تشكيك في صدقية تعليق الإصلاحات القضائية في إسرائيل

لم يبدد تعليق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للتعديلات القضائية المثيرة للجدل والدخول في مفاوضات مع المعارضة لإيجاد حل وسط حماسة الشارع المتوجس من الخطوة التي اعتبرها مناورة لتهدئة الاحتجاجات.
القدس - تشكك أحزاب المعارضة الإسرائيلية ومنظمات المجتمع المدني في جدية تعليق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للإصلاحات القضائية المثيرة للجدل والدخول في مفاوضات للتوصل إلى حل وسط يرضي الجميع.
ووصف أكاديميون ومحللون إسرائيليون إعلان نتنياهو تعليق المصادقة على إصلاح القضاء بأنه خداع للشارع، وأنه يريد في أفضل الأحوال تهدئة مؤقتة، ما قد يكون له تأثيرات على الاحتجاجات والحكومة.
وتشير توقعات المحللين إلى أن الاحتجاجات التي اندلعت قبل 12 أسبوعا، ويشارك فيها عشرات الآلاف من الإسرائيليين، ستستمر ضد التعديلات التشريعية المضمنة في خطة إصلاح القضاء التي تدعمها حكومة نتنياهو.
وتتضمن التعديلات بنودا تحد من المراجعة القضائية لتشريعات الكنيست (البرلمان)، وسيطرة الحكومة على تعيينات القضاة، وإلغاء تدخل المحكمة العليا في الأوامر التنفيذية، وتحويل المستشارين القانونيين بالوزارات إلى معينين سياسيين.
ومساء الاثنين أعلن نتنياهو على وقع التظاهرات الحاشدة والإضرابات الواسعة عن تعليق مصادقة الكنيست على قوانين إصلاح القضاء لإفساح المجال أمام حوار مع المعارضة، لكنه قال إنه “لن يتنازل عنها".
ومد نتنياهو يده للحوار لكن مع التهديد بقوله “من هنا أود أن أناشد أنصار المعسكر الوطني: لدينا أغلبية في الكنيست للقيام بذلك بمفردنا، مع دعم هائل بين الناس” في إشارة إلى قدرة الحكومة على تمرير التشريعات بالكنيست.
وأضاف “تعترف الغالبية العظمى من الجمهور بضرورة الإصلاح الديمقراطي للنظام القضائي، لن نسمح لأحد بسلب الشعب حرية اختياره، ولن نتخلى عن المسار الذي انتخبنا لأجله، سنبذل قصارى جهدنا للتوصل إلى اتفاق”.
وردا على تكهنات بإمكانية اندلاع حرب أهلية، تابع “لا يمكن أن تكون هناك حرب أهلية، يسير المجتمع الإسرائيلي في مسار تصادمي خطير، نحن في خضم أزمة تهدد الوحدة الأساسية بيننا، هذه الأزمة تتطلب منا جميعا التصرف بمسؤولية".
ومساء الثلاثاء أطلق الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ مشاورات مع الأحزاب الممثلة في الكنيست (المشاركة بالحكومة والمعارضة)، بما فيها الأحزاب العربية، للتوصل إلى صيغة متفق عليها تنهي الخلاف.
وقالت القناة 12 العبرية (خاصة) إن الاجتماع شارك فيه ممثلون عن أحزاب ليكود قائد ائتلاف الحكومة بزعامة نتنياهو، و”هناك مستقبل” بقيادة رئيس المعارضة يائير لابيد، و”المعسكر الرسمي” برئاسة الوزير السابق بيني غانتس.
ولم يكشف الطرفان الحكومي والمعارض عما خلص إليه الاجتماع الذي عقد بمنزل هرتسوغ، فيما أشارت وسائل إعلام إلى أنه من المقرر أن يجتمع الأسبوع الجاري مع ممثلي أحزاب أخرى من الائتلاف الحاكم والمعارضة.
وهذه المرة الثانية التي يتدخل فيها الرئيس الإسرائيلي في الأزمة الحالية، إذ قدم في وقت سابق خلال مارس الجاري صيغة لحل وسط بين الحكومة والمعارضة، ورغم قبول المعارضة فقد رفضتها الحكومة.
ويرى نائب رئيس جامعة تل أبيب البروفيسور إيال زيسر أن “القرار كان هدفه فقط تهدئة الأوضاع، فلا أحد يثق بنتنياهو، وقرار تعليق التشريعات مؤقتا ليس نهاية الحكاية، إنما من الممكن أن تكون نهاية البداية ليس أكثر من ذلك".
