تصدع تحالف السلطة يقلص حظوظ الموالاة في تحقيق مكاسب في الرئاسيات

علّقت حركة البناء الوطني تجميد عضويتها في “الائتلاف من أجل الجزائر” الذي يضم أربعة أحزاب هي جبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديمقراطي، وجبهة المستقبل بالإضافة إلى حركة البناء الوطني، في خطوة يرى مراقبون أنها ستحدث تصدعا في التحالف المذكور، من شأنه أن يقلّص من حظوظ الأحزاب الموالية للسلطة في تحقيق مكاسب الانتخابات الرئاسية.
الجزائر - أبلغ مسؤولون في حركة البناء الوطني الجزائرية نظراءهم في أحزاب تحالف الأغلبية عن تعليق حركتهم لأشغال التشاور والتنسيق، دون تقديم توقيت معين للعودة أو أسباب القرار، غير أن الراجح هو تطور الخلاف بين الحركة وبين جبهة التحرير الوطني حول التفرد بدعم ترشيح الرئيس عبدالمجيد تبون لولاية رئاسية ثانية.
وقررت حركة البناء الوطني الإخوانية، تعليق عضويتها فيما عرف، بـ”ائتلاف الأغلبية من الجزائر “، المشَكّل إلى جانبها من كل من جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، وجبهة المستقبل، وذلك في أعقاب اندلاع سجال سياسي بين قيادتها وقيادة جبهة التحرير الوطني حول مرشح التحالف للانتخابات الرئاسية المقررة في السابع من سبتمبر المقبل.
وبررت الحركة، قرارها بحاجتها إلى وقت لـ”ضبط خياراتها وأولوياتها” في المرحلة القادمة، وهو تلميح إلى إمكانية مراجعة الوعاء السياسي الذي تنشط فيه لدعم مرشحها الذي أعلنت عنه منذ أيام قليلة، وهو الرئيس الحالي عبدالمجيد تبون، الذي لم يعلن قراره الرسمي إلى حد الآن.
عبدالقادر بن قرينة يتجه نحو تشكيل تحالف حزبي، حيث عبرت 13 تشكيلة سياسية عن رغبتها في الانضمام إلى المبادرة
ويبدو أن التحالف الحزبي الجديد، المشابه للتحالف الذي كان يدعم في وقت سابق الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة، فشل من أول خطوة في رص صفوفه، بعدما غلبت على أعضائه الحسابات الذاتية، حيث ظهرت حساسية مبكرة حول من يتزعم التحالف ومن يملك حصرية توفير الغطاء السياسي لمرشح السلطة.
وينتظر أن يتقدم المرشح المحتمل عبدالمجيد تبون، كمرشح مستقل مدعوم من طرف الفواعل الأهلية والمجتمع المدني، بينما تأتي القوى السياسية في الصف الثاني، رغم عروض تقديم الخدمات التي أبدتها عشرات الأحزاب السياسية، بما فيها الحائزة على أغلبية المجالس المنتخبة، وما يوصف بـ”الأحزاب المجهرية”.
ويبدو أن طموح عبدالقادر بن قرينة، الذي كان منافسا للرئيس تبون في انتخابات العام 2019، قبل أن يتحول إلى حليف له، قد اصطدم برغبة حزب الأغلبية النيابية (جبهة التحرير الوطني)، الباحث عن استعادة أمجاده في أداء دور الغطاء السياسي لرؤساء الدولة بعد فترة فراغ عاشها في السنوات الأخيرة، ويستند في ذلك على عكاز الأغلبية النيابية في الغرفة الأولى للبرلمان، وعلى انتشاره وهيكلته التي تغطي كامل البلاد.
ويكون هذا التصدع مؤشرا أوليا على علاقة الرئيس القادم مع الطبقة الحزبية، فلأول مرة في تاريخ التعددية الحزبية في البلاد يتراجع دورها إلى مرتبة أدنى، تاركة المجال للمجتمع المدني، رغم تمسكها بالحفاظ على الحزب كمؤسسة سياسية منتجة للأفكار والتصورات والكوادر.
