تصاعد الاحتجاجات يقود الأميركيين إلى سجال حول شخصياتهم التاريخية

الرئيس الأميركي دونالد ترامب يرفض إزالة أسماء جنرالات كنفيدراليين عن قواعد عسكرية.
الجمعة 2020/06/12
ثورة على الرموز

بعد الجدل بشأن الإصلاحات التي يجب إدخالها على جهاز الشرطة في الولايات المتحدة، دخلت البلاد في نقاش حاد جديد يتعلق بشخصيات تاريخية تمثل جزءا من إرث البلاد على حد قول الرئيس دونالد ترامب فيما يعتبرها المناهضون للعنصرية شخصيات كرست ممارسات العبودية والعنصرية ما دفعهم إلى المطالبة بإزالة نصبها التذكارية أو تغيير أسمائها التي أطلقوها على قواعد عسكرية وهو ما رفضه ترامب بشكل قاطع.

 واشنطن – اتخذت التحركات الاحتجاجية ضد العنصرية في الولايات المتحدة زخما جديدا في سياق توقها إلى إحداث التغيير العميق داخل المجتمع، لتصل إلى منعطف تمّ معه استهداف تماثيل ونصب تذكارية لشخصيات تعتبر بالنسبة إلى جزء من الأميركيين رموزا لتكريس ثقافة العبودية وتشييع ممارسات عنصرية كما تعالت الأصوات المنادية بإعادة تسمية قواعد عسكرية تحمل أسماء جنرالات كنفيدراليين، لكن هذه المواقف أدخلت البلاد في سجال جديد يتعلق برموز البلاد وشخصياتها التاريخية وإرثها.

وأعلن الرئيس الأميركي دونالد ترامب رفضه القاطع لمقترح إزالة أسماء جنرالات كنفيدراليين من حقبة الحرب الأهلية عن قواعد عسكرية في الولايات المتّحدة، من خلال تغريدات، بينما تشهد البلاد تظاهرات ضد العنصرية وسط دعوات إلى تمرير إصلاحات في الكونغرس تضع حدا لوحشية الشرطة.

وهذه التظاهرات التي انطلقت عقب وفاة جورج فلويد اختناقا تحت ركبة شرطي أبيض، أعادت إحياء النقاش حول إرث العبودية في البلاد.

وقال ترامب في تغريدة إنّ “البعض اقترح إعادة تسمية ما يصل إلى عشر من قواعدنا العسكرية الأسطورية”. وأضاف أنّ “هذه القواعد العسكرية أصبحت الآن جزءا من التراث الأميركي العظيم”، مشدّدا على أنّ إدارته “لن تنظر حتّى في هذا الاحتمال”. وختم ترامب تغريدته بالقول “احترموا جيشنا!”.

والحرب الأهلية التي مزّقت الولايات المتحدة بين 1861 و1865 كان سببها الأساسي نظام العبودية الذي انقسمت بشأنه البلاد بين ولايات شمالية حاربت هذا النظام وأخرى جنوبية رفضت تحرير العبيد وأعلنت انفصالها عن الاتحاد وتأسيس كنفيدرالية.

وشددت الناطقة باسم البيت الأبيض كايلي ماكيناني على موقف ترامب الإبقاء على أسماء منشآت عسكرية مثل فورت براغ في كارولاينا الشمالية كما هي، خلال مؤتمر صحافي، قرأت فيه تغريدات الرئيس ووزعت نسخا مطبوعة منها على الصحافيين. واعتبرت الدعوة إلى ذلك “أمرا لا يجدي نفعا على الإطلاق”.

واكتسبت المطالبة بتغيير أسماء تلك المنشآت المزيد من الزخم تزامنا مع التظاهرات الحاشدة احتجاجا على وحشية الشرطة بحق الأميركيين من أصل أفريقي، والتي اندلعت إثر وفاة المواطن الأسود جورج فلويد على يد شرطي أبيض.

وليست هذه أول مرة تخرج فيها تظاهرات غاضبة احتجاجا على مقتل أسود بيد الشرطة، لكنها أول تحركات تتخذ هذا الحجم منذ حركة الكفاح من أجل الحقوق المدنية في ستينات القرن الماضي. وهي أول مرة منذ سنوات يشارك فيها البيض بأعداد كبيرة في المسيرات.

نانسي بيلوسي: نصب تماثيل لرجال دعوا إلى الوحشية لغايات عنصرية إهانة بشعة
نانسي بيلوسي: نصب تماثيل لرجال دعوا إلى الوحشية لغايات عنصرية إهانة بشعة

وقال إيه.سي تشانر، وهو عازف موسيقى أسود، “أمر مشجع جدا أن نرى أشخاصا من شتى الأصول” وتابع مبديا أمله في التغيير “أعتقد أن الجميع سئم الأمر”.

والقواعد العسكرية العشر التي يطالب الناشطون الحقوقيون بتغيير أسمائها تقع كلّها في جنوب الولايات المتحدة وتحمل أسماء قادة عسكريين جنوبيين خلال الحرب الأهلية، كان معظمهم مدافعا شرسا عن نظام الرقيق.

