تشريع في سوريا يحرم معارضي الأسد من ممتلكاتهم نهائيا

منتقدون يؤكدون أن القانون يستهدف معاقبة معارضي الرئيس السوري وحرمانهم من أملاكهم وعقاراتهم كما أنه لا يخلو من حسابات اقتصادية.
الاثنين 2023/12/11
أداة بيد السلطة التنفيذية

دمشق - يثير قانون أقره مجلس الشعب السوري ويتعلق بإدارة واستثمار الأموال المنقولة وغير المنقولة المصادرة، ردود أفعال واسعة، لما يشكله وفق منتقديه من انتهاك لحقوق المواطنين ونهب أموالهم. ويقول منتقدو القانون إنه يستهدف معاقبة معارضي الرئيس بشار الأسد، وحرمانهم من أملاكهم وعقاراتهم، كما أنه لا يخلو من حسابات اقتصادية في علاقة بتحصيل إيرادات لخزينة الدولة الفارغة.

وصادق مجلس الشعب الذي يمثل السلطة التشريعية في سوريا، مؤخرا، "بالأكثرية على مشروع القانون المتعلق بإدارة واستثمار الأموال المنقولة وغير المنقولة المصادرة بموجب حكم قضائي مبرم، وأصبح قانونا، وتتولى وزارة المالية بموجبه إدارة واستثمار الأموال المنقولة وغير المنقولة المذكورة عدا الأراضي الواقعة خارج المخططات التنظيمية، وتكون إدارتها واستثمارها لوزارة الزراعة والإصلاح الزراعي".

وبحسب وكالة الأنباء السورية الرسمية “سانا”، فإن رئيس الوزراء يتحكم "بملكية الأموال المصادرة بحيث يمكنه نقلها إلى الجهات العامة ذات الطابع الإداري دون مقابل بناء على طلب الوزير المختص، دون أن تترتب على ذلك أي ضريبة أو رسم، وبمقابل (لم يحدد) يؤول إلى الخزينة العامة في حال نقل الملكية إلى الجهات العامة ذات الطابع الاقتصادي".

وكانت عضو مجلس الشعب السوري غادة إبراهيم قالت "إن الغاية من القانون أن تعود ملكية هذه الأموال إلى الدولة لاستثمارها بما يحقق عوائد لخزانة الدولة وبالتالي ينعكس ذلك إيجابا على المواطنين، وخصوصا أن هذه الأموال كانت تصادر سابقا ولا تستثمر وتبقى على وضعها الراهن”. لكن منظمات حقوقية على غرار الشبكة السورية لحقوق الإنسان، رفضت تلك التبريرات، معتبرة أن القانون ينتهك حقوق المواطن السوري وينهب أمواله.

وأوضحت الشبكة السورية في تقرير لها أن القانون جاء وفق إستراتيجية وسياسة مدروسة، عمِل النظام السوري على ترسيخها وتوسيعها منذ مارس 2011 عبر عمليات مصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة لشرائح واسعة من الشعب السوري، وفي مقدمتهم المعتقلون تعسفيا والمختفون قسريا في مراكز احتجازه ومئات الآلاف من المطلوبين والملاحقين من المشردين قسريا من خلال إصدار قرارات حجز ومصادرة إدارية وقضائية بكثافة، وقد توجت هذه الممارسات أخيرا بتنظيم إدارة الاستفادة والاستثمار من هذه المصادرات عبر استصدار قانون خاص بها.

فضل عبدالغني: القانون تعسفي وينتهك العديد من حقوق الإنسان
فضل عبدالغني: القانون تعسفي وينتهك العديد من حقوق الإنسان

وقال مدير الشبكة فضل عبدالغني "إن هذا القانون التعسفي الذي ينتهك العديد من حقوق الإنسان يأتي بعد أن أنفق النظام السوري موارد الدولة السورية من أجل بقائه في الحكم، وبعد أن نهبت قواته المدن والبلدات التي أعاد السيطرة عليها، فهو بحاجة إلى قوانين إضافية لنهب أموال المواطنين، ويضاف هذا القانون إلى ترسانة من القوانين تصب في هذا السياق، مثل قوانين السيطرة على الأراضي والملكية، وابتزاز أهالي المختفين قسريا".

