تسريب الونيسي يأتي في توقيت سيء للنهضة

الرئيس المؤقت يثير مخاوف الحرس القديم بالحديث عن تغيير القيادة.
الثلاثاء 2023/09/05
الونيسي يريد لعب ورقة التخلي عن القيادات القديمة لاسترضاء السلطة

تونس- وجد الحرس القديم في حركة النهضة التونسية نفسه أمام وضع سياسي وتنظيمي استثنائي أجبر مجلس الشورى للحركة على تأجيل عقد مؤتمر مصيري يتزامن مع غياب رئيس الحركة راشد الغنوشي الذي توقفه السلطات التونسية منذ أشهر بتهم متعددة.

وجاء هذا القرار بعد تسريب صوتي منسوب إلى رئيس الحركة المؤقت منذر الونيسي في حوار إعلامي تحدث فيه عن فساد داخل الحركة، فضلا عن وجود تكتلات وصراع مواقع.

ولئن نفى الونيسي، بعد ظهور التسريب، أن يكون قد أجرى المقابلة، إلا أن الصحافية التي أجرت الحوار، قالت إن اللقاء قد تم منذ أكثر من ثلاثة أشهر، وإنها ليست هي من سرّب الشريط، وإن جهة أخرى مستفيدة قد سرّبته.

◙ أوساط سياسية تونسية تستبعد أن تكون السلطة معنية بما يجري في حركة النهضة من صراع على القيادة

وقوبل التسريب بردة فعل واسعة بين أنصار حركة النهضة وناشطيها على مواقع التواصل الذين انقسموا إلى فئتين، فئة تدعم الونيسي وتعتبر كلامه حجة له وتحثه على المضي في مسار “تطهير” الحركة من الحرس القديم، وفئة ثانية تتهمه بتنفيذ خطة من السلطة السياسية لإثارة خلافات كبيرة داخل الحركة وتفكيكها.

وأثار الرئيس المؤقت لحركة النهضة مخاوف الحرس القديم حين أعلن أن المؤتمر سيكون فرصة لتجديد الحركة، وخاصة تجديد القيادة، وهو ما دفع خصومه إلى اتهامه بمحاولة الاستفادة من إيقاف الغنوشي وأبرز نوابه للانقلاب عليهم، وتشكيل قيادة جديدة بإيعاز من السلطة.

وقال الونيسي في مقابلته الأخيرة مع وكالة الأنباء الألمانية إن “أولويتنا في المؤتمر هو تجديد الأفكار والمرجعية والعودة إلى التونسيين عبر طرح اقتصادي واجتماعي جديد”.

وأضاف أن “العودة إلى التونسيين تتطلب خيارين، إما أن تراجع القيادة القديمة نفسها وتأتي بأفكار جديدة أو تصعيد قيادة بديلة وجديدة بالكامل. هذا سيحسم فيه المؤتمر”.

كما أعلن عن تحديد موعد المؤتمر الانتخابي للحزب في أكتوبر المقبل. ولم يستبعد إجراءه عن بعد في حال رفضت السلطات إعادة فتح مقرات الحزب واستئناف أنشطته السياسية.

بلقاسم حسن: جزء كبير من أعضاء الحركة ضد انعقاد المؤتمر الحادي عشر
بلقاسم حسن: جزء كبير من أعضاء الحركة ضد انعقاد المؤتمر الحادي عشر

ولوضع حد لمساعي الونيسي والتيار البراغماتي الذي يحيط به والهادفة إلى تغيير القيادة وإحداث مراجعات والحوار مع السلطة، انعقد مجلس شورى الحركة الذي يسيطر عليه الحرس القديم، وقرر بصفة عاجلة تأجيل المؤتمر إلى موعد غير معلوم، ما يظهر أن الهدف هو قطع الطريق على أيّ تغييرات يمكن أن تحدث وتحد من سلطات القيادات القديمة.

