تشدد جزائري يقلل فرص تسوية ملف الذاكرة

عبدالمجيد تبون: الملف لا يتآكل بالتقادم أو التناسي ولا يقبل التنازل والمساومة.
الخميس 2024/05/09
النظر إلى العلاقات من زاوية ضيقة

تواصل السلطة الجزائرية تمسكها بموقفها تجاه ملف التاريخ والذاكرة المشتركيْن مع فرنسا، حيث أكدت أنه لا يقبل المساومة، وهو ما يعتبره مراقبون تشددا واضحا يقلل من فرص تسوية الملف الشائك، رغم إطلاق البلدين منذ فترة للجنة مشتركة من مختصين ومؤرخين تعكف على إيجاد مخرج مرض للطرفين.

الجزائر - أكد الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون على أن بلاده لا تقبل التنازل ولا المساومة حول ملف الذاكرة في العلاقات مع فرنسا إلا إذا تمت معالجته بطريقة نزيهة ومنصفة، ما يظهر تعنتا من السلطة الجزائرية يعيق الجهود المبذولة في تسوية الملف.

ويأتي تصريح الرئيس الجزائري في خضم مناخ دبلوماسي متذبذب بين البلدين، حيث تنتظر الجزائر زيارة وزير خارجية فرنسا ستيفان سيجورنيه، بينما كانت زيارة تبون لباريس مبرمجة الخريف القادم قبل أن يتقرر تقديم موعد الانتخابات الرئاسية إلى شهر سبتمبر المقبل.

وأكد عبدالمجيد تبون، في رسالته بمناسبة ذكرى مجازر الثامن من مايو 1945، أن “ملف الذاكرة لا يتآكل بالتقادم أو التناسي ولا يقبل التنازل والمساومة، وسيبقى في صميم انشغالاتنا حتى تتحقق معالجته معالجة موضوعية ومنصفة للحقيقة التاريخية”، مما يؤكد تمسك الجزائر بموقفها تجاه ملف التاريخ والذاكرة المشتركة مع الفرنسيين، رغم إطلاق البلدين للجنة مشتركة من مختصين ومؤرخين تعكف منذ عدة أشهر على إيجاد مخرج مرض للطرف في الملف.

تصريح الرئيس عبدالمجيد تبون، يأتي في سياق دبلوماسي يطبعه التذبذب والتردد بين الجزائر وفرنسا

وتأتي رسالة تبون، في سياق دبلوماسي يطبعه التذبذب والتردد بين الجزائر وفرنسا، خاصة في ظل هيمنة رؤية بعض النخب السياسية والأهلية في فرنسا، تفيد بعدم الاستعداد لتقديم تنازلات للطرف الجزائري، وتصر على القراءة التاريخية والسياسية التي تعتبر التواجد الفرنسي خارج الحدود أمرا إنسانيا وحضاريا، خاصة في قارتي أفريقيا وآسيا، بما في ذلك الجزائر التي خاضت حربا تحريرية ضروسا من أجل تحرير البلاد.

وشدد الرئيس الجزائري في كلمته، على “أننا نتوجه نحو مستقبل في أجواء من الثقة..، المصداقية والجدية مطلب أساسي لاستكمال الإجراءات والمساعي المتعلقة بهذا الملف الدقيق والحساس وما يمثله لدى الشعب الجزائري الفخور بنضاله الوطني الطويل وكفاحه المسلح المرير، والوفي للشهداء ولرسالة نوفمبر الخالدة”.

وأضاف تبون: “عناية الدولة بمسألة الذاكرة ترتكز على تقدير المسؤولية الوطنية في حفظ إرث الأجيال من أمجاد أسلافهم، وتنبع من اعتزاز الأمة بماضيها المشرف ومن تضحيات الشعب في تاريخ الجزائر القديم والحديث لدحر الأطماع وإبطال كيد الحاقدين الذين ما انفكوا يتوارثون نوايا النيل من وحدتها وقواتها وما زالت سلالاتهم إلى اليوم تتلطخ في وحل استهداف بلادنا”.

وتابع: “نحتفي في الثامن من مايو باليوم الوطني للذاكرة، وفي هذه الذكرى تعود إلى أذهاننا مجازر 8 مايو 1945، التي أقدم على اقترافها الاستعمار بأقصى درجات الحقد والوحشية لإخماد سيرورة مد نضالي وطني متصاعد أدى إلى مظاهرات غاضبة وعارمة، انتفض خلالها الشعب الجزائري آنذاك معبرا عن تطلعه إلى الحرية والانعتاق، وكانت إعلانا مدويا عن قرب اندلاع الكفاح المسلح في الفاتح من نوفمبر سنة 1954”.

ويأتي هذا الخطاب مثيرا للشكوك حول قدرة الطرفين على تجاوز ملف التاريخ والذاكرة المشتركيْن، رغم النوايا التي أبداها الطرفان بمناسبة زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للجزائر في صيف العام 2021، أين تم الإعلان عن تشكيل لجنة مشتركة تتألف من مختصين ومؤرخين، وتضطلع بإيجاد مخارج مرضية للطرفين، لكن العراقيل على ما يبدو تعترض مسار عمل اللجنة، بسبب ما وصف بـ”الأعمال الاستفزازية التي تتعمدها بعض الأطراف الفرنسية، حيث رفضت باريس تسليم الجزائر أغراض الأمير عبدالقادر، كما تستعد بلدية نانسي لإقامة تمثال للعقيد مارسيل بيجار، المعروف بتاريخه الدموي في الجزائر وفيتنام”. 

عبدالمجيد تبون يطالب بالمصداقية في التعاطي مع ملف الذاكرة
عبدالمجيد تبون يطالب بالمصداقية في التعاطي مع ملف الذاكرة

وكان ناشطون فرنسيون ورعايا جزائريون يقيمون بمدينة نانسي شمال شرق فرنسا، قد احتجوا على مسعى سلطات المدينة إقامة تمثال للعقيد المذكور، تخليدا لمآثره، رغم ما ارتكبه من مجازر وأعمال دموية في الجزائريين، بما فيهم القائد والمناضل التاريخي الجزائري العربي بن مهيدي، الذي مارس عليه شتى أصناف التعذيب حتى الموت، فضلا عن المجازر التي ارتكبها في الهند الصينية.

وفي نداء وجهه هؤلاء للسلطات المحلية، أعلنوا عن تنظيم تجمع يوم 25 مايو الجاري للاحتجاج على القرار، مؤكدين أن “فرنسا اعتمدت خلال حروبها الاستعمارية في الجزائر والهند الصينية، التعذيب كنظام للترويع وإخضاع السكان، مثلما يظهره مؤرخون في أعمالهم”.

 وأكدوا على أن “فرنسا لازالت تصارع من أجل إخفاء ماضيها الاستعماري ونظامها العنصري، الذي هو مصدر جميع الانتهاكات العنصرية التي يعاني منها مجتمعنا حاليا، وأن مساعي إقامة تمثال للسفاح بيجار في المدينة، هو استحضار لهذا الماضي الاستعماري بما يحمله من مآس”.

وتتبنى جمعية “بيجار” التي تديرها أرملته منذ وفاته في سنة 2010، والناشطة في المدينة، مشروع التمثال، وتمارس ضغوطا على سلطات نانسي من أجل إقامته، الأمر الذي يكرس الرؤية التاريخية التي لازالت تعيق أي مسار لتسوية الملف بين البلدين.

 

اقرأ أيضا:

         • سُعارٌ عُضالٌ… خيال مُخابرات الجزائر في مقال

4