأوروبية التي تبعد عن تونس نحو 150 كيلومترا فقط.

واستنادا إلى إحصاءات رسمية يوجد في تونس أكثر من 21 ألف مهاجر، بمن فيهم الطلبة، وغالبيتهم من ساحل العاج.

وقال أستاذ العلوم السياسية في الجامعة التونسية رافع الطبيب إن “الاتحاد الأوروبي استشعر أن تونس ستفتح ملف الهجرة، وأوروبا كانت تسجل ارتياحا للدور التونسي في حماية الحدود كمنطقة لحجز المهاجرين غير النظاميين”.

وأكّد الطبيب في تصريح لـ”العرب”، “اليوم ستتم إعادة تصحيح ملف الهجرة غير النظامية، والاتحاد الأوروبي تحدث عن أزمة اقتصادية واجتماعية، لكن ما يهمه بالأساس مسألة الهجرة”، ولذلك “يمارس ضغوطا على تونس ويعتبرها على حافة الإفلاس”.

وأضاف الطبيب “الاتحاد الأوروبي يمكن أن يكون له صوت وازن بخصوص قرض صندوق النقد الدولي لفائدة تونس، والأوروبيون يساومون على ملف الهجرة مقابل التمويل”.

1