تشويه القوى المدنية في السودان يخدم أهداف فلول البشير لاستمرار الحرب

عدم التفاف القوى المدنية حول هدف وقف الحرب أحد عوامل ضعفها.
الثلاثاء 2024/11/05
حمدوك يؤكد أن السودان يمر بأزمة وجودية

تتعرض القوى المدنية في السودان إلى حملة تشويه عبر منافذ إعلامية مدعومة من الحركة الإسلامية والجيش، واتهامها بالتحالف والتنسيق مع قوات الدعم السريع، بغرض تبرئة الجيش والجناح الإسلامي داخله من مسؤولية الحرب، ويستغلون غياب وحدة الصف بين المكونات المدنية في البلاد.

الخرطوم - بدأت أحداث الاعتداءات التي وقعت في لندن قبل أيام أثناء مشاركة عبدالله حمدوك وعدد من قيادات تنسيقية القوى المدنية والديمقراطية “تقدم” في حوار نظمه المعهد الملكي للشؤون الدولية (شاتام هاوس)، تتفاعل داخل السودان لمعرفة أهدافها والمحرضين عليها.

وتعرض عدد من المنتمين للقوى المدنية لاعتداء من قبل مؤيدين للجيش والحركة الإسلامية الذين شنوا حملة تشويه ضد قوى لعبت دورا في الإطاحة بنظام الرئيس عمر البشير، ما يشير إلى وجود أهداف انتقامية لهذا السبب.

وأعربت هيئة محامي دارفور (حقوقية) وعدد من شركائها الأحد، عن استنكار زيادة خطاب الكراهية في السودان، وحذروا من أن هذا السلوك قد يؤدي إلى تفكك الدولة، وأدانوا استخدام الإهانات والسباب كوسيلة للتعبير عن الآراء.

وقال الحزب الشيوعي، المعروف بخلافه مع “تقدم”، إن “اللجوء إلى العنف في العمل السياسي السلمي سلوك العاجز المنهزم، وإن هؤلاء الذين يتبعونه من المتطرفين أعداء السلام من بقايا الأنظمة السابقة والإسلاميين الذين لا يعرفون شيئا عن حرية التعبير والرأي الآخر”.

الواثق البرير: القوى المدنية تعرضت لتشويه ممنهج منذ بدء الحرب
الواثق البرير: القوى المدنية تعرضت لتشويه ممنهج منذ بدء الحرب

وبدا مشهد الاعتداء في لندن محاولة جديدة للنيل من القوى المدنية التي وقّعت على الاتفاق الإطاري قبل الحرب، وتحميلها مسؤولية اندلاعها، واتهامها بالتحالف والتنسيق مع قوات الدعم السريع، بغرض تبرئة الجيش والجناح الإسلامي داخله.

ويشكل غياب التفاف القوى المدنية حول هدف وقف الحرب أحد عوامل الضعف التي تغري بالعدوان اللفظي والمادي عليها، وأثرت سلبا على تحركاتها الخارجية، وعدم ضمان حضورها ضمن معادلة إنهاء الحرب والبحث عن الترتيبات المستقبلية.

كما أن الاجتماعات التي عقدتها في عواصم مختلفة لم تتبلور في سلوك جمعي ينشط للضغط من أجل وقف الحرب، وابتعدت قوى عدة عن التوافق حول الأهداف السياسية.

ويتراجع حضور القوى المدنية كلما حدث جمود على مستوى تحريك المفاوضات السياسية لجمع الجيش والدعم السريع على طاولة واحدة للبحث عن حلول سياسية منتجة، وعندما تتصاعد أصوات البنادق تبدأ في البحث عن مقوّمات قد تساعدها على خلق موقف مغاير عن دعاوى استمرار الحرب، ويبقى تأثيرها محدودا بفعل تراجع شعبيتها وعدم قدرتها على توحيد صفوفها في جبهة مدنية عريضة، دعت لها “تقدم”.

وقال القيادي البارز في تنسيقية “تقدم” الواثق البرير إن القوى المدنية تعرضت لتشويه ممنهج منذ بدء الحرب وبشكل يومي عبر غرف إعلامية مدعومة من جانب الحركة الإسلامية، ووسائل الإعلام المملوكة للحكومة والتابعة للجيش، فضلا عن حملات ضخمة لتوجيه الرأي العام الداخلي والخارجي تجاه دعم الحرب وإثارة الفتن الداخلية.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن لندن شهدت لأول مرة وجود أشخاص يرتدون زيا عسكريا ويدعون إلى استمرار الحرب وسفك الدماء، وهو أمر لا يحدث في دول العالم المتحضرة، ورغم وجود اختلافات عديدة يتم حلها عبر الحوار وليس من خلال دعاوى إطالة أمد الصراع، وأن خروج مجموعات داعمة للقوى المدنية في اليوم التالي للندوة برهن على أن هؤلاء الأشخاص جاؤوا لاصطناع أزمة مع القوى المدنية.

