تشانغ لين رجل الصين النشيط في المغرب

في سياق التحولات الجيوسياسية التي تمرّ بها المنطقة والعالم، ومع توافق في العديد من الملفات السياسية والأمنية تعمل الصّين على تدارك تأخرها في المغرب من خلال تنويع شراكتها مع الرباط، حيث تقدم عرضها عبر سفيرها بالرباط، تشانغ لين، للتعاون العملي والفعال في عدد من القطاعات الإستراتيجية كالزراعة وبناء السدود والأمن الغذائي، والخط الحديدي الثاني فائق السرعة “البراق“، مع طموح مغربي في دعم بكين للوحدة الترابية للمملكة.
تعهد الطرفان بتعزيز تعاونهما في مجالات الصحة العامة والأمن والحد من الفقر والتنمية المستدامة، ما جعل بكين تختار السفير لين، الذي مرّ على اعتماده عام وأربعة أشهر، والذي دشن حياته المهنية كموظف مدني في وزارة الشؤون الخارجية في بلاده منذ العام 1986، واستطاع أن يصنع من نفسه وجها دبلوماسيا أصيلا يعبّر بشكل حاسم عن المشروع الصيني اقتصاديا وسياسيا ودبلوماسيا.
القوة الناعمة
في النمو الاقتصادي الهائل الذي حققته على مدى العقود القليلة الماضية، تكمن معظم جاذبية الصين، إنها القصة الناجحة التي تريد بكين تعزيزها في عيون البلدان النامية، فمن الإنصاف القول إن القوة الناعمة للصين تعتمد بشكل كبير على نفوذها الاقتصادي، لكنها لا تريد أن يكون الاقتصاد فقط هو روح قوتها تلك، بل النفوذ الثقافي والسياسي والعسكري والتقني.
المغرب هو البلد الوحيد في المنطقة الذي تتوفر فيه ثلاثة معاهد كونفوشيوسية تساعد على تخريج العديد من المبعوثين المدنيين وعلى تنمية الصداقة مع الصين
وقد نتفق مع عدد من الخبراء بأن الصين تتصور القوة الناعمة بطريقة أوسع، وذلك من خلال المساعدات، وهذا يشمل الدبلوماسية الاقتصادية الماهرة ويتجلى في اتفاقيات التجارة الإقليمية الرئيسية أو توسيع المساعدة الإنمائية الرسمية ”أو دي أيه“ نحو التعاون.
صندوق أدوات القوة الناعمة في بكين يكمن في المال، فالسفير الصيني مندمج في سياسة تصور نفسها على أنها جهة دولية فاعلة مسؤولة ومفيدة للمغرب وغيره من الدول الشريكة.
أبعاد القوة الناعمة متشابكة، فالمغرب هو البلد الوحيد في المنطقة الذي يتوفر على ثلاثة معاهد كونفوشيوسية تساعد على تخريج العديد من المبعوثين المدنيين وعلى تنمية الصداقة مع الصين، لهذا كان لين واضحا عندما أشار إلى أن الصينيين يولون اهتماما خاصا للمغرب، البلد الذي يتميز باستقراره، وموقعه كمفترق طرق لعدة قارات، وآفاقه المستقبلية الواعدة.
الدراسات مجال خصب ومهم ويدعم القوة الناعمة للصين وأيضا يوفر بيئة ملائمة لتطوير العلاقات الثنائية، لهذا ساعدت السفارة في الرباط بتعليمات بكين، الطلبة المغاربة في العودة إلى الصين لاستكمال دروسهم، فلا يمكن أن تتجاهل هذه الفئة من العقول المغربية، فهي من سيعزز حضور الثقافة الصينية أكثر، كما أن المزيد من الشباب الصينيين يأتون إلى المغرب لمواصلة دراستهم، أو البحث في موضوع معين.
التسويق للغة بلاده على رأس اهتمامات السفير لين، فرغم صعوبة لغة الماندرين ولكن بالنسبة إليه، يمكن تعلّمها بالمزيد من الصبر، فإتقان اللغة هو مفتاح معرفة ثقافة البلد، كما أنه وسيلة تسمح لنا بالنظر إلى العالم بطريقة موضوعية وعقلانية، وفي إطار سياسة القوة الناعمة، يشرف لين على توجيه الصينيين في المغرب إلى محاولة معرفة مختلف جوانب العادات المحلية، لأن ذلك سيساهم في اندماجهم بشكل أفضل في البلاد ويسمح بتطوير أعمالهم وازدهاره، وأحد الأمثلة الأخرى عن القوة الناعمة هو مبادرة الحزام والطريق الصينية التي ستحدد حقبة جديدة من التفاعلات الاجتماعية والاقتصادية العالمية.
باعتباره المغرب بوابة أفريقيا، فإن مهمة لين هي تعزيز الشراكة الإستراتيجية مع هذا البلد، وهو يصف تلك الشراكة بأنها تمثل مرحلة أساسية في اتجاه تحقيق هذا الهدف، فقد وقعت الصين والمغرب اتفاقية في يناير الماضي، بشأن خطة التنفيذ المشتركة للحزام والطريق، والمغرب هو أول بلد شمال أفريقي يوقع على هذه الاتفاقية مع الصين، وسيعمل هذا الحدث باستمرار على تعميق التعاون الثنائي في مجالات البنية التحتية والاقتصاد والتجارة والاستثمار وتعزيز التآزر بين إستراتيجيات التنمية في البلدين.