ويشير زيسر إلى وجود رأيين بإسرائيل “الأول يقول إن نتنياهو ما بعد الهبة في الشارع يريد أن يقول للناس لقد فهمت رسالتكم وستكون هناك مفاوضات، لكن بالنهاية لن يحصل شيء، أو أنه سيقدم بعض الخطوات القليلة".
وأما الرأي الأخر، وفق البروفيسور الإسرائيلي، فهو “تهدئة الأوضاع (بتراجع الاحتجاجات)، وأن يهدئ النفوس، ومن ثم سيعود إلى نفس الموقف الحالي في الصيف، نحن نعرف نتنياهو".
وكان مقررا تمرير خطة إصلاح القضاء خلال دورة الكنيست الشتوية التي تنتهي في الثاني أبريل المقبل، لكن بعد قرار نتنياهو تأجلت مناقشتها إلى الدورة الصيفية، التي تبدأ في الثلاثين من الشهر نفسه وتستمر 3 أشهر، وفق موقع الكنيست.
ويقول المحلل بصحيفة هآرتس العبرية يوسي فيرتر “يعرف كل من عاش هنا (بإسرائيل) في العقود الأخيرة، أنه لا يمكن الوثوق بتصريح لنتنياهو، فوعوده تنتهي صلاحيتها في اللحظة التي تقال فيها".
◙ قادة الاحتجاجات في إسرائيل يعتزمون تنظيم تظاهرات حاشدة في تل أبيب والقدس ومدن أخرى للمطالبة بإلغاء خطة إصلاح القضاء وليس فقط تجميدها
وأضاف فيرتر "في الأسابيع القريبة القادمة المليئة بالأعياد، سيكون بالإمكان فحص نوايا رئيس الحكومة، هذا لن يكون معقدا جدا، ربما سيتلاشى الاحتجاج قليلا، ويستريح ويستجمع قوته قبل دورة الكنيست الصيفية".
وعلى أثر إعلان نتنياهو تعليق خطته أعلنت 34 منظمة احتجاجية في إسرائيل مساء الثلاثاء عن الاستمرار في التظاهرات ضد خطة إصلاح القضاء، مؤكدة أن الإسرائيليين لن يسقطوا في ما سموه “خداع” رئيس الوزراء.
ونقلت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية عن 34 من بين حوالي 130 منظمة احتجاجية قولها إن “المفاوضات التي يجريها لابيد وغانتس (مع الائتلاف الحكومي) لا تمثلنا”.
وعن تأثير الاحتجاجات الحالية على تماسك الحكومة الإسرائيلية، يرى زيسر أن “ما يجمع الحكومة الحالية هو التطرف، وفي داخل ليكود يعرفون تماما أن عليهم أن يتبعوا نتنياهو، إذ لم يعد للحزب زعيم بديل". كما أن "الشركاء في الحكومة الإسرائيلية (الأحزاب المشاركة في الائتلاف)، ليس لديهم أي رأي بديل، لذلك فإن هذه الحكومة ستبقى لمدة".
وأما الإشكالية التي قد تواجهها حكومة نتنياهو، وفق زيسر، فهي “حال بروز خلافات بينه وبين أحد الأحزاب الشريكة بحكومته، إذ أنه تحت ضغط داخلي وخارجي قد يقبل نتنياهو ببعض الخطوات، لكن المتطرفين بحكومته لن يقبلوا”.
ويؤيد قطاع واسع من الإسرائيليين استمرار الاحتجاجات التي باتت الوسيلة لفرض إرادة الشارع، إذ قال المحلل السياسي ناحوم بارنياع “ماذا يعمل الناس في الحوار؟ يتحدثون. دوائر خطاب. وماذا بعد ذلك؟ لا شيء".
وأضاف بارنياع، في مقال بصحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، الثلاثاء “بدون الاحتجاجات في الشارع، كانت التشريعات ستمر بهدوء، مثل السكين في الزبدة".
وتابع “لقد ولّد احتجاج الضباط (الاحتياط)، تحذير وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، وولدت إقالته الخروج الجماهيري الفوري إلى الميادين في كل البلاد".
ويعتزم قادة الاحتجاجات في إسرائيل تنظيم تظاهرات حاشدة في تل أبيب والقدس والعديد من المدن الأخرى السبت المقبل للمطالبة بإلغاء خطة إصلاح القضاء وليس فقط تجميدها.