تسليم ميغ – 29 لأوكرانيا الاختبار الأكبر لمصداقية الناتو

تواجه دعوة أوكرانيا لحلفائها الغربيين بمدها بمقاتلات ميغ – 29 البولندية بتحفظ أميركي يقول مراقبون إنه ناجم عن مخاوف من توسع دائرة الحرب، بعد أن اعتبرت روسيا أن تقديم الدعم الجوي لكييف سينظر إليه على أنه مشاركة في النزاع.
كييف - يختبر تسليم طائرات ميغ – 29 المقاتلة لأوكرانيا مصداقية حلف شمال الأطلسي (الناتو) والتزاماته الأمنية والدفاعية تجاه حلفائه، فيما قوبل عرض بولندا تسليم كييف مقاتلات برفض أميركي، إذ يرى محللون أن الولايات المتحدة تريد تطويق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من دون المغامرة باتساع رقعة الحرب لتشمل دولا أخرى.
ودعا الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الأربعاء الغربيين إلى إرسال مقاتلات “في أقرب وقت ممكن” بدءا بطائرات ميغ – 29 التي اقترحت وارسو تقديمها رغم تحذير الكرملين، في اليوم الرابع عشر من الغزو الروسي فيما تزداد العقوبات الخانقة على روسيا.
وقال زيلينسكي في مقطع مصور بث عبر قناته على تلغرام “اتخذوا قرارا في أسرع وقت، أرسلوا إلينا الطائرات”، داعيا إلى درس الاقتراح البولندي “فورا”.
ورحّب زيلينسكي بعرض وارسو قائلا “نحن نشكر بولندا”، معربا عن أسفه لأنه “لم يتم اتخاذ أي قرار” حتى الآن فيما يتواصل الهجوم الروسي. وأضاف “المقترحات البولندية لا تحظى بدعم. متى سيتّخذ قرار؟”.
وأعربت بولندا الثلاثاء عن استعدادها لوضع طائراتها من طراز ميغ – 29 السوفيتية الصنع، “فورا ومجانا” في تصرف الولايات المتحدة ونقلها إلى قاعدة رامشتاين في ألمانيا، لكن واشنطن اعتبرت أن الاقتراح “غير قابل للتطبيق”.

فولوديمير زيلينسكي: الناتو يخشى مواجهة روسيا ولم نعد نهتم بالانضمام إليه
وأوضح الناطق باسم وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) جون كيربي “إن فكرة مغادرة مقاتلات، تحت تصرف حكومة الولايات المتحدة، قاعدة للولايات المتحدة/ حلف شمال الأطلسي في ألمانيا للتحليق في المجال الجوي المتنازع عليه مع روسيا فوق أوكرانيا تثير مخاوف جدية. مخاوف لكل دول الناتو”، مشيرا إلى أن واشنطن تواصل المشاورات مع وارسو حول هذا الموضوع.
ووصلت نائبة الرئيس الأميركي كاملا هاريس الأربعاء إلى وارسو لمناقشة الخطوات المقبلة في مواجهة روسيا. وقال مسؤولو الإدارة الأميركية إن حوارا سيدور حول أفضل سبل تقديم المساعدة الأمنية لأوكرانيا لكن لم يقدموا التفاصيل عن طبيعة الخطط التي ستناقشها نائبة الرئيس لمعالجة الموقف مع بولندا.
وقال أحد المسؤولين إن هاريس ستستغل الزيارة لتكرار رسالة مفادها أن “بوتين ارتكب خطئا ستنجم عنه هزيمة استراتيجية مدوية لروسيا”.
وتأتي هذه النقاشات حول المقاتلات فيما بدا أن التوتر يخف قليلا على الأرض، إذ اتفقت روسيا وأوكرانيا الأربعاء على وقف إطلاق النار للسماح بإقامة ممرات إنسانية حول المناطق المتضررة بشدة جراء المعارك في الأيام الأخيرة التي أجبرت المدنيين على الاحتماء أحيانا في أقبية.
وقالت الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية ماريا زخاروفا الأربعاء إن روسيا ترى “تقدما” في المفاوضات مع أوكرانيا.
وأوضحت في مؤتمر صحافي “بموازاة العملية العسكرية الخاصة (الاسم الذي تطلقه السلطات الروسية على تدخل القوات الروسية في أوكرانيا) تجرى مفاوضات أيضا مع الطرف الأوكراني من أجل إنهاء إراقة الدم العبثية ومقاومة القوات الأوكرانية في أسرع وقت ممكن. وقد أحرز بعض التقدم”.
وأكدت أن أهداف روسيا “لا تشمل احتلال أوكرانيا ولا تدمير دولتها ولا إطاحة الحكومة الحالية”، مجددة التأكيد أنها لا تستهدف المدنيين.
وحددت ممرات لإجلاء المدنيين خصوصا من إنرغودار إلى زابوريجيا (جنوب) ومن إيزيوم إلى لوزوفا (شرق) ومن سومي إلى بولتافا (شمال شرق) حيث سمح ممر بإجلاء الآلاف من المدنيين الثلاثاء.
ويفترض أن يتم أيضا إنشاء ممرات لإجلاء المدنيين إلى كييف من مدن عدة تعرضت لقصف عنيف إلى غرب العاصمة بما فيها بوتشا وإيربين وغوستوميل.
وبحسب زيلينسكي، أجلي ما يزيد قليلا عن خمسة آلاف شخص من سومي الثلاثاء و18 ألفا من ضواحي كييف.
وفي المقابل، لم تستبعد أوكرانيا مناقشة حياد محتمل للبلاد في المفاوضات مع روسيا. وقال إيهور شوفوكفا مستشار شؤون السياسة الخارجية للرئيس الأوكراني عندما سُئل عما إذا كانت أوكرانيا يمكن أن تكون مستعدة خلال المفاوضات لقبول الوضع المحايد “يمكن مناقشة مثل هذه القضايا في المفاوضات، هذا ممكن بلا شك”، ودعا شوفوكفا إلى عقد اجتماع على مستوى الرؤساء.
وطالب شوفوكفا الشركاء الدوليين بالمساعدة في عقد مثل هذا الاجتماع، مشيرا في المقابل إلى أنه لا يمكن عقد مثل هذه المفاوضات أو اتفاق محتمل إلا بعد توقف الأعمال الحربية وكان هناك وقف لإطلاق النار.
وذكر شوفوكفا أنه بعد ذلك يمكن مناقشة “كيف يمكن أن يبدو الأمر مع حياد محتمل لأوكرانيا”، وأضاف “لذلك نحن بحاجة إلى ضمانات صارمة حتى لا يتكرر مثل هذا الوضع مرة أخرى، لسنا المعتدين ولن نكون المهاجمين أبدا”.
وأضاف شوفوكفا محذرا “إذا لم نتمكن من إيقاف المعتدين الروس هنا، فلن تتوقف روسيا عند الحدود الأوكرانية، بل ستنتقل إلى دول أخرى، إلى جمهوريات البلطيق، وربما بولندا. يمكن أن يصل الأمر لأبعد من ذلك”.