كمال إسماعيل: القوى المدنية عليها البحث عن التنسيق مع جميع المكونات
كمال إسماعيل: القوى المدنية عليها البحث عن التنسيق مع جميع المكونات

وأوضح البرير أن ما حدث في العاصمة البريطانية يفهم منه أيضا أنه مؤشر على زيادة انقسام السودانيين، ودليل على أن النسيج الاجتماعي آخذ في التفكك، وسوف يؤدي ذلك إلى تشرذم الدولة نفسها، لكن القوى المدنية تسعى إلى توسيع قاعدة التحالفات في ما بينها، وأن لقاءات انعقدت في نيروبي قبل أسبوعين هدفت إلى ضم حركة جيش تحرير السودان، وحزب البعث العربي الأصل، إلى جانب بعض القوى الأخرى.

وذكر في حديثه لـ”العرب” أن القاهرة تشهد الآن تجهيزات لعقد اجتماع لتوحيد القوى الساعية لوقف الحرب، وأن مائدة مستديرة موسعة من المقرر أن تكون ضمن خطوات تشكيل الجبهة المدنية العريضة، بهدف العمل على استقطاب بعض القوى المؤيدة لاستمرار الحرب وإقناعها بالسعي لوقفها، ودحض الشائعات التي تربط بين تنسيقية “تقدم” وقوات الدعم السريع، وتحميل القوى المدنية مسؤولية ما يحدث من عنف.

ومازال الحزب الشيوعي وعدد من القوى السياسية اليسارية في السودان وبعض مكونات المجتمع المدني، في مقدمتها تجمع المهنيين، تقف في منطقة رمادية بين الانضمام للقوى المدنية في “تقدم” والرفض بشكل قاطع دعاوى استمرار الحرب من جانب أحزاب قريبة من الحركة الإسلامية ولديها تفاهمات مع الجيش، ما يجعل هناك قناعة بأن تحركات عبدالله حمدوك لا تعبر عن جميع القوى السياسية.

وشدد حمدوك على أن السودان يمر بأزمة وجودية، “وإذا لم يتم تداركها لن نجد وطنا، داعيا إلى شحذ الهمم لمواجهة التحديات من خلال خلق جبهة عريضة لوقف الحرب، وأن تنسيقية (تقدم) لا تمثل كل السودانيين، لكنها تمثل مشروعا في الاتجاه الصحيح”.

من جانبه، أكد عضو تنسيقية “تقدم” اللواء كمال إسماعيل أن القوى المدنية الداعية لوقف الحرب تحظى بقدر كبير من التماسك، وتحركاتها على المستوى الدولي سوف تأخذ في التصاعد الفترة المقبلة مع خفوت الحديث عن حلول سياسية من جانب طرفي الصراع، وأن تشويه الأحزاب ليس له تأثير مع اتفاق قطاع من السودانيين على وقف الحرب.

وذكر في تصريح لـ”العرب” أن الشعب السوداني يدرك أن ما آلت إليه أوضاعه هو نتيجة لحكم الإسلاميين الذي استمر لأكثر من ثلاثة عقود، وأن مساعي قلب الحقائق لا تنطلي عليه، حيث يريد إنهاء الكارثة الإنسانية التي لحقت به، وأن القوى المدنية عليها البحث عن التنسيق مع جميع المكونات المدنية وفقا لأربعة محاور رئيسية، تتمثل في: وقف الحرب، وإدخال المساعدات، ووقف الخطاب العنصري، وتنفيذ مبادئ ثورة ديسمبر التي أطاحت بنظام البشير، وأن جميع السودانيين يتوحدون حول هذا الهدف، باستثناء الحركة الإسلامية التي تريد استمرار الحرب.

وأشارت إدانة الحزب الشيوعي لما حدث من عنف بحق تنسيقية “تقدم” إلى وجود نقاط اتفاق يمكن البناء عليها بينهما، وإن كان ذلك عبر الوصول إلى صيغة تضمن تنسيق المواقف وليس الانضمام بشكل كامل إلى تحالف خرج من رحم قوى الحرية والتغيير، حيث استقال الحزب الشيوعي منها، وهو أحد أبرز الأحزاب التاريخية في السودان.

2