تسوية ملفات اجتماعية تشجع موظفي التعليم على المطالبة بتحسين أوضاعهم

تعالت أصوات بعض القطاعات في تونس بعد حلحلة الحكومة لعدد من الملفات الاجتماعية المتعلقة بالتشغيل الهش، وطالبت بتسوية وضعياتها المهنية والمادية، ما عكس نوعا من العدوى القطاعية، رغم إجماع الملاحظين على صعوبة الاستجابة لكل مطالب القطاعات.
تونس - دفعت الخطوة التي اتخذتها الحكومة التونسية في الفترة الأخيرة بشأن تسوية بعض الملفات العالقة والمتعلقة أساسا بشأن آليات التشغيل الهشّ، عددا من القطاعات الأخرى إلى المطالبة بنفس الإجراءات وتسوية وضعياتها.
ويأتي هذا التحرك بعد أيام قليلة على تعهّد السلطة التونسية بتسوية ملف المدرّسين المؤقتين (النواب)، وهو ملف متوارث من الحكومات المتعاقبة بعد 2011، فضلا عن بدء الحكومة في تسوية ملف عمال الحضائر تدريجيا على دفوعات.
وترى أوساط سياسية في تونس أن هناك عدوى اجتماعية، ذلك أنه عندما يتحرك قطاع ما ويحصل على مكاسب بعد سلسلة من المفاوضات، تتحرك بقية القطاعات أملا في الحصول على مكاسب مماثلة في علاقة بوضعيتها.
وقال المنسّق الوطني للمرشدين والقيمين المتعاقدين مع وزارة التربية منصف فرحاني إنّ “المرشدين والقيمين المتعاقدين نفّذوا اليوم (أمس) الأربعاء، تحرّكا وطنيا أمام مقرّ رئاسة الحكومة بالقصبة للمطالبة بإصدار الأمر الترتيبي المتعلّق باستكمال تسوية وضعياتهم المهنية على غرار المعلمين والأساتذة النواب.”
وأوضح في تصريح لإذاعة محلية أنّ “الجميع كان يعمل وفق عقود تحت مقتضيات الأمر عدد 1046، غير أنّ وزارة التربية استثنت 1228 مرشدا وقيما متعاقدا عند إصدارها يوم 8 يناير الجاري الأمر الترتيبي القاضي بتسوية الوضعيات المهنية، لما لا يقلّ عن 25 ألف معلم وأستاذ نائب.”
وأشار فرحاني إلى “تواصل اعتصام المرشدين والقيمين المتعاقدين منذ يوم 9 يناير الجاري أمام مقرّ الوزارة مع مقاطعة العمل، إلى حين إصدار الوزارة أمرا ترتيبيا يقضي بتسوية وضعياتهم المهنية”.
ويقول متابعون للشأن التونسي إن مطالب تسوية الوضعيات الاجتماعية وإن كانت أمرا مشروعا، فإن الاستجابة لكل المطالب تستعصي على الحكومة الحالية في ظلّ الوضع الصعب للمالية العمومية.
وأفاد المحلل السياسي المنذر ثابت بأن “المالية العمومية لا تتحمل تسوية كل الوضعيات بصفة مباشرة، كما لا يمكن الاستجابة لكل المطالب في كل القطاعات دفعة واحدة، ولا بد من الأخذ بعين الاعتبار بواقع الأوضاع المالية.”
وأكد في تصريح لـ”العرب”، “يمكن للحكومة أن تدير الملف الاجتماعي، وهناك عدوى ومحاكاة متوقعة في كل مراحل التاريخ الاجتماعي، ذلك أنه عندما يتحرك قطاع ويتحصل على مكاسب تتحرك بقية القطاعات.”
ولفت ثابت إلى أن “ملف القيمين يتعلق أساسا بمطالب مادية مع تسوية الوضعية المهنية، وهي مطالب قابلة للجدولة والتفاوض وفق المقاييس المتفق حولها.”
بدورهم، نظم موظفو معهد باستور، الأربعاء، وقفة احتجاجية بساعة واحدة بالمعهد، للمطالبة بالتسريع بتسوية وضعية المتعاقدين على مشاريع البحث منذ 14 سنة، والمتعاقدين بأشكال هشة العرضيين والموسميين.
وأكد الكاتب العام للجامعة العامة للصحة حسن المازني أن “هناك مشاكل في التسيير في الإدارة العامة، إضافة إلى عدم تعاملها بجدية مع مطالب الموظفين.”
وكان موظفو معهد باستور عبّروا في لائحة مهنية عن رفضهم “لجميع أشكال التشغيل الهش وطالبوا باحترام الحق النقابي وفتح باب الحوار الجدي وإيجاد آليات ناجعة للتواصل اليومي لفض الإشكاليات العالقة والمستعجلة، فضلا عن الكف عما وصفوه بممارسات التضييق والهرسلة”.
◙ مطالب تسوية الوضعيات الاجتماعية وإن كانت أمرا مشروعا، فإن الاستجابة لكل المطالب تستعصي على الحكومة الحالية في ظلّ الوضع الصعب للمالية العمومية
ومنذ أسبوعين، قرّر الرئيس التونسي قيس سعيد تثبيت 20 ألف مدرس وقتي في وظائفهم بالمدارس الابتدائية والإعدادية والمعاهد التابعة لوزارة التربية، وذلك بعد دخولهم في إضراب عن العمل.
واعتبر مراقبون أن تلك الخطوة تكرس نجاح قيس سعيد في حل أزمة مستعصية كان استمرارها سيؤدي إلى توتر اجتماعي، كما نجح في سحب البساط من تحت أقدام النقابات والمجموعات السياسية التي تسعى لتوظيف المطالب الاجتماعية المشروعة في مزايدات كلامية مع السلطة.
وأخذت الحكومة الحالية على عاتقها تسوية الملف الاجتماعي الشائك والمتوارث رغم شحّ الموارد المالية والصعوبات الاقتصادية، وهو ما يعكس استعدادا كبيرا منها للقطع مع تلك الآليات التي تزايدت ارتداداتها من سنة إلى أخرى.
وأكدت رئاسة الحكومة أنّ “عدد طالبي الإدماج من عملة حضائر الدفعة الثالثة الأقلّ من 45 سنة في الخطط الشاغرة لدى الهياكل العمومية بلغ 5806 من مجموع 5932 عاملا أي بنسبة إدماج بلغت 98 في المئة.”
ودعت رئاسة الحكومة عملة الحضائر البالغين أقلّ من 45 سنة ممن لم يتحصلوا على تعيين إلى حدود هذه المرحلة (126 عاملا) إلى الولوج إلى المنصة الرقمية لاختيار خطط شاغرة متبقية وذلك من 27 ديسمبر الماضي إلى 12 يناير 2025.