تسهيلات أميركية لزيادة وتسريع قرض صندوق النقد لمصر

القاهرة في مأزق تعويم الجنيه وتدهور الاستثمار الأجنبي.
الثلاثاء 2024/01/16
كم بلغ سعر الجنيه اليوم؟

اندفعت الحكومة المصرية للاستعانة بوزارة الخزانة الأميركية للدخول على خط الخلاف مع صندوق النقد الدولي لاحتواء مشكلة طال أمدها والمطالبة بزيادة قيمة القرض وسرعة الحصول عليه، مما يعني أن ثمة تفاهمات بين البلدين في عدد من الملفات الإقليمية.

القاهرة - أرسلت مصر وفدا اقتصاديا رفيعا إلى الولايات المتحدة لمساعدتها في الخروج من أزمة تلقي تمويل من صندوق النقد الدولي، إذ تعد واشنطن الجهة الرئيسية التي لها سيطرة على المؤسسة المانحة وتوجيهها لزيادة وتسريع منح القاهرة التمويل المنتظر.

وتأتي الخطوة مع إصرار القاهرة على التعامل مع أزمة سعر الصرف بطريقتها وتتمسك بقيمة الجنيه في البنوك وتحريك قيمته بمعدل طفيف لا يُمّكنها من تلبية رغبات المستثمرين، خوفًا من انفلات سعر الجنيه وخروجه عن سيطرة السلطات.

وقام وفد مصري مكون من وزيري المالية والتعاون الدولي ومحافظ البنك المركزي بزيارة واشنطن للتوصل إلى رؤية تساعد القاهرة على تجاوز العقبات التي تواجهها مع صندوق النقد، مستفيدة من تفهم الأميركيين للصعوبات الاقتصادية.

وترغب مصر في سرعة تلقي القرض في ظل حتمية خفض سعر الجنيه بعد تصاعد شكاوى المستثمرين الذين يرون أن قيمة الجنيه غير عادلة في البنوك، لكن الحكومة تخشى من هذه الخطوة لعدم وفرة الدولار الذي يدعمها حال التعويم.

وأكد الصندوق الخميس الماضي، أنه يجري مناقشات مع مصر بشأن نجاح برنامجه الذي تبلغ قيمته 3 مليارات دولار، وأن التمويل الإضافي سيكون حاسما لهذا الغرض.

عزالدين حسنين: خطوة إيجابية للاقتراض من الأسواق الدولية مجددا
عزالدين حسنين: خطوة إيجابية للاقتراض من الأسواق الدولية مجددا

وقالت المتحدثة باسم الصندوق جولي كوزاك إن “مبالغ التمويل والمدفوعات المحتملة قيد المناقشة حاليا، والحوار حول تحسينات السياسة مستمرة، بما فيها الحاجة إلى تشديد السياسة المالية والنقدية والتحرك نحو سياسة مرنة لسعر الصرف”.

ومن المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة تقاربا بين الطرفين بعد وساطة واشنطن وتلميحات مبشرة صدرت عن وزارة الخزانة الأميركية وصندوق النقد.

ولا يعني ذلك إهمال المراجعات الدورية أو التخلي عن الثوابت الأساسية التي يتبناها الصندوق في برامجه للإصلاح الاقتصادي في أيّ دولة.

وتكمن أهمية اللقاء الذي جمع مسؤولين من مصر مع قيادات أميركية ومديرة الصندوق في مساعي القاهرة تقديم مبررات بشأن التحرك بوتيرة بطيئة في برنامج الإصلاح وتأخير تفعيل آلية سعر الصرف المرن.

وتأمل الحكومة في إرجاء التعويم لعدم وجود العملات الأجنبية التي تدعم توفير الطلب حال القيام بتعويم جديد للجنيه، أو القيام بتحريك نسبي للعملة مع تلقي تمويل من الصندوق قريبا إلى حين استقرار الوضع الراهن.

وتهدف القاهرة من وراء الوساطة الأميركية إلى كسب ثقة المستثمرين، لذلك فتعهد وزارة الخزانة الأميركية بدعم الاقتصاد المصري جاء كدعم قوي للسندات الدولارية المصرية في السوق العالمية ودفعتها للارتفاع.

وتفتح الخطوة الباب أمام الحكومة لتوسيع طرح السندات الدولارية في الخارج عبر بنوك الاستثمار، إلى جانب طرح السندات المضمونة من قبل الدول، مثل سندات الباندا.

ويعضد هذا التوجه توقعات بشأن اتجاه نحو تثبيت الفائدة أو خفضها من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) هذا العام بعد تحقيق الهبوط السلس للاقتصاد.

وتأتي رغبة القاهرة لطرق أسواق الديون العالمية مجددا بسبب عبء الديون المثقل، وينبغي على البلاد توفير نحو 42 مليار دولار لسداد التزامات وأعباء مستحقة عليها.

