تشكيل حكومة جديدة لكردستان العراق موضع اهتمام أميركي

تشكيل إقليم كردستان العراق لحكومة جديدة بهدوء وسلاسة بعد تجاوزه لاختبار الانتخابات البرلمانية محط اهتمام دولي وأميركي تحديدا، نظرا لما تحظى به تجربة الإقليم في الحكم الذاتي من اهتمام لدى واشنطن والعديد من العواصم الغربية التي تنظر إلى تلك التجربة كنموذج للنجاح وكعامل مساعد على استقرار العراق والمنطقة.
أربيل (العراق)- أعاد التوجّه نحو إطلاق مسار تشكيل حكومة جديدة لإقليم كردستان العراق إثر الانتخابات البرلمانية التي أجريت مؤخّرا واستقرار الإقليم وتماسك تجربته في الحكم الذاتي إلى دائرة اهتمام الولايات المتحدة التي ترى في الإقليم شريكا موثوقا لها، وتعمل في ضوء ذلك على تقريب الهوّة بين فرقائه السياسيين لضمان أكبر قدر من الوفاق على إعادة تشكيل سلطاته في ضوء نتائج الانتخابات بأقصى قدر من السرعة والسلاسة.
وزارت السفيرة الأميركية لدى العراق ألينا رومانوسكي أربيل وأجرت محادثات منفصلة مع كلّ من مسعود بارزاني رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني الفائز في الانتخابات، ومسرور بارزاني القيادي في الحزب رئيس حكومة الإقليم، وقوباد طالباني القيادي في الاتّحاد الوطني الكردستاني نائب رئيس وزراء الإقليم والذي حلّ حزبه ثانيا من حيث عدد المقاعد في البرلمان المنتخب، وتمّ التطرّق خلالها إلى موضوع تشكيل الحكومة الجديدة.
ويبرّر الاهتمامَ الأميركي بالموضوع ما يلوح من مصاعب وتعقيدات محتملة في طريق تشكيل الحكومة نظرا لاشتداد التنافس بين الطرفين الرئيسيين في المعادلة السياسية للإقليم وتزايد طموح الاتّحاد إلى تعظيم حصته في المناصب القيادية مُظهرا بوادر تشدّد في اشتراطاته ما قد يجعل من مفاوضات تشكيل الحكومة معقّدة وتأخذ وقتا أطول مما تحتمله ظروف الإقليم السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وما تتطلّبه توترات المنطقة من حوله من وجود سلطة متماسكة داخله كفيلة بمواجهة ما قد يستجدّ من طوارئ ومتغيّرات.
وأكّد رئيس الحزب الديمقراطي للسفيرة انفتاح حزبه على باقي القوى السياسية في الإقليم لتشكيل الحكومة وتحديد أجندتها، فيما شدّد رئيس الحكومة على أهمية أن يستند التشكيل على أصوات الأطراف السياسية المشاركة واستحقاقها الانتخابي، بينما جدّد نائبه التعبير عن “الرؤية الخاصة” للاتحاد الوطني الذي ينتمي إليه بشأن تشكيل حكومة للإقليم “بناء على مبدأ الشراكة الحقيقية”.
كما أحاط مسعود بارزاني السفيرة علما بتشكيل حزبه فريقا للتفاوض مع الأطراف الأخرى حول تشكيل الحكومة العاشرة وتحديد أجندتها، لافتا إلى أن الحزب ليس لديه “فيتو” على أيّ جهة.
ويشير بذلك إلى اللجنة التفاوضية التي نُشرت مؤخرا معلومات بشأن تشكيلها وإسناد رئاستها إلى عضو الهيئة التنفيذية للمكتب السياسي للحزب الديمقراطي هوشيار زيباري بمشاركة عدد من أعضاء المكتب السياسي ومسؤولي مكاتب التنظيمات في المحافظات، إضافة إلى عدد من أعضاء اللجنة المركزية.
ويصف مراقبون النهج الذي يتبعه الحزب الديمقراطي الكردستاني الفائز في انتخابات برلمان إقليم كردستان العراق التي أجريت في العشرين من الشهر الماضي بالمعتدل متوقّعين أن يكون له أثر في خفض التوتّرات التي صعّدتها الانتخابات وتذليل الصعوبات التي قد تواجه تشكيل حكومة جديدة تنأى بالإقليم عن محاذير الفراغ وعدم الاستقرار.
ويسلك الحزب الحاصل على تسعة وثلاثين مقعدا من مقاعد البرلمان البالغة مئة مقعد، سياسة اليد الممدودة لجميع الشركاء السياسيين متغاضيا عن الخطاب التصعيدي لغريمه السياسي الأول الاتّحاد الوطني الكردستاني الذي حلّ ثانيا بحصوله على ثلاثة وعشرين مقعدا والذي أظهر بوادر تشدّد في اشتراطاته بشأن المشاركة في الحكومة القادمة، وبات يرفع سلاح التعطيل للحصول على مطالبه ويلوّح بحكومة تصريف أعمال دائمة.
وصدر عن لقاء بارزاني – رومانوسكي بحضور ستيف بيتنر القنصل العام الأميركي في أربيل بيان جاء فيه أنّ السفيرة أكدت “على أن تنظيم انتخابات برلمان كردستان في أجواء ديمقراطية وسلمية، في ظل التوترات التي تمر بها المنطقة، يعكس الصورة الناصعة للإقليم أمام الجميع”.
كما ورد في البيان أنّه تمّ خلال اللقاء التباحث بشأن خطوات تشكيل الحكومة الجديدة في الإقليم والمفاوضات بين الأطراف السياسية وتسليط الضوء على الأوضاع السياسية والأمنية في المنطقة، وآخر المستجدات في الشرق الأوسط، وتم تبادل الرؤى ووجهات النظر حول العملية السياسية في العراق وانتخاب رئيس جديد لمجلس النواب العراقي.
