تشكيل حكومة منفى يثير انقسامات بين القوى المدنية في السودان

لم يلق مقترح تشكيل حكومة منفى في السودان تجاوبا من عدد من القوى المدنية التي رأت في الخطوة تكريسا للانقسام السائد في البلاد، كما أبدت الولايات المتحدة تحفظات على المقترح معتبرة أنه سيقود إلى المزيد من التفتت.
بورتسودان - أثار اقتراح تقدمت به الجبهة الثورية خلال اجتماعات للهيئة القيادية لتنسيقية القوى المدنية الديمقراطية “تقدم”، في مدينة عنتيبي الأوغندية الأسبوع الماضي، بشأن تشكيل حكومة منفى سودانية انقساما بين القوى المشاركة. وتباينت المواقف بين مؤيد يرى أن الحكومة الموالية للجيش السوداني والتي تتخذ من بورتسودان مقرا لها، منزوعة الشرعية، وأن هناك حاجة إلى جسم بديل، وبين رافض للخطوة يعتبر أن مثل هذا التمشي سيفاقم الأزمة ويزيد من حالة التشظى على الساحة السودانية.
وتشكلت الحكومة الحالية في أعقاب انقلاب قاده الجيش السوداني في الخامس والعشرين من أكتوبر 2021، ضد الحكومة المدنية برئاسة عبدالله حمدوك الذي يتولى حاليا رئاسة تنسيقية “تقدم”.
وتعد الحكومة الحالية الذراع التنفيذية للجيش، وهي لا تحظى بغطاء شرعي، سواء على الصعيد الدولي أو الأفريقي، لكن قيادة الجيش تحرص على التسويق لها، واتخاذها واجهته السياسية، وهو ما يظهر في إصرارها على تمثيله في مفاوضات جنيف في أغسطس الماضي، وقبلها في منبر جدة.
وقد شنت حكومة الأمر الواقع في بورتسودان حملات منظمة ضد القوى المدنية، وكل نفس معارض أو متحفظ على مسلك الجيش في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، الأمر الذي دفع الجبهة الثورية وقوى أخرى داخل تنسيقية “تقدم”، إلى طرح مشروع تشكيل حكومة منفى، لكن تمرير المقترح اصطدم بممانعة من عدد من الأطراف ما دفع قيادة “تقدم” إلى إحالته على “الآلية السياسية”.
وأعلن حزب الأمة القومي أنه يرفض أي مساع لتكوين حكومة من أي جهة وفي أي مكان، وقال الواثق البرير، الأمين العام للحزب، في بيان له، إن تشكيل الحكومة يمهد الطريق لسيناريوهات التقسيم ويزيد من حدة الاستقطاب، مشيرا إلى قرار مجلس التنسيق بالحزب في اجتماعه الذي عُقد في الحادي والثلاثين من أغسطس 2024 حول هذا الموضوع.
وأكد البرير على ضرورة التركيز على أولويات المرحلة من أجل تحقيق حل شامل للأزمة في البلاد. ولفت إلى تفاقم الأزمة الإنسانية وزيادة الانتهاكات الفظيعة ضد المواطنين بسبب استمرار الحرب وتوسعها. ونبه البيان إلى زيادة حدة الانقسامات السياسية والاجتماعية السلبية وارتفاع خطاب الكراهية والعنصرية، داعيا القوى السياسية والمدنية والمجتمعية إلى تخطي خلافاتها والاتحاد معا للضغط من أجل إنهاء الحرب وتخفيف معاناة السودانيين.
وشدد الحزب على موقفه الثابت الرافض للحرب، حاثا على إيقافها، ومؤكدا عدم انحيازه لأي من الأطراف المعنية، ودعا البيان إلى أهمية تعزيز النسيج الاجتماعي للحفاظ على وحدة البلاد وتماسكها في مواجهة خطر التقسيم واستمرار النزاع، وطالب طرفي النزاع بضرورة السعي نحو وقف شامل للحرب والعودة إلى طاولة المفاوضات، والالتزام بتعهداتهما بحماية المدنيين وتيسير وصول المساعدات الإنسانية للمحتاجين.
من جهته رأى وزير الصناعة والتجارة السابق مدني عباس مدني أن الحل ليس في تشكيل حكومة منفى أو غيرها، بل يجب التركيز على نزع الشرعية عن الحرب وتحميل الأطراف المتنازعة مسؤولية الجرائم التي ارتُكبت، وأن معالجة الأزمات تتطلب رؤية شاملة تتجاوز الحلول السطحية.
وقال مدني، وهو ينتمي إلى التنسيقية المدنية، في تدوينة له على فيسبوك، إن اتهام القوى المدنية بالتعاون مع الدعم السريع يُعد “من أكبر الأكاذيب التي شهدها تاريخ السودان الحديث.” وأكد أنها تكررت بشكل متزايد مما جعلها تبدو كحقيقة لا تقبل النقاش بسبب ضعف الخطاب الإعلامي لهذه القوى.
