تشدد السلطة في الجزائر يثير مخاوف ضياع مكاسب التعددية السياسية

يتنامى منسوب القلق السياسي والشعبي في الجزائر من مزيد تشدد السلطة التي يقودها الرئيس عبدالمجيد تبون، ما قد يؤدي إلى خسارة مكاسب التعددية الحزبية والسياسية في البلاد.
الجزائر - رسم حزب جيل جديد المعارض في الجزائر، صورة سوداوية عن أفق العمل السياسي في البلاد، وأعرب عن مخاوفه من ضياع مكاسب التعددية السياسية، في ظل ما أسماه بتشدد السلطة، وفرض رأيها في إدارة الشأن العام، رغم ما للخطوة من مخاطر على الاستقرار وتماسك الجبهة الداخلية أمام التحولات الإقليمية والدولية المتسارعة.
وحذر حزب “جيل جديد” الجزائري المعارض، خلال دورة مجلسه الوطني، من توجه دمقرطة الحياة السياسية في البلاد إلى نهايتها، في ظل إصرار السلطة على التلاعب بالمشهد السياسي، وانحرافات بعض الأحزاب السياسية خلال العقود الثلاثة الماضية.
وأوعز الوضع إلى ما أسماه، بـ”الطبيعة الأمنية خلال حقبة التسعينات” التي أفرزت توجها معينا من الطبقة الحزبية، وبـ”الطبيعة الزبائنية والانتهازية” خلال العقدين المواليين، في إشارة إلى المشهد السياسي الذي أفرزته حقبة الرئيس الراحل عبدالعزيز بوتفليقة.
وفي بيان وصل “العرب”، ذكر بأن السلطة أظهرت عزمها على إنهاء ما تبقى من النشاط السياسي الحر والمستقل، مركزة في ما تبقى من الأهداف على استمرار ممارسة الدولة التقليدية الامتثالية، على الرغم من أن هذه الأخيرة غير قادرة على تقديم حلول للمشاكل البنيوية الحقيقية للبلاد.
تراجع دور الطبقة الحزبية والمجتمع المدني بالجزائر بشكل لافت أمام تشدد السلطة المستقوية بالوعاء الشعبي
وتراجع دور الطبقة الحزبية والمجتمع المدني بالجزائر بشكل لافت خلال السنوات الأخيرة، أمام تشدد السلطة المستقوية بالوعاء الشعبي المستقل، فحتى ما يعرف بأحزاب الموالاة لم يعد لها دورا في تعبئة أو صناعة الرأي العام، أما أحزاب المعارضة فتتجه إلى الاندثار، بسبب التضييق الممنهج على الحريات السياسية والإعلامية.
وخلال الاستحقاقين الرئاسيين الأخيرين تقدم الرئيس تبون، إلى الجزائريين كمرشح مستقل، يمثل “الشباب ومختلف الفئات الاجتماعية”، بحسب تصريحه المتكرر، كما رفض أن يكون مرشحا أو ممثلا لأي حزب أو تيار سياسي معين، الأمر الذي أبعد الأحزاب السياسية حتى الموالية عن واجهة المشهد.
ومنذ ولايته الرئاسية الأولى عمد إلى إطلاق العنان للمجتمع المدني، بغرض أن يكون شريكا للسلطة، فظهرت طبقة جديدة من الجمعيات والتنظيمات المحلية والوطنية، الأمر الذي دحرج الطبقة السياسية إلى الخلف، رغم عدم رضاها عن دفعها إلى التفريط في دورها الطبيعي.
وقال بيان الحزب، بأنه “رغم وعود الحوار وطني الذي أعلنه رئيس الجمهورية، مع أنه تم تأخيره إلى أجل غير مسمى، إلا أن الأحزاب السياسية، في الواقع، مهمشة ومحكوم عليها بأن تختزل إلى مجرد ملحقات إدارية، أو أدوات للدعم بالنسبة لجزء منها أو أن توضع في حالة جمود ضمني بالنسبة لجزء آخر.”
