تسقيف سعر النفط الروسي آلية محفوفة بالمخاطر

دخول القرار حيز التنفيذ يُدخل اقتصاد العالم في دوامة جديدة من التقلبات.
الاثنين 2022/09/05
اليوم نشتري وغدا لا ندري!

يراقب محللو أسواق الطاقة بكل اهتمام مآلات القرار الذي اتخذه الغربيون بشأن تسقيف سعر النفط الروسي مع اقتراب الأوروبيين من تأمين مخزوناتهم من الغاز لفصل الشتاء، إذ تصب الترجيحات في كونه قد يأتي بنتائج عكسية قد تعمق محن الاقتصاد العالمي.

لندن - يُعد تحديد سقف لسعر النفط الروسي بموجب إجراء أعلنت مجموعة السبع الأسبوع الماضي أنها تعتزم فرضه “بشكل عاجل”، آلية غير مسبوقة ذات تأثير غير مؤكّد، بالنظر إلى تصاعد التحذيرات من أنّها قد تنقلب ضدّ واضعيها.

ومع أن تجارة النفط تبدو أكثر مرونة جراء وجود بدائل من منتجين كثر قياسا بالغاز الذي يتحكم في سوقه عدد محدود من الدول في مقدمتهم روسيا وقطر والولايات المتحدة وأستراليا، فإن الأمر لا يخلو من أن العالم مُقبل على وضع أكثر تعقيدا.

وتعليقا على الخطوة، اعتبر مكتب كابيتال إيكونوميكس للدراسات أن القرار قد تكون له تداعيات جانبية على الاقتصاد العالمي، وقال خبراؤه في مذكرة إن الآلية “قد تتسبب في زيادة إضافية في أسعار الطاقة في العالم”.

بيل أوغرايدي: من دون منح إعفاءات الأسعار سترتفع مع تنفيذ القرار

ولكنهم أشاروا في المقابل إلى أن “وضع سقف قد يكون مفيدا كذلك في الحد من العائدات الضريبية للحكومة الروسية”، وهو ما تسعى إليه الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون.

واتفق وزراء مالية مجموعة السبع، والتي تضم الولايات المتحدة وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا وكندا واليابان الجمعة الماضي على وضع سقف لأسعار النفط الروسي، في خطوة سرعان ما ردت عليها موسكو بأنها ستوقف المبيعات للدول التي تفرض هذا الإجراء.

وأكد وزراء نادي الدول الصناعية الثرية التزامهم بالخطة بعد اجتماع عبر الإنترنت لكنهم قالوا إن مستوى سقف الأسعار سيُحدد لاحقا “بناء على مجموعة من المدخلات الفنية” التي سيتفق عليها تحالف الدول التي ستطبقه.

وقال وزراء المجموعة في بيان “نؤكد نيتنا السياسية المشتركة في وضع اللمسات الأخيرة وتنفيذ حظر شامل للخدمات التي تمكن النقل البحري للنفط الخام والمنتجات البترولية روسية المنشأ على مستوى العالم”.

وبموجب الاتفاق ستفرض الآلية تخفيضا على سعر السوق من أجل الحد من الموارد التي تجنيها روسيا من بيع المحروقات، مع إبقاء الأسعار أعلى من كلفة الإنتاج للحفاظ على حافز للتصدير.

ووفقا لمسؤول في الخزانة الأميركية، فإنّ التخفيض الذي سيتمّ احتسابه على نفط روسيا، العضو البارز في تحالف أوبك+، بشكل منفصل للنفط الخام والمنتجات المكرّرة، ستجري مراجعته بشكل منتظم.

وتمّ بالفعل تطوير أنظمة لمنع دولة ما من التصدير كما هو الحال حاليا مع إيران أو فنزويلا، أو للحدّ من التبادلات كما جرى في العراق في إطار برنامج “النفط مقابل الغذاء” خلال الفترة بين 1995 و2003، لكن المجتمع الدولي لم يفرض بعد سعرا مختلفا على بلد ما.

وفعليا قام أعضاء مجموعة السبع بالحد من مشترياتهم من النفط الروسي أو حتى تعليقها. ولكن كي يكون لمشروع فرض سقف على سعر النفط تأثير، يجب أن يُعتمد من قبل دول أخرى وخصوصا من قبل زبائن كبار للنفط الروسي مثل الهند أو الصين.

