تشبث الشاهد بالحكم لا ينهي التوافق بين النهضة ونداء تونس

تونس – تقلصت الأصوات الداعية إلى إقالة حكومة يوسف الشاهد، منذ إعلان الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي الأسبوع الماضي عن تعليق العمل بوثيقة أولويات حكومة الوحدة الوطنية بسبب عدم توافق الأطراف الموقعة عليها على النقطة 64 المضمنة بوثيقة قرطاج 2 والتي تدعو إلى ضرورة تغيير الحكومة.
وترفض حركة النهضة بقوة إقالة الحكومة معللة موقفها بأن هذه الخطوة ستضر بالاستقرار الوطني.
ويعتبر مراقبون أن يوسف الشاهد تمكّن من إنقاذ مستقبله السياسي عبر وضع كل الأحزاب والباجي قائد السبسي في مأزق بعد نجاحه في حشد كتل برلمانية وازنة ككتلة حركة النهضة وجزء من نواب نداء تونس ونواب الكتلة الوطنية مما يصعّب أمر إقالته حتى وإن حسمت كل الأحزاب المسألة بوجوب رحيله.
وتطرح الأزمة السياسية في البلاد عدة تساؤلات حول البرنامج الذي سيسير عليه يوسف الشاهد بعدما سقط مفهوم الوحدة الوطنية بفقدانه لسند سياسي كبير حتى من حزبه نداء تونس.
وأسرّت مصادر مطلعة على كواليس مفاوضات قصر قرطاج لـ”العرب” بأن كل المؤشرات تدل على تعطّل مسار مفاوضات قصر الرئاسة بشأن وثيقة قرطاج 2.
واستبعدت المصادر نفسها إمكانية العودة مجدّدا إلى النقاش حول وثيقة قرطاج 2 في ظل عدم توافق الأطراف الموقعة عليها وبسبب تحركات يوسف الشاهد التي حتّمت على الجميع القبول بالأمر الواقع لامتلاكه أسلحة دستورية -أي برلمانية- ستمكنه من المواصلة على رأس الحكومة حتى وإن جرى الاتفاق على رحيله.
وتشير كل هذه المتغيّرات السياسية في البلاد وفق العديد من الملاحظين إلى تشتيت الحكم بصفة أعمق من قبل.
ويرى هؤلاء أن الحكم سيصبح مجزأً بين يوسف الشاهد الذي سيعمل دون أي برنامج متّفق عليه من الأحزاب الفائزة في الانتخابات والباجي قائد السبسي ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي وفقا لاتفاقات لقاء باريس الشهير منتصف عام 2013.
ورغم أن الحزب الحاكم نداء تونس، أعلن حتى قبل الانتخابات المحلية الأخيرة عن فك ارتباطه السياسي بحركة النهضة الإسلامية إلا أن أسس توافق باريس بين الشيخين السبسي والغنوشي لم تهتز.
وقال عبدالحميد الجلاصي القيادي بحركة النهضة لـ”العرب” إن يوسف الشاهد تمكن من فرض معادلة سياسية جديدة تصعّب على جميع الأطراف إمكانية الحسم في بقائه على رأس الحكومة من عدمه.
وأكّد أن تعليق العمل بوثيقة قرطاج يعني التخلي عن أحد أهم مبادئها القائم على الوحدة الوطنية، مرجحا أن تواصل الحكومة العمل بالبرنامج الذي تم تسطيره في عام 2016 لدى تكليف الشاهد بتشكيل الحكومة عقب إقالة رئيس الحكومة السابق الحبيب الصيد.
وشدد الجلاصي على أن عدة أطراف كالسبسي أو نداء تونس واتحاد الشغل وجدوا هذه المرة أنفسهم في مأزق لتفاجئهم بموقف النهضة المتشبّث بيوسف الشاهد.
وأوضح أن هذا المأزق لم ينعكس على الحكومة أو البرنامج الذي ستنفذه فحسب بل أثرّ على تماسك ووحدة بعض الأطراف كنداء تونس أو اتحاد الشغل الذي يعيش بدوره تململا في صفوفه. وحول مصير توافق باريس بين الباجي قائد السبسي وراشد الغنوشي، قال الجلاصي “رغم تضارب المواقف بين الطرفين وتحديدا بين النداء والنهضة بشأن مصير يوسف الشاهد، أعتقد أن مخرجات لقاء باريس بين الشيخين ستتواصل مثل ما هو متفق عليه مسبقا إلى غاية انتخابات عام 2019 على أقصى تقدير”.
ودفعت ضبابية الوضع السياسي في تونس بعض أحزاب المعارضة، كالجبهة الشعبية وحركة مشروع تونس، إلى تجديد دعوتها إلى إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية مبكّرة.
وقال عصام الشابي الأمين العام للحزب الجمهوري (حزب منسحب من وثيقة قرطاج) لـ”العرب” إن الوضع الذي تمر به تونس خطير ودقيق لا سيما في ظل ترك المساندين لمنطق التوافق مصير البلاد مجهولا عبر عدم الحسم في مصير الشاهد أو في البرنامج الذي سيحكم عبره البلاد.
وأشار إلى أنّ مسألة الحكم في البلاد أصبحت أكثر تعقيدا بالنظر إلى عدم امتلاك رئيس الحكومة لأي برنامج اقتصادي أو سياسي قد يوصل البلاد إلى بر الأمان وإلى استحقاقات 2019.
وأكّد عصام الشابي أنه رغم الفوضى العارمة التي اكتسحت منظومة الحكم الحالية، فإن لا شيء يشير إلى إمكانية التغيير أو فك الارتباط بين حزبي الحكم (النداء والنهضة) المبني على لقاء باريس بين الشيخين السبسي والغنوشي.
وأوضح أن التونسيين أصبحوا اليوم أكثر من أي وقت مضى لا يدركون من يحكم البلاد هل هو رئيس الحكومة يوسف الشاهد أم حزبا الحكم أم أن تونس ستواصل الحكم بتوافقات لقاء باريس خصوصا مع توجيه كل الأحزاب بوصلتها إلى انتخابات عام 2019؟