وقال الخبير الاقتصادي عزالدين حسنين إن التعاطي “مع صندوق النقد والولايات المتحدة يمنح مصر ثقلا اقتصاديا وقدرة أكبر على المفاوضات لتلقي التمويلات اللازمة”.

وأضاف المصرفي المصري لـ”العرب” إن “ثناء أكبر دولة في العالم وتعهدها بدعم مصر من شأنه تغيير النظرة السلبية تجاه اقتصادها، ما يمنحها فرصة للاقتراض من السوق العالمية بفائدة معقولة”.

ويركز صندوق النقد على أزمة سعر الصرف في برنامجه مع الدول التي تعاني منها، ومع تغول السوق الموازية في مصر من المستبعد أن تتدفق الاستثمارات الأجنبية أو تتم الاستفادة من تحويلات المغتربين.

ولدى مصر إشكالية في وجود سعر صرف مرن حاليا كون السلطات لا تستطيع الوصول بالسعر الرسمي المتاح في البنوك إلى قيمته في السوق الموازية.

ويمكن أن تلجأ الحكومة إلى تفعيل آلية سعر الصرف المرن حال نجحت في تلبية احتياجات المستثمرين من الدولار عبر القطاع المصرفي كي لا يحدث انفلات حاد لسعر العملة.

وتوقع حسنين أن تُرجئ مصر خفض سعر العملة لتجمع أكبر حصيلة من الدولارات، بالتفاوض مع صندوق النقد، خاصة بعد اللقاءات التي جمعت الطرفين أخيرا.

وأشار إلى إمكانية خفض للجنيه المصري بمعدل 4 أو 5 جنيهات للحصول على دفعة من الصندوق تمهيدا لخفض آخر في فترة لاحقة.

علي الإدريسي: تعهد واشنطن بدعم القاهرة يروج للاقتصاد والاستثمار
علي الإدريسي: تعهد واشنطن بدعم القاهرة يروج للاقتصاد والاستثمار

ويطالب خبراء باتخاذ إجراءات قوية تعزز تدفق العملة الصعبة قبل اتخاذ قرار التعويم، لأن بعض القنوات الأساسية لتدفق الدولار تشهد عراقيل كبيرة، مثل قناة السويس بسبب توترات البحر الأحمر، وتحويلات المغتربين التي تراجعت بنحو 11 مليار دولار عقب ازدهار السوق الموازية.

ويكمن الحل الأمثل لمواجهة السوق الموازية في تأسيس مكاتب أو شركات صرافة تابعة للبنوك في دول الخليج العربي، والشراء بسعر السوق الموازية.

وحسب مصادر مصرفية تحدثت لـ”العرب” فإن بعض تجار العملة والمضاربين يقومون بشراء الدولار من العاملين المصريين بالخارج بأسعار تصل إلى 50 جنيها قبل دخوله إلى البلاد، بزيادة عن سعره الرسمي في البنوك الذي يبلغ 20 جنيها.

ولم تنجح القاهرة في إدارة أزمة العملة، وتتحجج دائما بأنها لا تمتلك العملات الأجنبية التي تدفعها إلى وجود سعر صرف مرن، لكن في الوقت ذاته يصعب على الاقتصاد أن يخرج من عثرته مع وجود سعرين للصرف باختلاف شاسع.

وأكد الخبير الاقتصادي علي الإدريسي أن مصر تُدرك طبيعة أزمتها الكبرى، وتطرق الأبواب المختلفة التي تساعدها على تلقي التمويل من صندوق النقد، والحصول على الدولار من أي نافذة.

وذكر لـ”العرب” أن الحكومة يمكنها استغلال التصريحات الأميركية بدعم الاقتصاد للترويج لاستثماراتها في الخارج، لكن لا بد من التحرك العملي لتوفير الدولار وإيجاد البيئة المناسبة للمستثمرين.

وأشار الإدريسي إلى أن السلطات تأخرت في التعويم، وتقييمها للجنيه الآن غير حقيقي، ولذلك انفلت سعر الدولار في السوق الموازية، وتفاقمت الأزمة، وبالتالي لا تملك المرونة الكافية في التعامل مع أزمة سعر الصرف.

وأدّى تأخر الحكومة في قراراتها إلى ارتفاع معدلات التضخم واعتبار سعر الصرف في البنوك كأن لم يكن، وتتم كل المعاملات على أساس سعر الدولار في السوق الموازية.

ويرى متابعون أنه تم تحرير سعر الصرف العام الماضي مثلا ولم تكن الأزمة قد تصاعدت بشكلها الحالي، كما أن مخاوف التعويم جاءت بالسّلب على الاقتصاد والأسعار أيضا.

10