وتسعى المجموعة إلى جذب هاتين الدولتين إلى مبادرتها من خلال التلويح لهما بإمكانية التفاوض على أسعار أدنى، لكن بيل أوغرايدي من كونفلوينس إنفستمنت يشير إلى أن “الصين والهند تشتريان بالفعل نفطهما بسعر أقل” من روسيا.

وفي إشارة إلى الدول التي لم تشارك حتى الآن في العقوبات المفروضة على روسيا منذ الحرب في أوكرانيا، يرى جون كيلدوف من أغين كابيتال في تصريح لوكالة الصحافة الفرنسية أنها “لن تتبع” تحديد سقف للسعر.

وكي يصبح تحديد سقف السعر مؤثّراً، يجب على روسيا الامتثال له ومواصلة التصدير إلى الدول التي تبنّت هذا المبدأ.

ولكن ألكسندر نوفاك نائب رئيس الحكومة الروسي لمسائل الطاقة، حذّر الخميس الماضي من أنّ روسيا لن تبيع النفط إلى الدول التي تحدد سقفا للسعر.

خطوة غير مدروسة
خطوة غير مدروسة

وقال في تصريحات نقلتها وكالات الأنباء الروسية “في ما يتعلق بالقيود المفروضة على الأسعار لن نقوم ببساطة بتسليم النفط أو المنتجات البترولية إلى الشركات أو الدول التي تفرض مثل هذه القيود”.

وبالنسبة إلى كيلدوف، فإنّ ارتفاع الأسعار الذي سُجّل مؤخرا ناتج بشكل جزئي عن رد الفعل السلبي للسوق على إعلان مجموعة الدول السبع، ممّا يثير مخاوف من انكماش في العرض العالمي ومن ارتفاع جديد في الأسعار.

ورغم أن الأسعار انخفضت بشكل كبير عن الذروة المسجلة في بداية الحرب بأوكرانيا، إلّا أنها لا تزال مرتفعة تاريخيا ومتقلّبة بشكل كبير.

ويستعد الاتحاد الأوروبي باستثناء ثلاثة من أعضائه لحظر استيراد النفط الروسي اعتبارا من الخامس من ديسمبر المقبل، وأيضا لمنع شركات التأمين الأوروبية من تغطية عمليات النقل إلى وجهات أخرى خارج الاتحاد.

ويقول أوغرايدي إنّ “واشنطن قلقة بشأن هذه القيود على التأمين لأنه سيكون لها تأثير كبير على الوضع من دون إمكانية منح إعفاءات، وستشل نسبة كبيرة من الصادرات الروسية، ما سينعكس زيادة في الأسعار”.

وأثارت وزارة الخزانة الأميركية مخاوف من أن الحظر الأوروبي قد يؤدي إلى التدافع على شراء إمدادات بديلة، ما يتسبب في ارتفاع أسعار الخام العالمية لما يصل إلى 140 دولارا للبرميل، وهي تروج لسقف الأسعار منذ مايو كوسيلة للحفاظ على تدفق الخام الروسي.

جون كيلدوف: كبار مشتري النفط الروسي لن يقتفوا أثر الأوروبيين

وارتفعت أسعار النفط الروسي تحسبا لقرار بروكسل المرتقب، مع تداول خام الأورال بخصم يتراوح بين 18 و25 دولارا للبرميل عن خام برنت القياسي، انخفاضا من 30 دولارا إلى 40 دولارا في وقت سابق من هذا العام.

وفي الواقع، يتمّ تأمين حوالي 90 في المئة من نقل النفط بحرا عبر شركات من الاتحاد الأوروبي وبريطانيا التي انضمّت إلى العقوبات الأوروبية على روسيا.

ويؤكد أوغرايدي أنّه إذا دخل حظر التأمين أو إعادة التأمين حيّز التنفيذ، فإنّ “الصادرات الروسية ستنخفض حقا”.

وقالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية الشهر الماضي إنه رغم تراجع حجم صادرات النفط الروسية، فإن عوائد صادراتها زادت في يونيو الماضي 700 مليون دولار عن مايو بسبب ارتفاع الأسعار.

ومع دخول الحرب في أوكرانيا شهرها السابع، تنعكس مساعي الاتحاد الأوروبي لتقليص الاعتماد على الخام الروسي المنقول عبر البحر على الأرقام.

فبحسب موقع فورتيكسا لتتبع شحنات الطاقة، انخفضت حصة روسيا من واردات الاتحاد الأوروبي من النفط الخام المنقول بحرا إلى 10 في المئة بحلول الحادي والعشرين من أغسطس الماضي.

