تشاؤم أميركي من استئناف المفاوضات السودانية

لا يزال الجيش السوداني يراهن على حسم عسكري للأزمة السودانية ويضع بذلك حجر عثرة أمام استئناف مفاوضات السلام مع الدعم السريع. ورغم استنجاده بإيران في محاول لقلب المعركة يتكبد الجيش خسائر كبيرة على عدة جبهات.
الخرطوم - خيّم التشاؤم على الإدارة الأميركية بشأن إمكانية استئناف المفاوضات بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع قريبا، بعد جولة من المباحثات أجراها مبعوثها الخاص للسودان توم بيرييلو، أكدت حصيلتها أن الطرفين لم يبديا استعدادًا لاستئناف التفاوض عبر منبر جدة في الأيام المقبلة بعد دعوتهما بشكل رسمي لبدء المحادثات.
وكشفت مصادر سودانية لـ”العرب” أن التشاؤم الأميركي قد يتحول إلى فتور لاحق، بما يلقي بظلاله على تحركات مبعوثها لثني الطرفين عن تغيير موقفهما، مع أن ممارسة المزيد من الضغوط أصبحت خيارا ملحّا مع الاستنفار الحاصل في مدينة الفاشر، عاصمة شمال دارفور، وما يمكن أن يفضي إليه من أزمات إنسانية جديدة.
وأكدت المصادر ذاتها أن واشنطن راهنت على عودة مفاوضات جدة عندما وجدت تجاوبا من القوى المدنية معها، ودعما من جهات إقليمية لتغيير معادلة الحرب بالعودة إلى طاولة المفاوضات، لكن جناحا متشددا داخل الجيش تلكأ لرغبته في الذهاب إلى جدة وفي جعبته نصر يحققه في معارك الفاشر، ما عطّل مهمة توم بيرييلو.
وترددت معلومات حول إمكانية استئناف مفاوضات جدة بين الجيش والدعم السريع أخيرا، وأن الطرفين تسلما دعوات رسمية لبدء جولة جديدة في مدينة جدة السعودية.
وأشارت تقارير إلى أن الثامن عشر من مايو (السبت) هو موعد استئناف المحادثات، ثم تردد أن الطرفين رفضا رسميًا ذلك، لكن وسائل إعلام محلية ذكرت أن قوات الدعم السريع وافقت على الدعوة التي تلقتها.
وأجرى وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في أبريل الماضي اتصالًا هاتفيًا مع كل من قائدي الجيش الفريق أول عبدالفتاح البرهان والدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو (حميدتي)، ودعاهما لتغليب مصلحة السودان وشعبه.
ولم يفلح الاتصال في تغيير موقف البرهان، والذي أعلن أثناء زيارته إلى جبهات القتال في ولاية نهر النيل مع ولاية الخرطوم قبل أيام عدم الذهاب إلى التفاوض قبل دحر قوات الدعم السريع، في إشارة واضحة إلى تغليب خيار الحرب على المفاوضات.
ووصلت واشنطن إلى قناعة بعد جلسات استماع سياسية وإنسانية قام بها مبعوثها مع قوى عديدة حول مسألة تقاسم السلطة بين طرفي النزاع، بأن الشراكة بينهما في الحكم سوف تقود إلى حروب أخرى، ما يستوجب تشكيل حكومة من قوى مدنية تلعب الدور الرئيسي في البلاد، وتتولى تنفيذ مهمة التحول الديمقراطي.
ويتعارض هذا الاتجاه مع ما أعلنه الجيش أو لوّح به بعض قادته بشأن التمسك بالاستمرار في السلطة وعدم مبارحتها طوال فترة انتقالية جديدة، ما يتناقض مع تطلعات القوى المدنية التي قد تفتر تحرّكاتها، يأسا وإحباطا وارتباكا وعدم قدرة على تحويل المشهد من الحرب إلى السلام، مع الانسداد الذي يواجه به الحل السياسي.
