تسلا تختار السعودية مركزا لأعمالها في الشرق الأوسط

اكتسبت خطط السعودية لتحويل البلد إلى مركز إقليمي للأعمال المزيد من الزخم بانضمام شركة تسلا، أحد عمالقة تصنيع المركبات الكهربائية، إلى ورشة التحول النظيف، في مسعى يؤكد اهتمام الحكومة بتطوير هذه التجارة عبر استقطاب أبرز اللاعبين العالميين.
الرياض - يعطي اختيار عملاق تصنيع السيارات تسلا السعودية كمركز لأعمال الشركة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط لمحة عن الجهود التي بذلها المسؤولون طيلة السنوات الأخيرة لجذب كبار القطاع للاستثمار في البلد الخليجي.
وبذلك تكون السعودية قد وضعت قدما أخرى في سياسة الإصلاح الاقتصادي ومواصلة تجسيد خطط رؤية 2030 واقعيا عبر التركيز على جذب أبرز الشركات العالمية.
وأعلنت تسلا عبر منصتها الإلكترونية الأربعاء أنها ستبدأ مبيعاتها بالبلد الشهر المقبل، مما يُشير إلى أن الرئيس التنفيذي إيلون ماسك والسعودية قد رأبا صدعا يعود تاريخه إلى محاولة الملياردير القصيرة الأمد في عام 2018 لتحويل تسلا إلى شركة خاصة.
وكانت صحيفة وول ستريت جورنال قد كشفت في أواخر عام 2023 أن السعودية تُجري محادثات مع تسلا لإنشاء مصنع في المملكة. ونفى ماسك هذا التقرير.
وتملك الشركة حاليا 6 مصانع تشمل ألمانيا والصين، وتشيد السابع في المكسيك بغية توسيع وجودها العالمي، وتهدف إلى رفع مبيعاتها إلى 20 مليون سيارة سنويا بحلول عام 2030.
وتُتداول أسهم تسلا في دول أخرى في الشرق الأوسط، ولكن ليس في بورصة السعودية، أكبر سوق في منطقة الخليج.
حفل إطلاق تسلا في الرياض المقرر في العاشر من أبريل ستُعرض فيه سياراتها الكهربائية ومنتجاتها التي تعمل بالطاقة الشمسية
وبدأت الخلافات عندما غرّد ماسك قبل سبع سنوات بأنه “حصل على تمويل” لتحويل تسلا إلى شركة خاصة بعد لقائه بمسؤولين في صندوق الاستثمارات العامة (صندوق الثروة السيادية).
وأدت هذه التغريدة في النهاية إلى دعوى قضائية من مستثمرين عندما فشل عرض الاستحواذ، وخلالها نُشرت رسائل نصية متوترة بين ماسك ورئيس صندوق الثروة، ياسر الرميان.
وخفّت حدة التوترات منذ خريف 2024 عندما تولى ماسك دورا بارزا في الحملة الانتخابية للرئيس الأميركي دونالد ترامب، ثم في إدارته الجديدة.
وفي أولى علامات تحسن العلاقات، ظهر ماسك إلى جانب الرميان وترامب في مقاعد مشاهدة مباراة فنون قتالية مختلطة في نيويورك في نوفمبر الماضي. وقبل بضعة أسابيع طل بشكل مفاجئ في قمة مبادرة مستقبل الاستثمار في الرياض عبر رابط فيديو.
وصرح ترامب هذا الشهر بأنه من المرجح أن يقوم بأول رحلة خارجية له إلى السعودية، بعد أن طلب منها في يناير إنفاق ما يزيد عن تريليون دولار في الاقتصاد الأميركي، على مدى أربع سنوات، بما في ذلك المشتريات العسكرية.
وأفاد المنشور أن حفل إطلاق تسلا في الرياض، المقرر في العاشر من أبريل، سيُعرض فيه سياراتها الكهربائية ومنتجاتها التي تعمل بالطاقة الشمسية دون تحديد موعد طرح المنتجات للبيع في السوق السعودية.
1
في المئة نسبة مبيعات السيارات الكهربائية في السعودية خلال 2024، وفق شركة بي.واي.سي
وأضافت “جرّبوا مستقبل القيادة الذاتية مع سايبركاب، والتقوا بأوبتيموس، روبوتنا الشبيه بالبشر، بينما نستعرض أحدث التطورات في مجال الذكاء الاصطناعي والروبوتات.” وطُلب من الضيوف في دعوات الحدث تحديد طراز سيارة تسلا الذي يرغبون بشرائه.