وأضاف: “إن إقصاء جميع الأحزاب السياسية من خلال تشكيل حكومة تكنوقراطية والتسيير المركزي المفرط لكل مؤسسات البلاد، بما في ذلك تلك التي يفترض أن تنبثق من الاختيار الشعبي، يعكسان موقفا سلبيا، بل ومعاديا، تجاه أي سلطة مضادة.”
إرجاء تبون للحوار السياسي الشامل الذي وعد به في خطاب التنصيب لولاية ثانية شكّل مؤشرا على عدم جدية السلطة في الذهاب إلى انفتاح سياسي
وتابع: “لم تعد الانتخابات سوى صورة شكلية زائفة للديمقراطية. فقد أدى التزوير المؤسس والانتقاء النشط للوكلاء السياسيين على أساس انصياعهم ورداءتهم إلى عزوف الجزائريين عن الانخراط في الحياة السياسية والمدنية، مع أنه ضروري لانسجام الأمة وبناء دولة القانون.”
ولفت بشأن وضع الإعلام في البلاد، إلى أنه وبعد أن جردت من تأثيرها بفعل لعبة الإعانات المالية والضغوط متعددة الأشكال، صارت وسائل الإعلام اليوم، موضوعيا وأخلاقيا، في وضع حرج بحيث لم تعد قادرة على القيام بدورها. لقد فقدت مصداقيتها ولم يعد لها أي تأثير على الرأي العام، متنازلة بفضائها الإعلامي للعدمية وللمؤثرين المرتزقة المقيمين في الخارج.
وخلص إلى أن الاستقالة الشعبية، فقدان الثقة في العمل السياسي، والعودة إلى الخطاب الواحد المتزلف، وغياب أي هامش للخطاب المضاد، تؤشر إلى بلوغ المحطة الأخيرة من فشل الدورة الديمقراطية التي فتحتها أحداث أكتوبر 1988.
ودعا الحزب من أسماهم، بـ”الوطنيين، من الأحزاب أو من غيرها”، إلى الانطلاق في نقاش جدي للتوصل إلى رؤية للمستقبل يمكن الدفاع عنها بشكل جماعي لدى المؤسسات الوطنية بهدف التجديد الديمقراطي، قادرة على تشكيل قاعدة انطلاق جديدة تبنى على قواعد سليمة وشفافة تهدف أولا وقبل كل شيء إلى تحقيق الانسجام الوطني والتحديث الفعلي للبلاد.
وباتت المبادرات السياسية تطلق بشكل محتشم في الجزائر، فقد سبق لحركة مجتمع السلم، ولجبهة القوى الاشتراكية، المشاركتين في الانتخابات الرئاسية الأخيرة، أن أطلقتا مبادرتين سياسيتين إلا أنهما فشلتا في تحريك المشهد الحزبي والسياسي، ولا يستبعد أن تلقى مبادرة حزب جيل جديد نفس المصير، في ظل الغموض الذي يكتنف الوضع العام في البلاد.
وشكل إرجاء الرئيس تبون، للحوار السياسي الشامل الذي وعد به في خطاب التنصيب لولاية ثانية، مؤشرا على عدم جدية السلطة في الذهاب إلى انفتاح سياسي واتخاذ خطوات تهدئة، رغم الأصوات المتصاعدة من أجل تمتين الجبهة الداخلية في ظل الأخطار الإقليمية والدولية المتصاعدة.
ولا زالت السلطة تصر على عدم الاعتراف بوجود معتقلي رأي في سجون البلاد، وتعتبرهم مساجين قانون عام، رغم الانتقادات الشديدة التي وجهت لها من طرف منظمات وهيئات حقوقية دولية، ودعتها إلى التخفيف من تشريعات وصفتها بـ”القمعية”، والتضييق على الحريات الأساسية، كما هو الشأن بالنسبة للبند 87 مكرر من قانون العقوبات المثير للجدل.