والتقت السفيرة الأميركية أيضا رئيس حكومة الإقليم مسرور بارزاني وتمحورت المباحثات معه بشأن الإجراءات والتحضيرات المتعلقة بتشكيل الكابينة الوزارية الجديدة لحكومة إقليم كردستان.
وجرى خلال اللقاء الاتفاق على أهمية التفاهم بين الأطراف السياسية للإسراع بتشكيل الحكومة الجديدة، بما يمكّنها من مواصلة عملها وتنفيذ مشاريعها الخدمية التي تلبّي احتياجات عموم مواطني ومكونات إقليم كردستان.
وأكد مسرور بارزاني أهمية أن يستند تشكيل الحكومة على أصوات الأطراف السياسية المشاركة واستحقاقها الانتخابي، وأن تكون حكومة شاملة وقوية وموحدة.
وفي لقائها مع قوباد طالباني استمعت رومانوسكي إلى وجهة نظر الاتّحاد الوطني بشأن تشكيل الحكومة، حيث قال القيادي في الاتّحاد إنّ لدى الأخير “رؤية خاصة حول تشكيل الحكومة وهو منفتح بوجه جميع الأطراف التي لديها رؤية متقاربة حول هذه العملية”، مشيرا إلى أنّ “الاتحاد الوطني يعمل على تشكيل حكومة وطنية ومسؤولة إزاء جماهير الشعب تعمل بعدالة وبصورة متوازنة بناء على مبدأ الشراكة الحقيقية”.
ويتضمّن كلام طالباني إشارة إلى عدم رضا الاتحاد عن شراكته مع الديمقراطي في قيادة الإقليم والتي يصفها بغير العادلة، رافعا من سقف مطالباته بما يتجاوز حجمه الانتخابي الأمر الذي قد يعقدّ مفاوضات تشكيل الحكومة ويطيل أمدها.
وعلقت رومانوسكي على لقاءاتها مع القادة الثلاثة بالحزبين، وكتبت في حسابها بمنصّة إكس إثر لقائها مسعود بارزاني “اجتماع مثمر مع رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني لمناقشة الجهود الرامية إلى تشكيل الحكومة دون تأخير بعد استكمال إجراءات الانتخابات”، مؤكّدة “سوف نواصل العمل مع شركائنا في إقليم كردستان العراق من أجل تعزيز الأمن والاستقرار والسيادة العراقية”.
كما كتبت إثر لقائها مسرور بارزاني “سُررت باللقاء مع رئيس حكومة إقليم كردستان العراق للتأكيد على دعم الولايات المتحدة لتشكيل سريع لحكومة شاملة تستجيب لاحتياجات مواطني إقليم كردستان العراق”.
وعلقت على لقائها قوباد طالباني بالقول “أجريت لقاء بنّاءً مع نائب رئيس حكومة إقليم كردستان العراق لمناقشة الجهود الرامية إلى الإسراع بتشكيل الحكومة وتبني إصلاحات البيشمركة”، مضيفة “وجود حكومة إقليم قوية ومرنة أمر ضروري لضمان أمن واستقرار وسيادة العراق ومواجهة التهديدات التي تتعرض لها المنطقة”.
وتقيم الولايات المتحدة علاقات متينة مع سلطات الحكم الذاتي الذي كانت قد ساهمت بشكل فاعل في إرسائه بإقليم كردستان العراق، لكن العلاقة مع الأخير والاهتمام باستقراره يحظى أيضا بدعم غربي أوسع نطاقا.
◄ تقرير أوروبي يعتبر إجراء الانتخابات في الإقليم مؤشرا على الرغبة القوية لدى سكانه في الحياة الطبيعية والاستقرار
وورد في تقرير أوروبي بشأن الاستحقاق الانتخابي في الإقليم وما ترتّب عليه أنّ الانتخابات التي جرت في كردستان العراق مؤخرا تحمل آثارا مهمة على مستقبل الإقليم والسياسة الأميركية الأوسع في المنطقة، مشيرا إلى أنّ تنظيم الاستحقاق بحدّ ذاته جاء وسط اضطرابات إقليمية واحتمالات حرب واسعة، لكنه عكس الرغبة القوية لدى الأكراد في الحياة الطبيعية والاستقرار، بالإضافة إلى رغبتهم في البقاء بعيدا عن الأعمال العدائية الإقليمية المتصاعدة.
وذكر التقرير الذي نشره موقع نشرة أوراسيا الأوروبي أن “قدرة الإقليم على تشكيل حكومة مستقرة تمثل أهمية شديدة ليس فقط لحكمها، وإنما أيضا للمصالح الإستراتيجية الأميركية الأوسع في العراق وفي منطقة الشرق الأوسط”.
ورأى أنّه من خلال المساعدة في عملية تشكيل حكومة الإقليم، فإن واشنطن ستعبّر بذلك عن تجديد التزامها بالشراكة مع الأكراد وتقوية استقرار الإقليم دون أيّ تكلفة من حيث الموارد والأرواح.
كما حذّر من وجود خطر خارجي حقيقي على استقرار كردستان العراق تجلّى في محاولة إيران والقوى الوكيلة لها من خلال خليط من الحرب القانونية والضغوط الاقتصادية والمالية والمناورات السياسية، أن تقوض الدعائم الاقتصادية للإقليم والتحكم بديناميكياته السياسية الداخلية الأمر الذي ساهم في تصعيد التوترات الداخلية في الإقليم.