وشدد عبدالغني على أنه يجب إدانة القانون وفضحه ورفض أي إجراءات ناجمة عنه. وبحسب تقرير الشبكة، فإن أحكام القانون ستطبق بأثر رجعي على الأموال المنقولة وغير المنقولة المصادرة بموجب حكم قضائي مبرم سواء صدر الحكم قبل نفاذ هذا القانون أم بعده. وبالتالي فإنه ينتهك بذلك مبدأ عدم رجعية القانون ولا يقتصر مبدأ عدم رجعية القانون على تعريف أو تحديد الجرائم والجنح، بل ينطبق على درجة العقوبات والأحكام الناتجة عن ذلك.

وأضاف التقرير "يزداد التشدد في عدم الرجعية وصون هذا المبدأ بأوقات النزاع كما في حالة سوريا وبالتالي لا يجوز للقانون الجديد أن يفرض عقوبات أعلى كما في عدم الاكتفاء بمصادرة الأموال ومنع التصرف بها، بل واستخدامها أيضا من قبل السلطة التنفيذية". وذكر التقرير أنه وفق القانون الجديد ستؤول ملكية الأموال المصادرة وحق التصرف بها إلى مؤسسات الدولة ويشكل هذا الإجراء خرقا لكافة القوانين التي تحمي الملكية سواء في الدستور أو القوانين المحلية وحتى القانون الإنساني الدولي والقانون العرفي الدولي والإعلان العالمي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

ووفقا للتقرير، فإن هناك إمكانية لاكتساب قرارات الحجز الاحتياطي التي صدرت عن وزير المالية صفة القرار القضائي، وعلى اعتبار عدم تمكن الغالبية العظمى ممن شملتهم هذه القرارات من سلك الطرق القانونية لإزالة الحجز وانتهاء مدة الطعن المحددة بثمانية أيام فقط من تنفيذ الحكم بالحجز في معظم هذه القرارات التي صدرت طوال السنوات السابقة فإنها ستؤول لتكون أحكاما قضائية مبرمة.

وتم توثيق ما لا يقل عن 68 جهة تنفيذية وقضائية في سوريا أصدرت قرارات توزعت بين قرارات خاصة في تجميد الأموال المنقولة وغير المنقولة، وقرارات حجز تنفيذي، وقرارات حجز احتياطي، وقرارات منع التصرف، وقرارات في وضع إشارة حجز وتجريد، ومصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة.

ومازال قرابة 135638 ألف مواطن سوري قيد الاعتقال التعسفي أو الاختفاء القسري، في مراكز الاحتجاز التابعة لقوات النظام السوري منذ 2011 وحتى 2023، أحيل جزء منهم إلى المحاكم الاستثنائية وصدرت بحقهم أحكام بمصادرة أموالهم المنقولة وغير المنقولة، معظمها كانت كأحكام مضافة لعقوبتهم الأصلية بالسجن أو الإعدام.

وتعتقد الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن النظام السوري قد أصدر أحكاما سرية ضد الغالبية العظمى الآخرين لذلك فإن المعتقلين والمختفين قسريا عامةً هم من أوائل الضحايا الذين سيجردهم القانون المتعلق بإدارة واستثمار الأموال المنقولة وغير المنقولة المصادرة بموجب حكم قضائي مبرم من حقوقهم في ملكياتهم وأموالهم بشكل نهائي.

وتقول الشبكة إن سياسة التشريع في سوريا جُردت من كافة المعايير الضابطة للتشريعات وخاصة المرتبطة بالنزاع، وانتهكت القواعد الدستورية والقانونية في الكثير من التشريعات حيث تفتقر السلطة التشريعية المتمثلة بمجلس الشعب للاستقلالية وتتحكم بها بشكل كامل السلطة التنفيذية حتى على صعيد اختيار أعضائها، فضلا عن التحكم في القوانين الصادرة عنها.

2