في المقابل، انخفض اعتماد أوروبا الإجمالي على واردات النفط الروسي إلى 25 في المئة مقارنة بنسبة 40 في المئة كانت قبل حرب أوكرانيا.

وانخفضت صادرات الخام الروسي إلى الاتحاد الأوروبي إلى 1.1 مليون برميل يوميا، أي أقل من المعتاد بمقدار 550 ألف برميل يوميا.

فيما يبلغ الخام الكازاخستاني عبر روسيا إلى الاتحاد الأوروبي حاليا 800 ألف برميل يوميا، بانخفاض 140 ألف برميل يوميا.

وتستورد أوروبا حوالي 1.4 مليون برميل من النفط الخام يوميا من الشرق الأوسط، بزيادة 600 ألف برميل يوميا بينما تستورد 2.6 مليون برميل يوميا من أفريقيا، بزيادة قدرها 200 ألف برميل يوميا.

كما تستورد 1.54 مليون برميل من النفط الخام المنقول بحراً يوميًا من أميركا الشمالية، بزيادة قدرها 140 ألف برميل، بينما تستورد 600 ألف برميل من أميركا الجنوبية، بزيادة قدرها 240 ألف برميل يوميًا.

وبينما ما تزال المجر ورومانيا تستوردان من روسيا، أنهت دول أوروبية أخرى بشكل أساسي استيراد النفط الخام الروسي المحمول بحراً، بانخفاض 700 ألف برميل يوميا في الأشهر الستة التي سبقت بدء حرب أوكرانيا.

وقال كبير الاقتصاديين في فورتيكسا ديفيد ويتش، إن “التخلي عن 1.1 مليون برميل يوميا المتبقية من النفط الخام الروسي يجب أن يكون سهلا نسبيا، نظرا إلى وفرة المصادر القريبة، مع احتمال أن تكافح روسيا أكثر للعثور على منافذ بديلة على رأس الهند والصين”.

وصرح نيل كروسبي، كبير محللي أويل إكس، أن الصادرات الروسية إلى دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية في أوروبا في أغسطس، قلت بمقدار نصف مليون برميل يوميا عن المستويات التي لوحظت في يناير الماضي.

كابيتال إيكونوميكس: الآلية الجديدة قد تتسبب في زيادة إضافية في أسعار الطاقة

وأضاف أنه لم تكن هناك أي إشارة إلى أن نية التخلص التدريجي قد تغيرت ماديا وهذا يعني أنه يجب توقع حدوث اضطراب كبير في التدفقات التجارية وربما أيضا تقلبات في أسعار النفط في أواخر عام 2022 وأوائل 2023 مع تقدم عملية التخلص التدريجي.

وشدد على “أننا نتوقع ضياع بعض النفط الروسي من السوق، مع تقدم عملية التخلص التدريجي وسيكون هناك حتما بعض التأثير على الأسعار نتيجة لذلك”.

وعلى الرغم من انخفاض واردات النفط الخام المنقولة بحرا من روسيا على النحو المتفق عليه في حزمة العقوبات، فإن صادرات الديزل الروسية إلى الاتحاد الأوروبي آخذة في الارتفاع.

وقال ويتش إن “القصة مختلفة للغاية بالنسبة إلى الديزل، روسيا وحدها مسؤولة عن أكثر من 50 في المئة من الإمدادات الخارجية، ومن الصعب زيادة الكميات من موردين بديلين مثل الولايات المتحدة والشرق الأوسط والهند”.

وتابع “كل هذه الأسواق تقوم بالفعل بإنتاج وتصدير الديزل بمستويات تقترب من المستويات القياسية، لكن الطلب الإقليمي يحد من الكميات المتاحة لأوروبا”.

وبالتالي، فمن المشكوك فيه ما إذا كانت أوروبا ستنجح حقا في التخلي عن واردات الديزل الروسي في الأشهر الأولى من عام 2023.

وتبلغ واردات الاتحاد الأوروبي من الديزل الروسي حاليا نحو 700 ألف برميل يوميا.

وأظهرت بيانات فورتيكسا أن واردات الديزل من روسيا خلال العام الأخير تجاوزت المصادر غير الروسية بنحو 220 ألف برميل يوميا، بخلاف حقبة ما قبل كورونا حينما كانت المصادر غير الروسية تفوق الواردات الروسية بنحو 65 ألف برميل يوميا.

11