غير أن متابعين للشأن المحلي يرون بأن تراجع دور الأحزاب حتى بالنسبة إلى الداعمة للسلطة، يعود إلى تفريطها الذاتي منذ عدة عقود، في أداء مهامها في تأطير وتكوين المجتمع، خاصة لمّا سمحت لنفسها بالتحول إلى وكالات سياسية ملحقة بالسلطة، ورضاها بمنطق تقسيم كعك المكاسب، الأمر الذي هزّ ثقتها ومصداقيتها لدى الشارع الجزائري، ودفع بنخب جديدة تعمل على التموقع انطلاقا من منصات المجتمع المدني بدل الطبقة الحزبية.
وأفادت تقارير محلية بأن “مسؤولين في حركة البناء الوطني الذين حضروا اجتماع اللجنة الممثلة لأحزاب الائتلاف الذي جرى في مقر جبهة المستقبل بالجزائر العاصمة، نقلوا لنظرائهم قرار الحركة تجميد عضويتها ومقاطعة نشاطات الائتلاف”.
وأضافت “المعنيون لم يوضحوا بدقة أسباب تجميد عضويتهم ولم يؤكدوا انسحابهم النهائي من التحالف، وهو القرار الذي ستتم دراسته في اجتماع لقادة الأحزاب الثلاثة في وقت لاحق”.
وكان الموقف الجماعي من مرشحهم للانتخابات الرئاسية القادمة قد فجر التحالف في خطوته الأولى، خاصة وأن البيان الأول أعلن عن اتخاذ موقف حاسم في هذا الشأن خلال اللقاء التالي، غير أن مسارعة بن قرينة لإعلان ترشيح حركته الرئيس الحالي للاستحقاق المقبل أثار استياء قيادة جبهة التحرير الوطني، التي اعتبرت القرار مراوغة وتمردا على التوافق المتوصل إليه بين القيادات الأربع، وأن التحالف سيستمر في أجندته بحضور الحركة أو بغيابها.
مسؤولون في حركة البناء الوطني الذين حضروا اجتماع اللجنة الممثلة لأحزاب الائتلاف نقلوا لنظرائهم قرار الحركة تجميد عضويتها ومقاطعة نشاطات الائتلاف
ويمضي الأعضاء الثلاثة (جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وجبهة المستقبل)، في خطتهم رغم انسحاب حركة البناء الوطني، حيث ينتظر عقدهم اليوم الثلاثاء في ندوة صحفية عن خارطة عمل الائتلاف وقرارات أخرى بشأن الانتخابات الرئاسية، بما فيها مرشحهم، ولو أنه يبدو أنهم لا يريدون استباق الأحداث وينتظرون القرار الرسمي للرئيس الحالي.
وينتظر أن يعلن الرئيس تبون عن مراسم استدعاء الهيئة الناخبة قبل السادس من شهر من يونيو الجاري، تماشيا مع مقتضيات الدستور، التي تلزم رئيس الجمهورية باستدعاء الهيئة الناخبة ثلاثة أشهر قبل الموعد المحدد للانتخابات.
في المقابل يتجه بن قرينة، إلى تشكيل تحالف حزبي آخر، حيث عبرت 13 تشكيلة سياسية عن رغبتها في الانضمام إلى المبادرة، الأمر الذي يعزز حظوظه في قيادة قاطرة الدعم لمرشح السلطة، رغم أن غالبية شركائه الجدد من الأحزاب الموصوفة، بـ”المجهرية”، فضلا عن المنافسة الشرسة للتحالف الأصلي.
وكان الرجل قد نفى، في تجمع شعبي نظمته حركة البناء الوطني في مدينة وهران، “اتفاقه مع بقية أحزاب التحالف على إعلان موحد لترشيح الرئيس عبدالمجيد تبون”، ورد بشكل مبطن على تصريحات الأمين العام لجبهة التحرير الوطني عبدالكريم بن مبارك بالقول “نحن أصحاب عهود ولا ننقض العهود”.