وتأتي الخطوة بينما شهدت تسلا تراجعا في مبيعات السيارات الكهربائية في أوروبا، والذي يُعزى إلى دعم ماسك للسياسيين اليمينيين المتطرفين، واستهداف المتظاهرين للشركة في الولايات المتحدة بسبب قيادته لتخفيضات شاملة في ميزانية الحكومة الفيدرالية.
وفي السعودية، شهدت مبيعات السيارات الكهربائية تباطؤًا، حيث أشار تقرير صادر عن شركة الاستشارات بي.واي.سي لعام 2024 إلى أنها لا تمثل سوى واحد في المئة من إجمالي مبيعات السيارات.
ورغم التحديات، فإن المشهد يبدو واعدا، فقد أشارت دراسة سابقة لبي.دبليو.سي إلى أن مبيعات السيارات الكهربائية قد تنمو إلى 65 في المئة بحلول 2035.
وبعد شهر من إعلان الخلاف مع ماسك، أعلن صندوق الثروة عن استثمار يزيد عن مليار دولار في لوسيد الأميركية، ليصبح بذلك المستثمر الرئيسي في إحدى شركات السيارات الكهربائية الناشئة التي تسعى لمنافسة تسلا.
وتعد لوسيد من بين أكبر استثمارات صندوق الثروة السيادية في كيانات أميركية مثل أوبر وبرولوجيس لإدارة منشآت التخزين ومنصة أرفيتش التكنولوجية لصناعة الأزياء وشبكة بنترست لنشر الصور.
ويمثل الرهان على السيارات النظيفة وتكنولوجيا البطاريات تحديا للصندوق المُكلّف بقيادة خطط تنويع الاستثمارات في مجالات مختلفة تشمل قطاع السيارات والطاقة النظيفة والتكنولوجيا وغيرها.
واستثمر صندوق الثروة، الذي تبلغ قيمته 925 مليار دولار، في علامة تجارية محلية للسيارات الكهربائية لم تُطرح بعد، وهي سير.
الرهان على السيارات النظيفة وتكنولوجيا البطاريات يمثل تحديا للصندوق المُكلّف بقيادة خطط تنويع الاستثمارات في مجالات مختلفة
وفي نوفمبر 2022 أطلق ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان سير، أول علامة تجارية سعودية لصناعة السيارات الكهربائية، والتي ستسهم في الناتج المحلي بنحو 8 مليارات دولار سنويا.
وسير عبارة عن مشروع مشترك بين صندوق الثروة وشركة هون هاي التايوانية للصناعات الدقيقة (فوكسكون)، حيث حصلت على تراخيص تقنية المكونات المتعلقة بالسيارات الكهربائية من شركة بي.أم.دبليو الألمانية لاستخدامها في تطوير المركبات.
وثمة عامل خارجي يلعب دورا في تسريع انتشار السيارات الكهربائية في السعودية يتمثل بالطرز الصينية، حيث تبحث الشركات عن أسواق لتعزيز مبيعاتها خاصةً بالشرق الأوسط، وسط الحرب التجارية الدائرة في هذا القطاع بين بكين والغرب.
ومع ذلك، لا تزال السيارات الكبيرة المستهلكة للوقود هي السائدة على طرق السعودية، حيث الوقود رخيص، والبنية التحتية لشحن السيارات الكهربائية نادرة، مما يجعل عبور طرقها الصحراوية الطويلة شبه مستحيل بسيارة كهربائية.
ويصطدم طموح البلد بنشر أسطول من المركبات الكهربائية في طريق مسح بصمتها الكربونية بتحد يتعلق بندرة محطات الشحن، والتي تحتاج إلى بنية تحتية كبيرة لبناء شبكة تمتد على أنحاء البلاد.
وعند معاينة ذلك في شوارع الرياض يبدو لهذا الأمر انعكاس على مستويين، الأول يتعلق بالسيارات، إذ تشير الإحصائيات إلى أن البلد لم يستورد سوى 779 مركبة كهربائية.
وبالنسبة إلى العامل الثاني فيتعلق بمحطات الشحن والتي لا يتجاوز عددها العشرين، منها ثماني محطات في مدينة الرياض.
وتمثل قلة محطات الشحن عائقا أمام إقبال المستهلكين على شراء طراز يعمل بالبطارية الكهربائية، لكن الجهات المعنية تتطلع لتحويل هذا التحدي إلى فرصة استثمارية للشركات.
واستنادا إلى تقرير نشرته شركة ماركيتس آند ماركيتس لأبحاث السوق قبل فترة، فإن هذا القطاعٍ الواعد البالغ حجمه عالميا 7.3 مليار دولار، يُتوقع أن يرتفع إلى 12.1 مليار دولار بنهاية هذا العقد.