وأعلنت الولايات المتحدة عن رغبتها في ضم كل من الإمارات ومصر، بجانبها والسعودية، في منبر جدة لوقف إطلاق النار وإنهاء الصراع في السودان، لكن هذه المسألة لم تتم بلورتها في تصرفات عملية، حيث طغت تطورات الحرب في الفاشر على محاولات العودة إلى منبر جدة، كما يراهن الجيش على تطوير علاقاته مع روسيا لتغيير التوازنات العسكرية التي مالت مبكرا لصالح قوات الدعم السريع.
ومنحت الإدارة الأميركية تركيزا كبيرا للأبعاد الإنسانية لتعويض العثرات السياسية التي تواجهها، وخوفا من تفاقم الأوضاع في دارفور وعودتها لمربع الإبادة الجماعية، وما تنطوي عليه من ارتدادات على المجتمع الدولي، والولايات المتحدة تحديدا التي اعتقدت في قدرتها على تحريك الموقف نحو المفاوضات من خلال مبعوثها وما قامت به من ضغوط محدودة على طرفي الصراع، يصعب أن تجبرهما على التسوية.
وعقد توم بيرييلو لقاء مع رئيس الجبهة الثورية الهادي إدريس أخيرا بحث فيه استئناف التفاوض، والوضع العسكري والإنساني الملتهب في دارفور، والقضايا التنظيمية داخل تنسيقة القوى الديمقراطية المدنية (تقدم).
الجناح المتشدد داخل الجيش لا يزال يراهن على الحسم العسكري مع الاستنفار في الفاشر قبل أي مفاوضات
وقال عضو اللجنة التنفيذية لتنسيقية “تقدم” اللواء كمال إسماعيل إن أسباب التشاؤم الأميركي تأتي من عدم جدية طرفي الصراع لإنهاء الحرب ودخول جهات أخرى (لم يسمّها) على خط الصراع ترفض وجود حلول سياسية حاليا، وتدعم استمرارها لفترة طويلة، بجانب عدم قدرة القوى السياسية السودانية على التوحد للضغط على المجتمع الدولي نحو تفعيل أدواته لإرغام القوى المتصارعة على وقف إطلاق النار.
وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن عدم وجود أفق متين لعملية سياسية في السودان يعني فتح المجال للانتقال قريبا إلى الحرب الأهلية التي ستحرق المنطقة بأكملها، وهناك مساع للتواصل مع الولايات المتحدة والقوى الإقليمية من جانب التحالفات المدنية لاستخدام وسائل الضغط التي يمتلكونها على الطرفين، والاستعداد لتقديم كافة أشكال الدعم لمعسكر السلام والتوافق على أطر سياسية جديدة للتفاوض تتماشى مع طبيعة الأوضاع العسكرية على الأرض.
وأشار كمال إسماعيل إلى محاولات لأجل جمع شمل القوى السياسية تمضي على قدم وساق، بما يقنع المجتمع الدولي بوجود رغبة لدى جموع السودانيين لوقفها، كما أن الموقف العسكري على الأرض لا يشير إلى انتصار حاسم لأيّ من الطرفين يدعم تأجيل الذهاب إلى التفاوض إلى حين تحقيق مكاسب، خاصة من جانب الجيش.
ويفرض الجيش السوداني إجراءات بيروقراطية أمام المنظمات الإنسانية، ويعرقل وصول المساعدات إلى مناطق تُسيطر عليها قوات الدعم السريع.
وأجرى مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فولكر تورك، الثلاثاء، اتصالين منفصلين مع كل من البرهان وحميدتي حول تطورات الأوضاع الإنسانية في السودان.
ويُتهم الجيش بشن غارات جوية على أهداف مدنية في مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، أودت بحياة الكثير من المدنيين، لكن قادة الجيش يؤكدون أن الهجمات الجوية موجهة إلى مواقع للدعم السريع التي أكد قائدها احترام قواعد ومبادئ القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني ومراعاة الاحتياجات الإنسانية وحماية المدنيين.