ويرى محللون أن السبب الأساسي لرفض بعض القوى في التحالف المدني مشروع إقامة حكومة منفى هو أن يتخذها الجيش ذريعة جديدة للترويج لدعاية أن “تقدم” ليست سوى واجهة سياسية لقوات الدعم السريع، وهو أمر لطالما نفته التنسيقية. ويشير المحللون إلى نقطة ثانية وهي أن المجتمع الدولي ليس متحمسا لبروز المزيد من الأجسام، حيث يرى أنها ستزيد الوضع تعقيدا، وهو ما بدا واضحا في موقف الولايات المتحدة.
وقال المبعوث الأميركي الخاص للسودان توم بيرييلو في تغريدة على منصة إكس “إن الولايات المتحدة تشعر بقلق عميق إزاء التقارير التي تفيد بأن بعض الفصائل والأفراد السودانيين يدعون إلى إعلان هياكل حكم جديدة ومعلنة من جانب واحد.” ورأى أن مثل هذا الإجراء يؤدي إلى زعزعة الاستقرار بشكل كبير في المنطقة ويخاطر “بتفتيت السودان”.
ويعتقد المحللون بأن حظوظ الدفع بهكذا مشروع تكاد تكون منعدمة، وأن إحالة الهيئة القيادية لتنسيقية تقدم المقترح إلى اللجنة السياسية يعني ركنه على الرف، فالهيئة تدرك أن هناك حاجة إلى ردم الخلافات بين أقطابها وليس زيادتها. وأكد رئيس الهيئة القيادية لتنسيقية القوى المدنية الديمقراطية إحالة قضايا الجبهة المدنية والعملية السياسية ونزع الشرعية إلى الآلية السياسية.
وقال حمدوك إن اجتماعات تقدم في عنتيبي ركزت على معالجة أوجه القصور التنظيمية لضمان تمتين هياكل التحالف وتعزيز وحدة صفوفه، مشددا على أهمية التشاور الشامل بين مكونات التحالف لتطوير رؤية موحدة تلبي تطلعات الشعب السوداني في هذه المرحلة الحرجة.
واختتمت الهيئة الجمعة اجتماعها الذي عقد بمدينة عنتيبي خلال الفترة من الثالث إلى السادس من ديسمبر 2024، في ظل تفاقم الأزمة الإنسانية بالسودان جراء الحارب الدائرة بين الجيش وقوات الدعم السريع من أبريل 2023.
◙ السبب الأساسي لرفض بعض القوى إقامة حكومة منفى هو أن يتخذها الجيش ذريعة جديدة للترويج لدعاية أن “تقدم” ليست سوى واجهة للدعم السريع
وأوضح حمدوك أن الاجتماعات التي امتدت على مدى أربعة أيام ناقشت قضايا حيوية تتعلق بحماية المدنيين، ومعالجة الكارثة الإنسانية، وإيصال المساعدات الغذائية والطبية إلى المحتاجين داخل السودان وفي معسكرات النزوح واللجوء بدول الجوار.
ولفت إلى أن الاجتماعات تناولت سبل تحسين هياكل “تقدم”، ومراجعة أوجه القصور لتطوير العمل السياسي والتنظيمي بما يواكب المستجدات الراهنة.
وأكد أن هذه الجهود تهدف إلى “تعزيز التحالف المدني الديمقراطي وتوحيد الرؤية السياسية لتحقيق تطلعات الشعب السوداني الطامح للسلام.”
وأشار حمدوك إلى أن المناقشات اتسمت بالمسؤولية العالية والإيمان بقيم الديمقراطية، مع التركيز على معالجة التباينات الداخلية بشفافية وروح من المسؤولية.
ودعا جميع القوى المدنية في معسكر السلام المناهض للحرب إلى توحيد الجهود لمواجهة التحديات المشتركة، مشددا على أن الوحدة هي المفتاح لتحقيق تطلعات السودانيين، مناشدا الدول الصديقة والشقيقة في الإقليم زيادة الضغط على أطراف القتال لإعلان وقف إطلاق النار وفتح الممرات الإنسانية، مطالبا بتعزيز حجم الدعم الإنساني بما يتناسب مع حجم الكارثة، التي وصفها بأنها “الأكبر في العالم” حاليا.
وخلّفت الحرب المستمرة في السودان عشرات الآلاف من القتلى وشرّدت أكثر من 11 مليون شخص من بينهم 3.1 مليون نزحوا خارج البلاد، بحسب المنظمة الدوليّة للهجرة. وتسبّبت، وفقا للأمم المتحدة، بإحدى أسوأ الأزمات الإنسانية في التاريخ الحديث.