"تسقط بس" شعار يتردد صداه مجددا في الشارع السوداني

قوى محسوبة على الثورة ولا تشارك في السلطة استطاعت أن تستعيد زخم الشارع السوداني مرة أخرى للضغط على الحكومة مستفيدة من تأزم الأوضاع المعيشية.
الجمعة 2021/06/04
الشارع ينتفض دعما للعدالة الانتقالية المتعثرة

الخرطوم- شارك الآلاف من المتظاهرين الخميس في الاحتجاجات والمواكب التي دعت إليها قوى سياسية عديدة في السودان، تزامنا مع حلول الذكرى الثانية لفض اعتصام القيادة العامة بالخرطوم، وانصبت مطالب المحتجين على تطبيق العدالة السريعة بحق المتورطين في قتل المتظاهرين، وسط دعوات متصاعدة لإقالة حكومة عبدالله حمدوك لفشلها في إدارة المرحلة الانتقالية.

واستطاعت قوى محسوبة على الثورة ولا تشارك في السلطة على رأسها الحزب الشيوعي وتجمّع المهنيين وتنسيقيات شباب المقاومة أن تستعيد زخم الشارع مرة أخرى، مستفيدة من تأزم الأوضاع المعيشية.

وحازت قضية العدالة الانتقالية وتأخر لجنة التحقيق الوطنية في فض الاعتصام على اهتمامات قطاع واسع من المواطنين من الذين اعتبروا الأمر التفافا على أهداف الثورة التي أطاحت بنظام الرئيس عمر حسن البشير.

وتمسك تجمّع المهنيين السودانيين في بيان له الأربعاء بتحويل التحقيق في جرائم فض اعتصام القيادة العامة والمدن الأخرى إلى لجنة دولية من مجلس الأمن أو المحكمة الجنائية الدولية، مع إجازة قانون لمجلس القضاء وتعيين المحكمة الدستورية، والشروع الفوري في تكوين مفوضية العدالة الانتقالية.

شمائل النور: القوى الثورية تراهن على ذكرى فضّ الاعتصام لاستعادة حضورها

وأعلن الحزب الشيوعي اتجاهه لتصعيد احتجاجاته لتصل إلى الإضرابات والاعتصامات المدعومة بالوقفات الاحتجاجية، وصولا إلى العصيان المدني الشامل لإسقاط الحكومة وإصلاح المنظومة العسكرية، وتسريح الميليشيات وقوات الحركات المسلحة، واستعادة الأموال المنهوبة وتحقيق العدالة الانتقالية، داعيا إلى تشكيل جبهة عريضة لما أسماه بـ”التغيير الجذري”.

وتوقع مراقبون أن تكون الاحتجاجات التي اندلعت في الخرطوم مقدمة للمزيد من التحركات على مستوى الشارع بعد أن فقدت القوى المشاركة في الحكومة مصداقيتها، وسط خلافات طفت على السطح بين المكونين المدني والعسكري.

وتشكل مظاهرات الخميس التي رفعت شعارات “تسقط بس” و“الشعب يريد إسقاط النظام” ورددتها قوى ثورية من قبل في مواجهة نظام البشير أحد عوامل الضغط الجديدة على السلطة الانتقالية.

وقد يكون من نتائج هذه الخطوة تقديم كبش فداء لتهدئة الأوضاع عبر الإعلان عن المتورطين في فضّ الاعتصام أو الاتجاه نحو استكمال بناء المؤسسات القضائية والعدلية، التي تعثرت لأسباب غير معروفة طيلة العامين الماضيين.

واستبق رئيس الوزراء عبدالله حمدوك اندلاع المظاهرات بتحميل مسؤولية تأخر تنفيذ المطالب العدلية إلى المكون العسكري، مشيرا إلى أن “العلاقة المعقدة مع الأجهزة الأمنية المتعددة، التي تقع تحت مسؤوليته تلعب دورا أحيانا في إبطاء عجلة العدالة وتأخير تقديم المعلومات المطلوبة للجان التحقيق والنيابة العامة”.

وأشارت الصحافية والمحللة السياسية شمائل النور، إلى أن حمدوك عمد لتبرئة ذمته من تأخر إجراءات العدالة وحاول استعادة شعبيته التي تراجعت جراء الفشل في إدارة ملفات عديدة وتصميمه على عدم التحدث بصراحة ووضوح أمام المواطنين الذين وثقوا فيه كأحد رموز الثورة ومن المعبرين عنها.

وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن مطلب العدالة الانتقالية التي تركزت عليه غالبية دعاوى المظاهرات يعد عاملا مساهما في عودة الزخم إلى الشارع، وقد تكون الذكرى الثانية للفضّ المحطة الأولى التي ترتكن عليها القوى الثورية لاستعادة حضورها.

وأعلن عدد من الأحزاب المشاركة في السلطة تأييدهم للمظاهرات وضرورة الضغط باتجاه تنفيذ المطالب العدلية، ولم يفصح أغلبها عن نيته المشاركة في الاحتجاجات، وسيراقبون ما ستؤول إليه نتائجها انتظارا لتقييم الموقف.

وتؤمن غالبية أطراف السلطة بأن مطالب بعض القوى بهدم المعبد على رؤوس الأحزاب والعسكريين والحركات المسلحة لن تجد أصداء شعبية واسعة، وأن الصعوبات الاقتصادية التي تمر بها الدولة تجعل الشعور بأهمية إتاحة الفرصة كاملة لمجلسي السيادة والوزراء للتعامل مع الأزمات يسود.

وما يثير المخاوف هو القلق من حدوث انفلات من جانب القوات النظامية العسكرية أو الشرطية في التعامل مع المتظاهرين يؤدي إلى اشتعال الغضب في أي لحظة.

نورالدين صلاح الدين: الأجندة التي أعلن عنها الحزب الشيوعي تصبّ في صالح فلول البشير

وبقيت القوات المسلحة داخل مقر القيادة العامة، فيما تولت القوات الشرطية تأمين المظاهرات وإغلاق الطرق المؤدية إلى مركز قيادة الجيش بالخرطوم، في خطوة تستهدف عدم جرّ المكون العسكري لصراع مع المواطنين.

وأخذت الأحداث في التصاعد منذ أحداث التاسع والعشرين من رمضان الماضي التي أدت إلى مقتل شابين، وتتهم قوى ثورية نظمت اعتصاما رمزيا في هذا اليوم أمام القيادة العامة المجلس العسكري بالتورط في مقتلهما، فضلا عن مقتل عضو لجان مقاومة الجريف، محمد إسماعيل في ظروف غامضة.

ووظف تجمّع المهنيين حالة الغضب الشعبي للمطالبة بعزل العسكريين في مجلس السيادة واستبدالهم بما أسماه “ممثلون من شرفاء القوات المسلحة والقوات النظامية الأخرى من المنحازين لأهداف ثورة ديسمبر”، كشرط ضروري لإنفاذ العدالة.

ويتخوف المكون العسكري من أن يكون ذلك المطلب بمثابة انقلاب جديد على القيادة الحالية من خارج القوات المسلحة، بعد أن أحبط محاولات عديدة من قبل جرت من قبل بعض القيادات العسكرية داخل الجيش.

وأوضح القيادي بقوى الحرية والتغيير نورالدين صلاح الدين، أن ذكرى فضّ الاعتصام مناسبة لجميع القوى السياسية للإعلان عن نفسها، وتوظفها القوى الثورية للتأكيد على أن حضورها ما زال طاغيا في الشارع، فيما يتعامل معها المكون المدني في السلطة على أنها فرصة لكشف الحساب والضغط باتجاه استكمال استحقاقات المرحلة الانتقالية.

وأشار في تصريح لـ”العرب” إلى أن مطالب الإصلاح يتوافق عليها الجميع داخل السلطة الانتقالية وخارجها، والخلاف يبقى على طريقة علاج القصور، إذ أن الأجندة التي أعلن عنها الحزب الشيوعي تصب في صالح أجندة فلول نظام البشير، وهؤلاء لديهم رغبة في فضّ الشراكة بين المدنيين والعسكريين والانقضاض على الوثيقة الدستورية واتخاذها فرصة مناسبة للعودة إلى المشهد السياسي.

وهناك مخاوف لدى الأحزاب التي قادت المظاهرات ضد نظام البشير من أن تنحرف سلمية الثورة إلى أحداث عنف مع ظهور مجموعات جديدة تحت مسمى “غاضبون” وكيانات غامضة خرجت للعلن مؤخرا استخدمت مصطلحات تشي بأن هناك محاولات لجرّ البلاد إلى مرحلة جديدة من العنف، خاصة مع اختلاف مواقف لجان التنسيقيات التي قادت عملية التظاهر في السابق.

2