تسريبات علي فاضل فرصة نادرة لكشف السياسيين العراقيين أمام مواطنيهم

لندن – أتاحت التسريبات الصوتية لرئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي، التي وفرها الصحافي العراقي علي فاضل، الفرصة للعراقيين كي يتعرفوا عن كثب على طبيعة الطبقة السياسية التي تحكمهم، وعلى حجم العداء بين أطراف العملية السياسية.
ولم يكن علي فاضل يخاطب الطبقة السياسية فقط من خلال هذه التسريبات، بل خاطب أيضا المواطن الذي تعلم أن يفقد الاهتمام بمختلف القضايا فقْدا سريعا، خاصة في ظل تعدد الحملات الإعلامية الموجهة بين مختلف الأطراف والدعايات التي لا تترك فرصة للتمييز بين الصحيح والخاطئ.
ويعتبر نوري المالكي الذي رافق بناء العملية السياسية منذ السنوات الأولى لغزو العراق في عام 2003، والذي قاد حكومتين متتاليتين بين عامي 2006 و2014، هو الأقرب إلى معرفة كل السياسيين الآخرين الذين شاركوا في تلك العملية؛ فهو يعرفهم واحدا واحدا، وخاض مساومات معهم، وقدم لهم خدمات، ووزع عليهم الحصص والمغانم، كما أخذ حصته من هذه المغانم، وتابع كل خطواتهم في بناء ما أصبح ميليشيات مسلحة تابعة لهم.
المهنية الحقيقية تمكن في وجود صحافيين في عراق اليوم لا يخشون المخاطر، في بلد باتت الاغتيالات فيه أمرا اعتياديا
ولكن الأهم من هذه الحقائق هو أن تلك التسريبات تكشف عن صراعاتهم الداخلية، حتى وهم حلفاء، كما تكشف عن مستوى الفساد الذي بلغه قادة الجماعات المتنافسة، ليس داخل “المكون الشيعي” فحسب وإنما داخل “المكونات” الأخرى أيضا. كما تكشف عن ارتباطاتهم بالخارج. بل وتكشف كيف أن إيران تحارب مع كل واحد منهم ضد الآخر أيضا.
وسجل علي فاضل ما يعادل ضربة قاضية لطبيعة العملية السياسية في العراق وللفاعلين فيها في آن واحد. وكشف عبر سلسلة من التسريبات كيف أن أولئك الذين يظهرون موحدين ويعقدون اجتماعات للتنسيق فيما بينهم لأجل الاستمرار في قيادة البلاد، هم في الواقع جبناء مثلما وصفهم المالكي.
وملثما يعرفهم المالكي في فضائحهم، فإنهم بدورهم يعرفونه بفضائحه، ولن يكون غريبا أن يسربوا ما يعرفونه عنه.
وأنجز الصحافي علي فاضل عملا غير مسبوق، يُظهر أن هناك جيلا جديدا من الصحافيين العراقيين لا يُجيد “الصنعة” بأفضل مستوياتها المهنية فحسب، وإنما يستطيع أن يرتقي بها فوق كل الضغوط والتهديدات والإغراءات، من أجل أن يقدم الحقيقة.
وقدم علي فاضل تسجيلا شخصيا رد فيه على كل الاتهامات التي وجهت إليه مثل القول إن التسريبات وصلت إليه من جانب المالكي نفسه لكي يفضح “ربعه” (جماعته)، أو أنه قصد من نشرها الحصول على المال.
وسبب تقديم التسريبات على أجزاء هو أن ذلك أفضل طريقة لضمان تأثيرها واستمرارية فاعليتها وتحويلها إلى سبب إضافي من أسباب التنازع بين قادة تلك الجماعات المتنافسة أنفسهم.
واعتبر فاضل أن طرح التسريبات دفعة واحدة يجعل نسيانها أمرا سهلا، بينما يمكن أن تكون فضيحة قائمة بذاتها في كل فقرة من فقراتها، ومصدرا لتفاعلات الرأي وتناقل الخبر.
ويقول إعلاميون عراقيون إن المهنية الحقيقية هي أن هناك صحافيين في عراق اليوم لا يخشون المخاطر، في بلد باتت الاغتيالات فيه أمرا اعتياديا.

وكشف الجزء الرابع من تسريبات صوتية للمالكي عن خطة واسعة لمواجهة مفتوحة مع التيار الصدري وحلفائه من السنة والأكراد تقوم على تهيئة فصائل مسلحة وكاملة الولاء للمالكي لحسم الموقف في العراق بالقوة.
وقال المالكي “أنا أعلم أن الصدر سيستهدفني أولاً، لأنني دمرته، ولن أبقي التشيع والعراق بيد مقتدى الصدر، وفي حال عجزت وزارة الداخلية فلن أعجز، ولدي الآن 10 – 15 تجمعا (ميليشيات) لأُسلِّحهم، وأبقيهم مستعدين للمرحلة الحرجة، وسأهجم على النجف في حال هجم الصدر، فهو رجل حاقد، ولديه ثلاث خصال سيئة، فهو يريد دمًا، وهو جبان، ويريد الأموال وسرق البلاد كلها، ويريد أن يكون ‘ربكم الأعلى’، والإمام المهدي، كما يدّعي جماعته بذلك”.
وطالب الصدر الإثنين زعيم ائتلاف دولة القانون باعتزال العملية السياسية واللجوء إلى الاستغفار أو تسليم نفسه. وكتب في تغريدة له نشرها على حسابه في تويتر أن “في موتي شفوة وفرحًا لإسرائيل وأميركا والإرهابيين والفاسدين، لكن العجب كل العجب أن يأتي التهديد من (حزب الدعوة) المحسوب على آل الصدر ومن كبيرهم المالكي (نوري)، ومن جهة شيعية تدعي طلبها لقوة المذهب”.
ودعا زعيم التيار الصدري، بحسب التغريدة، إلى “إطفاء الفتنة من خلال استنكار مشترك من قبل قيادات الكتل المتحالفة معه من جهة، ومن قبل كبار عشيرته من جهة أخرى”، مستدركاً “وأن لا يقتصر الاستنكار على اتهامي بالعمالة لإسرائيل أو اتهامي بقتل العراقيين، بل الأهم من ذلك هو تعديه على قوات الأمن العراقية واتهام الحشد الشعبي بالجبن وتحريضه على الفتنة والاقتتال (الشيعي – الشيعي)”.