مبادرة الحزام والطريق
وقّع المغرب مذكرة تفاهم لمبادرة الحزام والطريق مع الصين في يناير 2022، وهو ما يؤشر لعهد جديد من التعاون بين الصين والمغرب، وتواجد لين هو مواكبة التنفيذ المشترك للمبادرة، كون المملكة أول دولة في شمال أفريقيا تشارك فيها، والسفير له خططه حيال هذه المبادرة التي تختلف طريقة تنفيذها في المغرب عن النهج التقليدي للصين في أفريقيا، وتتمثل خطة العمل في دمج البنية التحتية القائمة، بدلاً من إطلاق مشاريع جديدة، وتركز الاتفاقية على تكوين شراكات بين اللاعبين الاقتصاديين لتطوير فرص الأعمال، مع الدافع النهائي لتوليد تأثير اقتصادي ملموس.
ويمكن اعتبار المغرب شريكاً مؤثراً في إطار مبادرة الحزام والطريق، ومن خلال تلك المبادرة يعتزم كلا البلدين تعزيز التعاون في التجارة والاستثمار والبنية التحتية والزراعة والطاقة والتمويل والعلوم والتعليم والتكنولوجيا والأمن والبحث والتطوير والصحة والصناعة، وسوف يكون لمبادرة الحزام والطريق دور فعال في التوسع والاستثمار في المغرب.
البراغماتية طريق التواصل
أفضل ما يميز علاقات الصين مع المغرب هو البراغماتية في التصرف والقرار، فالقادة الصينيون، ومن ضمنهم السفير لي، يدركون أن المغرب دولة لها علاقات متشابكة مع الدول الغربية وأميركا، لكن موقعها الإستراتيجي يجعلها رصيدًا قيمًا للصينيين ولا مشكلة تعيق التعاون والتواصل على أكثر من صعيد، علاوة على ذلك، دعمت الصين صراحة الاستقرار السياسي للمغرب، في العديد من المناسبات.
وانعكست البراغماتية في العلاقات المتطورة سنة بعد أخرى وانعكست في الزيارات الرسمية العديدة رفيعة المستوى بين البلدين وفي مواقفهما المشتركة بشأن عدم التدخل في الشؤون الداخلية، ودعم التنمية المشتركة المربحة للجانبين، والمساواة والاستقرار والتعاون. وهذا ما يسعى لتفعيله هذا السفير.
خطة العمل المشتركة بين المغرب والصين تتمثل في دمج البنية التحتية القائمة، بدلاً من إطلاق مشاريع جديدة، وتركز الاتفاقية على تكوين شراكات بين اللاعبين الاقتصاديين لتطوير فرص الأعمال
قبل أن يتولى السفير لي مهامه الدبلوماسية تم ترسيخ إقامة شراكة إستراتيجية بين البلدين ووقعا العديد من الاتفاقيات في مجموعة متنوعة من القطاعات الاقتصادية، وهو مطالب بتقوية علاقاته مع المسؤولين المغاربة سياسيا واقتصاديا وثقافيا ودبلوماسيا، فمهمته متشابكة.
والمغرب بدوره سعى لإعادة تقويم السياسة الخارجية بما يعزز من استقلالية القرار السيادي، ولكي لا يبقى رهين مزاجية بعض الشركاء الدوليين، ولهذا شدد العاهل المغربي الملك محمد السادس في أكثر من مناسبة، على أن المغرب حرّ في قراراته وخياراته، وليس حكرا حصريا على أيّ بلد، وأنه سيواصل الوفاء بالالتزامات التي تعهد بها تجاه شركائه، وينبغي ألا تعتقد الصين أن مصالحها ستتأثر.
وإذ رأى السفير الصيني في الرباط أن زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بوليسي إلى جزيرة تايوان قد خرقت الوحدة الصينية، وأن تايوان لم تكن يوما دولة، والصين وتايوان تتشاركان نفس الأمة الصينية، بالتالي فأولوية وحدة التراب الوطني مبدأ مشترك بين بكين والرباط، وهو هنا يعترف بالدعم المغربي في هذه الأزمة، وتثمنه بلده، مضيفا قوله ”ننظر معا صوب المستقبل، وسنعمل على دعم المملكة في جميع المحطات“.
منطق الدولة الواحدة الموحدة الذي دافع عنه لين تجب ترجمته إلى مواقف عملية، فبينما قيل في الكثير من الأحيان، لأسباب اقتصادية، تتخذ الصين موقفًا محايدًا بشأن ملف الصحراء، لكن مع تقدير الملك محمد السادس الذي أعلن عنه صراحة في خطابه بمناسبة “ثورة الملك والشعب” ستكون الصين مطالبة بإعادة صياغة موقفها بما يتناسب والتحولات الجارية وأيضا مع حجم التطلعات وآفاق المكاسب المربحة للبلدين معا.