وقال القيادي في حركة النهضة بلقاسم حسن في تصريحات إذاعية إن جزءا كبيرا من أعضاء الحركة ضد انعقاد المؤتمر الحادي عشر ويعتبر أنه خيانة للقادة السياسيين الموقوفين. ويعتقد التيار الداعم للونيسي أن القيادة الحالية لم تعد تصلح للبقاء على رأس الحركة بسبب صورتها السيئة لدى التونسيين، فهي من كانت وراء تشكيل أغلب الحكومات من 2012 إلى2021، ومختلف السياسات الاقتصادية الفاشلة التي عاشتها تونس خلال العشرية الماضية.

كما أن استمرار القيادة الحالية، الموجودة في السجن، سيعني استمرار التوتر مع الرئيس قيس سعيد، وهو ما لا يريده الونيسي والتيار المساند له، الذي يتخوف من مواجهة جديدة مع السلطة في وضع غير ملائم للحركة، التي تشقها الخلافات من ناحية، ومن ناحية ثانية فقد فقدت العشرات من الأسماء البارزة بالانسحاب أو الاستقالات الجماعية بسبب الخلاف مع الغنوشي.

ومن الواضح أن الونيسي يريد لعب ورقة التخلي عن القيادات القديمة لاسترضاء السلطة ودفعها إلى فتح قنوات التواصل مع الحركة من جديد.

لكنّ أوساطا سياسية تونسية تستبعد أن تكون السلطة معنية بما يجري في حركة النهضة من خلافات وصراع على القيادة، وأن الأمر لا يعدو أن يكون مزايدة سياسية بين المجموعات المتصارعة داخلها.

ولا شيء يوحي بأن السلطة ستفتح الباب للحوار مع الونيسي وتياره فيما لو تأكد تحييد الغنوشي وبقية الحرس القديم عن القيادة. فهذا التنازل لا يعني لها شيئا، خاصة أنها لا تراهن على الأحزاب البعيدة عنها أو القريبة منها.

والأمر نفسه يتعلق بورقة الحوار التي يعرضها الونيسي على السلطة كبادرة حسن نية ورغبة في التهدئة معها. لكن الرئيس الانتقالي لا يختلف في إدارة العلاقة مع السلطة مع أسلوب الغنوشي. فهو يرسل الإشارة ونقيضها؛ من ناحية هو مع الحوار ويلمّح إلى استعداد النهضة لأن تتغير وتراجع مواقفها وخططها، ومن ناحية ثانية يقول إن سلطة 25 يوليو هي من ستسعى للحوار مضطرة مراهنا على أن الوضع الاقتصادي الصعب سيدفعها إلى ذلك رغما عنها.

◙ مجلس الشورى قرر بصفة عاجلة تأجيل المؤتمر إلى موعد غير معلوم، ما يظهر أن الهدف هو قطع الطريق على أيّ تغييرات يمكن أن تحدث وتحد من سلطات القيادات القديمة

ويقول الونيسي في حواره مع وكالة الأنباء الألمانية “إن منظومة 25 يوليو فشلت على كل الأصعدة ومن الحكمة (…) فتح انتخابات مبكرة وإتاحة الفرصة للجميع للمشاركة”.

وأعلمت السلطات السبت عبدالكريم الهاروني رئيس مجلس الشورى، وهو أعلى هيئة في الحركة، بوضعه قيد الإقامة الجبرية في مقر سكنه دون الكشف عن أسباب ذلك.

وقال رياض الشعيبي المستشار السياسي لرئيس حركة النهضة إن قرار السلطات إخضاع رئيس مجلس شورى للإقامة الجبرية كان عبر استخدام قانون الطوارئ.

وأغلقت وزارة الداخلية مقرات حركة النهضة منذ أبريل الماضي بدعوة التفتيش والتحقيق، كما منعت الحركة و”جبهة الخلاص” من تنظيم اجتماعات سياسية. ولم تحدد آجالا لهذه الإجراءات.

1