كما تركز غضب المتظاهرين أيضا على تماثيل لرموز الحرب الأهلية الجنوبيين والعلم الكنفيدرالي وتماثيل لكريستوفر كولومبس الذي يرجع إليه فتح الأميركيتين أمام المستعمرين الأوروبيين.

وأظهرت مقاطع فيديو لقناة “دبليو.دبليو.بي.تي” في وقت متأخر الأربعاء تمثالا لرئيس الكنفيدرالية جيفرسون ديفيس ملقى في الشارع في ريتشموند بفرجينيا بعد إزالته من قاعدته.

وقالت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي، الأربعاء، إنه ينبغي إزالة 11 تمثالا لعسكريين ومسؤولين كنفيدراليين من الكابيتول مقر السلطة التشريعية في واشنطن.

وكتبت بيلوسي، للجنة تضم أعضاء من الحزبين، “النصب التذكارية التي تجسد رجالا دعوا إلى القسوة والوحشية لتحقيق غايات عنصرية تشكل إهانة بشعة لمثل” الديمقراطية والحرية الأميركية.

وأكد وزير الدفاع الأميركي مارك إسبر في وقت سابق هذا الأسبوع أنه على الأقل منفتح “على نقاش بين الحزبين” حول إعادة تسمية القواعد العسكرية.

في الأثناء، أعلنت البحرية الأميركية أنها ستحظر رفع أعلام الكنفيدرالية – التي لا يزال رفعها شائعا في الولايات الجنوبية – عن كافة سفنها ومنشآتها.

احتجاجات عنيفة
احتجاجات عنيفة

ويأتي ذلك بينما أطلق شقيق جورج فلويد، الأربعاء من الكونغرس الأميركي، نداء مؤثرا دعا فيه النواب إلى “وضع حد لمعاناة” الأميركيين من أصل أفريقي وتبني إصلاحات فعلية لقوات الشرطة.

وقال فيلونيز فلويد، الذي قتل شقيقه جورج في 25 مايو الماضي في مينيابوليس، خلال جلسة استماع أمام اللجنة القضائية في مجلس النواب إنه “لا يستطيع وصف الألم” الذي شعر به حين شاهد الفيديو المصور الذي أظهر ما تعرض له شقيقه حين قضى اختناقا تحت ركبة الشرطي ديريك شوفن.

وأول ما حققته التعبئة الحالية ضد العنصرية في الولايات المتحدة هو تغيير الذهنيات. وبات حوالي نصف الأميركيين (49 في المئة) يعتبرون اليوم أن الشرطة ميالة أكثر إلى استخدام القوة المسرفة بحق مشتبه به أسود، مقابل 25 في المئة عام 2016، وفق استطلاع للرأي أجرته جامعة مونماوث. وذكرت إحدى مؤسِّسات الحركة باتريس كالورز “قبل سبع سنوات فقط، كان التفوه بعبارة: (حياة السود تهمّ) أمرا في غاية التطرف”. أما الآن فهذا الشعار مدون بحروف عريضة قبالة البيت الأبيض، بدعم من بلدية واشنطن.

وأعلنت عدة مدن أولى الخطوات لإصلاح أجهزة الشرطة، فحظرت هيوستن تقنية “الخنق” التي تقضي بإمساك موقوف من عنقه، وتعتزم واشنطن إقصاء النقابات من الآليات التأديبية بحق عناصر الشرطة، كما تعتزم نيويورك إتاحة الاطلاع على ماضي الشرطيين. وعلى المستوى الوطني، قدم الديمقراطيون مشروع قانون يستهدف الحصانة واسعة النطاق التي يحظى بها الشرطيون و“تغيير الثقافة” في صفوف هذه القوات في الولايات المتحدة.

وكتب المرشح الديمقراطي للرئاسة الأميركية جو بايدن بعد الجلسة في تغريدة “توجد عنصرية ممنهجة ليس فقط وسط قوات الأمن لكن أيضا في مجالات التعليم والإسكان وفي كل ما نقوم به”. وأضاف “علينا العمل جاهدين لوضع حد لها”.

ويبقى من الصعب إجراء إصلاح في الولايات المتحدة في وجود حوالى 18 ألف كيان مستقل من قوات حفظ النظام، بين شرطة بلدية ودوريات تابعة للولايات ومكاتب مأموري المناطق وغيرها، لكل منها قوانينه الخاصة للانتساب والتدريب والممارسات المأذون بها… وقال قائد شرطة هيوستن آرت اسيفيدو خلال جلسة استماع في الكونغرس “من الضروري أن تكون لنا قواعد فيدرالية”.

إلا أن فرص التوصل إلى نص يحظى بالتوافق تبقى ضئيلة في ظل الانقسامات العميقة بين الديمقراطيين والجمهوريين في الكونغرس. وإن كان حزب الرئيس دونالد ترامب ندد بجريمة “مروعة”، إلا أنه يعتبرها من فعل “شخص فاسد” رافضا إصلاحا شاملا لأجهزة الشرطة.

5