تستند سياسة بكين بشأن النزاع إلى مبدأ احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها، وهذا ما دأب عليه المغرب رسميا، وتفضل الصين تسوية سياسية سلمية في إطار الأمم المتحدة، والالتزام بقرارات مجلس الأمن التي تدعو إلى مفاوضات للتوصل إلى تسوية عادلة ودائمة ومقبولة، وهنا يعترف السفير بأن ملف الصحراء هو “الملف الأساس بالنسبة إلى المغاربة، والقضية رقم واحد في المغرب، وبالنسبة إلى الصين، خلال السنوات الخمس الأخيرة صوتنا لصالح قرارات مجلس الأمن حول الصحراء، ونحن مع الحل السياسي الدائم الذي يرضي كل الأطراف المعنية بالنزاع، لكن الآن هناك متغيرات جيوسياسية تتطلب نوع من التعامل الواقعي المستجد مع هذا الملف من طرف القيادة السياسية في بكين”.
الاقتصاد ميزة التفوق
الشراكة الإستراتيجية هي جزء من محاولة المغرب لتنويع الاقتصاد وجذب أكبر عدد من الشركاء للاستثمار في البلاد والتجارة معها، فالعلاقات الاقتصادية مع الصين ليست سوى جانب واحد من رؤية المغرب العالمية لجذب الاستثمارات، وعلاقات الرباط مع بكين لا تعني فك الروابط التقليدية للمغرب مع الاتحاد الأوروبي أو الولايات المتحدة اللذين منحا المغرب صفة الحليف الرئيسي من خارج الناتو واتفاقية التجارة الحرة الموقعة في عام 2006.
وللمزيد من اكتشاف إمكانيات التعاون مع المغرب استقبل السفير الصيني في مقر السفارة عددا من المسؤولين الصينيين ورجال الأعمال من أجل البحث عن فرص للاستثمار في المغرب، بالإضافة إلى شركات تشتغل في مجالات إستراتيجية وحيوية، فبالنسبة إليه الشركات الصينية تعتبر المغرب بلدا مهما، ويتوفر على مؤهلات قوية لتشجيع الاستثمار، مثل القرب الجغرافي من أوروبا، كما أن المغرب يمتاز بوفرة الأيدي العاملة المؤهلة والمناخ المشجع، والصين ستجعل من المغرب محطة تلاقي بين القارات الثلاث والعالم العربي.
عندما كان لين يشغل منصب نائب المدير العام لمكتب الشؤون الخارجية للحكومة الشعبية لمقاطعة آنهوي بين 2014 و2017، كان شاهدا على دخول التعاون الصيني – المغربي مرحلة سريعة ومثمرة في مختلف المجالات، من بينها توقيع مذكرة التفاهم بشأن الحزام والطريق، والزيادة المستمرة للاستثمارات الصينية، ووصول أعداد كبيرة من السياح الصينيين، وإطلاق خط جوي مباشر بين الدار البيضاء وبكين، وافتتاح المركز الثقافي الصيني.
المغرب حاسم في مسألة شركائه الإستراتيجيين، فقد خط طريق التنوع في علاقاته مع الدول، وخلال السنوات العشر الأخيرة تبنى سياسة تنويع المحاور
وخلق الموقع الجيوسياسي للمغرب تأثيرًا جديدًا في إطار التعاون العالمي، وهو ما جعل الصين تصنفه شريكًا إستراتيجيًا، كما أن الوجود الصناعي الفرنسي وبعض الدول الغربية كإسبانيا وألمانيا في المغرب مهم، مما يجعل من مهمة السفير الصيني نوعا ما صعبة في تعبيد الطريق على الشركات الصينية للاندماج في السوق المغربي، والتعامل مع السلسلة الصناعية الفرنسية.
وفي ما يتعلق بتشييد السدود يعمل لين على إقناع المسؤولين المغاربة بأن بلاده يمكن أن تقدم خبرة كبيرة في هذا المجال، لكن يجب على المسؤولين المغاربة أن يثقوا في الخبرة الصّينية من أجل العمل معاً، حتى يؤمّن المغرب حاجياته من القمح والحبوب الأخرى والمياه.
والمغرب حسم في مسألة شركائه الإستراتيجيين، والملك محمد السادس خط طريق التنوع في علاقاته مع الدول، والمغرب خلال السنوات العشر الأخيرة تبنى سياسة تنويع المحاور، ولهذا يرى هذا الدبلوماسي المخضرم أن التعاون الصيني – المغربي في العديد من المجالات الاقتصادية والاستثمارية مفيد، ومكافحة كوفيد – 19 كانت مثالاً على التعاون الصادق بين البلدين، حيث قامت الصين بإيصال اللقاحات إلى المغرب رغم الصعوبات في إمداد سكانها، وسلمت قبل الموعد النهائي جميع اللقاحات التي طلبها المغرب، إضافة إلى مشروع مصنع لقاح ”سينوفارم“ الذي سيسهم في تعزيز السيادة الصحية للمغرب.