وأعلن زيلينسكي الأربعاء أن بلاده لم تعد تهتم بالانضمام إلى حلف شمال الأطلسي وهو أحد المطالب الروسية الأساسية لإيقاف الحرب، لكنه قال في المقابل إن “حلف شمال الأطلسي يخشى مواجهة روسيا”.
وتشعر الولايات المتحدة بالقلق من خطر حدوث صدام بين الحلف الأطلسي والقوات الروسية، يمكن أن يتدهور، إذا اعتبرت روسيا بقيادة بوتين أن هذه المساعدة العسكرية بمثابة انخراط مباشر لحلف شمال الأطلسي في الحرب مع أوكرانيا.
وتتوقع الولايات المتحدة أن تكون حرب روسيا على أوكرانيا طويلة الأمد، وهي مستعدة لمساعدة كييف على المقاومة، غير أنها حريصة في الوقت نفسه على إبقاء النزاع محصورا في هذا البلد وتفادي انتشاره بشكل يتسبب في نشوب “حرب عالمية ثالثة”.
وتسعى واشنطن، التي تسلك طريقا محفوفا بالمخاطر، من خلال استراتيجيتها العسكرية للاستجابة للمطلبين؛ وهو ما تعكسه تصريحات المسؤولين الأميركيين العلنية والمقابلات مع العديد من المسؤولين الذين طلبوا عدم كشف أسمائهم.
والأولوية الأولى هي الاستمرار في توفير مساعدات كثيفة للمقاومة الأوكرانية تمكنها من الصمود، حتى لو بدأت المدن تسقط في أيدي القوات الروسية.

وأوضح دبلوماسي أن الأميركيين أقاموا نظام “تقاسم معلومات واستخبارات واسع النطاق مع أوكرانيا” يسمح خاصة للدفاعات الجوية بإحباط قسط من الضربات الروسية.
وتم حتى الآن تسليم الجيش الأوكراني كمية ضخمة من المساعدات العسكرية الأميركية غير المسبوقة بقيمة 350 مليون دولار التي أعلن عنها في فبراير، وتضمنت صواريخ “جافلين” المضادة للدبابات وصواريخ أرض – جو “ستينغر”.
وتعتزم واشنطن الآن صرف دفعة جديدة ضخمة لا تقل قيمتها عن عشرة مليارات دولار تتضمن شقا اقتصاديا وإنسانيا، إضافة إلى المزيد من الأسلحة والذخائر.
وقال مسؤول أميركي كبير إن “لا حدود” للمساعدة العسكرية طالما أنها لا تشتمل على أسلحة ثقيلة.
وأكثر ما يخشاه الأميركيون أن يعمد بوتين، في حال اعتبر أنه يواجه “استفزازا”، إلى توسيع بقعة النزاع إلى خارج أوكرانيا، مع مخاطر نشوب مواجهة مباشرة قد تكون نووية مع الولايات المتحدة وحلفائها الأطلسيين. ولذلك يصبح المطلوب الآن، بحسب مسؤولين أميركيين، “احتواء الرئيس الروسي”.
ويبقى أكبر خط أحمر بحسب مسؤول أميركي آخر هو “أننا لا نريد حربا عالمية ثالثة”.
وكان الرئيس جو بايدن قد حذّر قبل بدء الغزو الروسي من أن أي تدخل مباشر في أوكرانيا سيتسبب في نشوب “حرب عالمية”.
وأعطى تعليمات بعدم الدخول في مثل هذا المنزلق، ما يحد من التدخل الأميركي.
ولذلك تركز واشنطن جهودها على عمليات نشر القوات بصورة احترازية ورادعة في الدول الحليفة على أبواب روسيا.